أردوغان العثماني في الخطاب إياه
ياسر الزعاترة
جو 24 : تعجب من قوميين لا يجدون مشكلة في الانخراط في مشروع التمدد الإيراني في المنطقة، بينما يستعيدون خطابهم (الأصيل) حين يقتربون من أردوغان والمواقف التركية، لكن المشهد يبدو طبيعيا حين تعلم أن ما يحدد مواقف هؤلاء وأولئك لا يعدو أن يكون مزيجا من الدفاع عن بشار الأسد في معركته ضد شعبه، معطوفا على عقدة مزمنة حيال الإسلاميين بسبب تسيّدهم المشهد في عدد من الدول العربية.
بالنسبة لكاتب هذه السطور، فإن أي مشروع يمسّ الحضور والدور العربي في معادلة المنطقة لا يمكن أن يكون مقبولا، أكان من تركيا أم من إيران، فهذه الأمة (العربية) هي الركن الأهم في الإقليم، وإذا كان حسني مبارك ضيّعها زمنا طويلا وجعلها تابعة للأمريكان، وتبعا لهم للكيان الصهيوني، فإن هذه الحال لا يمكن أن تستمر، إذ يبشرنا الربيع العربي بزمن مختلف تقود فيه مصر قاطرة الأمة نحو النهوض والوحدة، ولو في حدها الأدنى، ما سيجعلها القوة الأكبر في الإقليم إلى جانب تركيا وإيران، لاسيما حين تتخلص الأخيرة من غرور القوة الذي تلبسها وتعود إلى حجمها الطبيعي بعد سقوط بشار وتصحيح الوضع المشوّه في العراق ولبنان.
ليس مقبولا بالنسبة إلينا أن تتغول على الوضع العربي؛ لا إيران ولا تركيا، لكن الفارق بين البلدين يبدو واضحا، إذ لا أقليات يمكن أن تستثمرها تركيا في عملية الاختراق، وهي لا تتبنى مشروعا مذهبيا يمكن أن يكون منافسا للوضع العربي، أما أحلام الإمبراطورية العثمانية فلا تنتمي في واقعها إلى التاريخ الحديث، لا على الصعيد المباشر، ولا حتى غير المباشر.
بوسع تركيا أن تكون محور من المحاور الثلاثة في الإقليم، وبوسعها حين تتعاون مع الأمة العربية أن تستفيد وتفيد على مختلف الأصعدة، ولا أعتقد أن أردوغان يريد أن يكون سلطانا عثمانيا، حتى لو استعاد في بعض تجليات خطابه شيئا من التاريخ القديم في معرض الاعتزاز والفخر.
كل ذلك لا يحول أبدا دون امتداد التعاون إلى فضائه الإسلامي الأوسع (نتذكر هنا مشروع أربكان القديم)، بل هو الحلم الأكبر، ولا مانع في أن تأخذ تركيا دورا محوريا في هذا التعاون، الأمر الذي ينطبق على إيران في حال تخلت عن مشروعها المذهبي الذي يحدث شرخا في جسد الأمة.
نتذكر ذلك كله بين يدي الهجاء اليومي الذي نسمعه من قوميين ويساريين يكرهون تركيا لاعتبارات عديدة، من أهمها كما أسلفنا الملف السوري (كانوا يشيدون بها أيام علاقتها الخاصة مع بشار الأسد، بينما كانوا يعيّرون الإسلاميين العرب بالنموذج الإسلامي التركي!!)، ويأتي بعد ذلك تعاون تركيا مع الإسلاميين العرب في دول الربيع العربي وسواها.
في هذا السياق، لا يتوقفون عن التنقيب في المواقف والتصريحات عما يسند رؤيتهم ودعايتهم، إن كان على صعيد الدعوى القائلة بنوايا استعادة الإمبراطورية العثمانية (طالب بعضهم بالرد على ذلك بالدعوة لتحرير لواء الإسكندرون!) أم على صعيد العلاقة بين أنقرة وتل أبيب، وبالطبع في معرض التشكيك بعمالة أردوغان للغرب والصهيونية (دعك من عضويتها في حلف الناتو، وهي عضوية سابقة على أردوغان وتاريخ حزبه)، وكانت آخر بضاعتهم تلك المتعلقة بصفقة السلاح مع الكيان الصهيوني، والتي تجاهلوا أنها كانت تتعلق بقطع غيار للطائرات كان الطرف الآخر هو الذي يتحفظ عليها.
