هيثم الجمل ...قصة طفل شهيد في غزة حرمه رصاص الاحتلال من فرحة العيد
حمل الطفل هيثم الجمل (15عامًا) شهادة الصف الثالث الإعدادي وأرفقها بملف الإنجاز، وأودعها لدى والدته، طالبًا منها أن يلتحق بمدرسة "شهداء رفح" الثانوية للبنين، وألا تُلحقه العام الدراسي المقبل بمدرسة أخرى.
أحست والدة الطفل ورود الجمل (35 عامًا) أنه سيدخل مدرسة الشهداء، لكن ليس في الدنيا، فقبل خروجه للمشاركة بمسيرة العودة قال لها: "جهزي لي الكفن واستقبليني شهيدًا يا أمي، فقالت له: "لا يمّا إنّ شاء الله بترجع بخير". لكنه عاد شهيدًا مع ثلاثة آخرين استشهدوا في جمعة "مليونية القدس" أمس.
لكن تناهي نبأ استشهاد هيثم لم يكن سلسًا إلى مسمع والدته. إذ ركضت إلى مخيم العودة وهي تسمع داخلها عبارة "استقبليني شهيدًا.. استقبليني شهيدًا"، وبدأت تبحث عنه بين الجموع، حتى أخبرها الشبّان أنه أصيب، لكنه بخير.
ورغم أن أصدقاء هيثم حاولوا تهدئة روْع الأم، إلا أن قلبها لم يستكن لمحاولاتهم، فركضت مجددًا إلى المستشفى. وما إن وصلت حتى صدقتها مشاعرها حيال ما كان يتردد في نفسها بشأن استقباله شهيدًا.
هيثم لم يستطع الصمود لدقائق أكثر، فقد كانت حالته الصحية تتسارع في التدهور، لكنه أعطى والدته المكلومة فرصةً لإلقاء النظرة الأخيرة على جسده النحيل قبل أن يفارق الحياة بثوانٍ.
التقينا والدته التي أصرت على جلب كرة قدم كانت تسلية نجلها ولكل جيرانه، مع قميصٍ لنادٍ إسباني شهير ومزلاجان بعجلات.
تقول الأم لوكالة "صفا": "ما كان رياضي محترف وبس؛ كان حافظ أجزاء كثيرة من القرآن وحريص على قيام العشر الأواخر من الشهر الفضيل.. ابني ذكي وكنت أطمح يُكمل دراسته، لكنه دائمًا يردد (لا يا أمي بدّي استشهد ما تتعبي نفسك بدّي أروح لأحسن من كل الدنيا أنا رايح للجنة).
وتساءلت الأم وهي تمسك بيديها حذاءً جديدًا اشتراه هيثم ضمن ملابس العيد: "بأي ذنب قُتل هذا الطفل، كان مدنيًا يشارك في مسيرة العودة، وتم قنصه بشكل مباشر، حرموني فرحتي بابني، وحرموه العيد".
وتتابع "أين حقوق الإنسان، وحقوق الطفل، والحياة الكريمة التي من المفترض أن تتوفر لهؤلاء الأطفال.. طفل كهذا من المفترض أنه يعيش بأمن وأمان أسوة بباقي أطفال العالم مع والديه؛ فالعالم لا يرى".
"سأعيش وحيدًا"
أما "عبد الله" (14 عامًا) شقيق الشهيد، والذي لم يتوقف عن البكاء للحظة، فيقول: "كنا نلعب سويًا وننام في غرفة واحدة، والآن لن يكون بيننا؛ فالغرفة باتت فارغة وسأعيش بها وحدي.. لماذا قتلوا أخي، لماذا أخذوه مني؟!".
ولهيثم علاقة وطيدة مع جده عدنان (68عامًا)، فيفطر عنده أحيانًا، وأحيانًا أخرى يُصلي التراويح ويسهر في منزله؛ ورافق جده مرات عدة في مسيرات العودة.
ولخشيته على حياته، كان الجد حريصًا على أن يُحذّر حفيده من التقدم في صفوف المشاركين، حتى لا يُصاب بمكروه، كون قناصة الاحتلال لا يفرّقون بين طفل وشاب وامرأة.
ويتساءل الجد: "حفيدي كان يطلب الشهادة، ونالها من بين جموع المشاركين أمس؛ لكن ما الذي جعل طفلًا في هذا السن يُفكر في الشهادة؛ فمن المفترض أن يفكر في الحياة بحرية كأي طفل في العالم، لا لشيء؛ إلا لأنه لم يشعر بحياة كريمة على أرضه، وسلب الاحتلال حقوقه كما أطفال فلسطين".
ويتابع "نحن ندفع ثمنًا غالٍ لأجل حريتنا وكرامتنا، فكل يوم نقدم الشهداء والجرحى، لأجل عودتنا لأرضنا، ولنعش حياة كريمة، ويُفك الحصار عنا، فاليوم أحفادنا يشاركون، وإن لم يتحقق حُلم العودة والحياة الكريمة، سيحققه أحفاد أحفادنا".
شهود عيان رووا لـ"صفا" أن الطفل الجمل استُشهد بعد أن أنهى صلاة الجمعة، وتوجه مع مجموعة من الأطفال والشباب، على بعد نحو 100 متر من السياج الأمني شرقي رفح؛ حيث عاجلته رصاصة اخترقت بطنه وظهره.
واستشهد أمس أربعة مواطنين-بينهم الطفل الجمل- وأصيب 618 بجراح مختلفة. والشهداء هم زياد جادالله عبد القادر البريم (25 عامًا) والطفل هيثم الجمل (١٥ عامًا) وعماد أبو درابي (26عامًا) ويوسف الفصيح (29 عامًا).