تنزعج إذا سمعتَ صوتك مسجلاً ؟.. السبب هو "المواجهة الصوتية" التي تحدث داخل عقلك
جو 24 :
«يا ليتني لم أتكلم»
شعور ينتابك أحياناً إذا سمعتَ صوتك مسجلاً، إذ يرتعد أغلبنا لدى سماع أصواتهم، فعدم إعجاب الشخص بصوته أمرٌ منتشر للغاية، لدرجة أن هناك مصطلحاً له وهو: المواجهة الصوتية.
لماذا يزعجك صوتك وأحياناً يصدمك؟
لكن لماذا تتكرَّر هذه المواجهة الصوتية لهذا الحد، في حين أننا لا نعطي بالاً لأصوات الآخرين؟
التفسير الشائع في الإعلام الشعبي -حسب تعبير تقرير لصحيفةThe Guardianالبريطانية- هو أننا في الطبيعي نسمع أصواتنا بينما نتكلم، فنستقبل الصوت المنقول إلى آذاننا من الخارج محمولاً على الهواء وكذلك الصوت المنقول من الداخل عبر عظامنا.
ويتسبَّب انتقال الصوت عبر العظام في نقل تردُّدات منخفضة غنية لا تنتقل في الصوت المنقول عبر الهواء. لذا فعندما تستمع لصوتك مسجلاً دون هذه التردُّدات، يبدو حاداً ومختلفاً. ببساطة؛ ما يصدمنا لأن صوتنا المُسجَّل لا يبدو كما توقَّعناه، فلا نحبه.
ميكي ماوس الذي يحبطك
يقول الدكتور سيلك بولمان، الأخصائي النفسي في جامعة إسيكس البريطانية: «كنت أتأمَّل في أن حقيقة أن أصواتنا لها تردُّد أعلى مِمَّا نعتقد يجب أن تقودنا للارتباك؛ لأنها لا تلاقي توقُّعاتنا الداخلية.
إذ تضطلع أصواتنا بدورٍ ضخم في تكوين هويتنا، وأظن أن ما مِن أحدٍ يريد أن يدرك أنه ليس الشخص الذي يظن أنه هو».
بالطبع قد يؤدي إدراك أن أصواتنا تشبه صوتَ شخصيةِ ميكي ماوس الكرتونية إلى شعورنا بالإحباط.
لكن هذا التفسير غير كافٍ فالأمر أكثر تعقيداً
بعض الدراسات أوضحت أن هذا ليس سوى تفسير جزئي.
على سبيل المثال، فيدراسة أُجرِيَت عام 2013، طُلِبَ من المشاركين تقييم جاذبية عينات مختلفة من أصواتٍ مُسجَّلة.
بينما كانت أصواتهم مُتضمَّنة بصورةٍ سرية بين هذه الأصوات، منح المشاركون تقييماتٍ أعلى كثيراً لأصواتهم، عندما لم يدركوا أنها أصواتهم.
والأدهى أنه يمكنك إيجاد تفسير كامل في سلسلةٍ من الدراسات الأقدم المنشورة منذ سنوات قبل فيض التقارير التي تطرح تفسير التردُّد الأعلى والتوقُّع الداخلي.
فالمواجهة الصوتية تكشف لك جوانب لا تدركها من شخصيتك
استنتج عالما النفس الراحلان فيل هولزمان، وكلايد روزي، من خلال تجربتهما عام1966أن المواجهة الصوتية تنبثق ليس من الاختلاف بين التردُّد الحقيقي والمُتوقَّع فقط، بل أيضاً من الاكتشاف الصادم الذي يحدث عندما تدرك كل ما يوصله صوتك.
والسبب ليس فقط لأنه يبدو مختلفاً عمَّا ظننت. فمن خلال ما يعرف باسم «اللمحات الخارج-لسانية»، تتكشَّف لك جوانب في شخصيتك لا يمكنك إدراكها بالكامل إلا بسماع صوتك من تسجيل. يتضمَّن هذا جوانب مثل مستوى قلقك، وتردُّدك، وحزنك، وغضبك وأشياءً من هذا القبيل.
كتب العالمان في دراستهما: «تأتي حالة الاضطراب والدفاعية رداً على المواجهة المفاجئة بصفاتٍ تعبيرية في الصوت لم يكن الخاضعون للتجربة يقصدون التعبير عنها، والتي لم يكونوا حتى تلك اللحظة مدركين أنهم عبَّروا عنها بالفعل».
أظهرتدراستهما التاليةأن من يتحدَّثون لغتين وتعلَّموا الثانية بعد سن 16 عاماً يزيد عدم ارتياحهم لدى سماع أصواتهم المُسجَّلة باللغة الأولى، وهي حقيقةٌ لا يمكن تفسيرها بسهولة بافتقاد التردُّدات الصوتية التي تحملها العظام.
كما تشعر بأن صوتك خرج عن السيطرة
التناسق الصوتي معقد للغاية، وببساطة ليس لدينا سيطرة كاملة وواعية ومباشرة عليه. بالطبع تحتوي الحنجرة الصوتية على النسبة الأكبر من الوصلات العصبية إلى الألياف العضلية في الجسم البشري.
وعلاوة على ذلك، عندما نسمع تسجيلاً ونحن لا نملك أدنى مستوى من السيطرة على أحاديثنا التي نمارسها عادة، يكون الأمر أشبه بأن أصواتنا أصبحت خارج السيطرة.
مارك بيلهو عالم أعصاب في جامعة مكغيل الكندية متخصص في الاتصال الشعوري، يتفق مع دراسات هولزمان وروزي، ويقول: «عندما نستمع إلى أصواتنا معزولةً، أي مفصولة تماماً عن بقية سلوكنا، قد نذهب في رحلةٍ تلقائية من تقييم أصواتنا بالطريقة التي نقيم بها أصوات الناس عادةً.. أعتقد أننا حينئذٍ نقارن انطباعاتنا الخاصة عن الأصوات بالطريقة التي يجب أن يُقيِّمنا بها الأشخاص الآخرون اجتماعياً، ما يتسبَّب في انزعاج الكثير من الناس أو استيائهم من الطريقة التي يظهرون بها لأن الانطباعات المُكوَّنة لا تتناسب مع السمات الاجتماعية التي يتمنون إبرازها».
لذا، على الرغم من أن الكثيرين قد يتفاجأون من صوت ميكي ماوس، تظل مسألة اللمحات الخارج-لسانية التي قد تظهر في أصواتنا هي ما تُقلِق فعلاً. ولكن ليس من المعتاد أن يتفاجأ الآخرون بالجانب الحاد في صوتك، بالإضافة إلى أن الآخرين لا يُقيِّمون صوتك بنفس طريقتك. ونحن لا نميل لنقد أصوات الآخرين، لذا تُرجِّح الاحتمالات أنك الشخص الوحيد الذي تشغل بالك بصوتك.