يدركون تماما أن السياسة جملة من التعقيدات والتناقضات، وهم أكثر من يجيد لعبة التبرير، تماما كما كانوا يبررون لحافظ الأسد التفاوض مع الكيان الصهيوني، وبعد ذلك لابنه العزيز تفاوضه مع نتنياهو الذي كان على وشك الوصول إلى صفقة لولا اندلاع الثورة، فضلا عن هدوء جبهة الجولان واعتراف النظام بالقرارات الدولية، وقبوله بالمبادرة العربية للسلام (2002) رغم تنازلها عن حق العودة.
أردوغان رئيس حكومة وليس كل شيء في تركيا، وهو يراوح في علاقاته بحسب وضعه الداخلي، وتبعا لارتباطه بالناتو، وقدرته على احتمال الضغوط الخارجية، وهو يخطئ ويصيب، وتعرف منه وتنكر، والغريب أن أكثرهم لم يتوقفوا عند الهجمة الأخيرة عليه بسبب انتقاده للصهيونية، وربما توقف بعضهم معتبرا إياها محض “بروباغندا” للتغطية على مواقف بائسة أخرى، كما لن يعنيهم قول إذاعة العدو نقلا عن مصادر سياسية إن “الجانب التركي هو الذي لا يريد إنهاء الأزمة” بين البلدين، وحتى “لو استجابت إسرائيل لجميع مطالب الجانب التركي بما فيها تقديم اعتذار عن قتل أتراك على ظهر السفينة مرمرة لن تكتفي تركيا”.
في أي حال، يقدم أردوغان في بلاده نموذجا للحكم الرشيد الناجح، وهذا هو الأهم بالنسبة إليه، وهو في ملف العلاقة مع الكيان الصهيوني وقوى المقاومة يقدم نموذجا أفضل من أكثر الدول العربية، كما أن تعاونه مع الدول العربية لا تشتم منه مباشرة رائحة الهيمنة (وصل الحال ببعضهم حد اعتبار المسلسلات التركية جزءا من لعبة لاختراق، لكأن أردوغان سعيد بمسلسلات مهند ونور وما شابه)، لكننا نتمنى من هؤلاء وأولئك إن كانوا حريصين حقا على الأمة، أن يدينوا مشروع التمدد الإيراني الذي يبدو أكثر وضوحا بكثير من مشروع عثماني ينبغي التنقيب في التصريحات بحثا عنه.الدستور
بالنسبة لكاتب هذه السطور، فإن أي مشروع يمسّ الحضور والدور العربي في معادلة المنطقة لا يمكن أن يكون مقبولا، أكان من تركيا أم من إيران، فهذه الأمة (العربية) هي الركن الأهم في الإقليم، وإذا كان حسني مبارك ضيّعها زمنا طويلا وجعلها تابعة للأمريكان، وتبعا لهم للكيان الصهيوني، فإن هذه الحال لا يمكن أن تستمر، إذ يبشرنا الربيع العربي بزمن مختلف تقود فيه مصر قاطرة الأمة نحو النهوض والوحدة، ولو في حدها الأدنى، ما سيجعلها القوة الأكبر في الإقليم إلى جانب تركيا وإيران، لاسيما حين تتخلص الأخيرة من غرور القوة الذي تلبسها وتعود إلى حجمها الطبيعي بعد سقوط بشار وتصحيح الوضع المشوّه في العراق ولبنان.
ليس مقبولا بالنسبة إلينا أن تتغول على الوضع العربي؛ لا إيران ولا تركيا، لكن الفارق بين البلدين يبدو واضحا، إذ لا أقليات يمكن أن تستثمرها تركيا في عملية الاختراق، وهي لا تتبنى مشروعا مذهبيا يمكن أن يكون منافسا للوضع العربي، أما أحلام الإمبراطورية العثمانية فلا تنتمي في واقعها إلى التاريخ الحديث، لا على الصعيد المباشر، ولا حتى غير المباشر.
بوسع تركيا أن تكون محور من المحاور الثلاثة في الإقليم، وبوسعها حين تتعاون مع الأمة العربية أن تستفيد وتفيد على مختلف الأصعدة، ولا أعتقد أن أردوغان يريد أن يكون سلطانا عثمانيا، حتى لو استعاد في بعض تجليات خطابه شيئا من التاريخ القديم في معرض الاعتزاز والفخر.
كل ذلك لا يحول أبدا دون امتداد التعاون إلى فضائه الإسلامي الأوسع (نتذكر هنا مشروع أربكان القديم)، بل هو الحلم الأكبر، ولا مانع في أن تأخذ تركيا دورا محوريا في هذا التعاون، الأمر الذي ينطبق على إيران في حال تخلت عن مشروعها المذهبي الذي يحدث شرخا في جسد الأمة.
نتذكر ذلك كله بين يدي الهجاء اليومي الذي نسمعه من قوميين ويساريين يكرهون تركيا لاعتبارات عديدة، من أهمها كما أسلفنا الملف السوري (كانوا يشيدون بها أيام علاقتها الخاصة مع بشار الأسد، بينما كانوا يعيّرون الإسلاميين العرب بالنموذج الإسلامي التركي!!)، ويأتي بعد ذلك تعاون تركيا مع الإسلاميين العرب في دول الربيع العربي وسواها.
في هذا السياق، لا يتوقفون عن التنقيب في المواقف والتصريحات عما يسند رؤيتهم ودعايتهم، إن كان على صعيد الدعوى القائلة بنوايا استعادة الإمبراطورية العثمانية (طالب بعضهم بالرد على ذلك بالدعوة لتحرير لواء الإسكندرون!) أم على صعيد العلاقة بين أنقرة وتل أبيب، وبالطبع في معرض التشكيك بعمالة أردوغان للغرب والصهيونية (دعك من عضويتها في حلف الناتو، وهي عضوية سابقة على أردوغان وتاريخ حزبه)، وكانت آخر بضاعتهم تلك المتعلقة بصفقة السلاح مع الكيان الصهيوني، والتي تجاهلوا أنها كانت تتعلق بقطع غيار للطائرات كان الطرف الآخر هو الذي يتحفظ عليها.
يدركون تماما أن السياسة جملة من التعقيدات والتناقضات، وهم أكثر من يجيد لعبة التبرير، تماما كما كانوا يبررون لحافظ الأسد التفاوض مع الكيان الصهيوني، وبعد ذلك لابنه العزيز تفاوضه مع نتنياهو الذي كان على وشك الوصول إلى صفقة لولا اندلاع الثورة، فضلا عن هدوء جبهة الجولان واعتراف النظام بالقرارات الدولية، وقبوله بالمبادرة العربية للسلام (2002) رغم تنازلها عن حق العودة.
أردوغان رئيس حكومة وليس كل شيء في تركيا، وهو يراوح في علاقاته بحسب وضعه الداخلي، وتبعا لارتباطه بالناتو، وقدرته على احتمال الضغوط الخارجية، وهو يخطئ ويصيب، وتعرف منه وتنكر، والغريب أن أكثرهم لم يتوقفوا عند الهجمة الأخيرة عليه بسبب انتقاده للصهيونية، وربما توقف بعضهم معتبرا إياها محض “بروباغندا” للتغطية على مواقف بائسة أخرى، كما لن يعنيهم قول إذاعة العدو نقلا عن مصادر سياسية إن “الجانب التركي هو الذي لا يريد إنهاء الأزمة” بين البلدين، وحتى “لو استجابت إسرائيل لجميع مطالب الجانب التركي بما فيها تقديم اعتذار عن قتل أتراك على ظهر السفينة مرمرة لن تكتفي تركيا”.
في أي حال، يقدم أردوغان في بلاده نموذجا للحكم الرشيد الناجح، وهذا هو الأهم بالنسبة إليه، وهو في ملف العلاقة مع الكيان الصهيوني وقوى المقاومة يقدم نموذجا أفضل من أكثر الدول العربية، كما أن تعاونه مع الدول العربية لا تشتم منه مباشرة رائحة الهيمنة (وصل الحال ببعضهم حد اعتبار المسلسلات التركية جزءا من لعبة لاختراق، لكأن أردوغان سعيد بمسلسلات مهند ونور وما شابه)، لكننا نتمنى من هؤلاء وأولئك إن كانوا حريصين حقا على الأمة، أن يدينوا مشروع التمدد الإيراني الذي يبدو أكثر وضوحا بكثير من مشروع عثماني ينبغي التنقيب في التصريحات بحثا عنه.الدستور