تقارب الرزاز والإسلاميين ..
عيسى غزاوي - ظهرت في الفترة الأخيرة مؤشّرات عديدة لما يمكن تسميته "بتقارب من قبل حكومة الرزاز اتجاه الإسلاميين" في الأردن، أبرزها كان استضافة التلفزيون الأردني للنائب ديمة طهبوب عن كتلة الإصلاح في سابقة لم تحدث منذ سنوات (نعلم جميعاً أن توجهات المؤسسات الإعلامية مبنية على السياسة) ولقاء الرزاز مع كتلة الإصلاح أكثر من مرّة وإعداد التلفزيون الأردني تقريراً خاصاً بهذا اللقاء، بالإضافة لاستضافة وزيرين من حكومة الرزاز هما مبارك أبو يامن وطارق الحموري على مأدبة عشاء في بيت المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين م. عبد الحميد الذنيبات، وأخيراً ما ورد في مقالة للكاتب فهد الخيطان المحسوب على الديوان الملكي من حث الحكومة على التحالف مع كتلة الإصلاح، فهل هو تقارب مرحلي أم فعلي؟! وما هي دوافع الطرفين للتقارب؟! وما هي أبرز سيناريوهات التوافق السياسي إن وجد؟!.
للإجابة على سؤال هل التقارب مرحلي أم فعلي، علينا الكشف عن دوافع الطرفين لهذا التقارب، الحكومة الليبرالية الجديدة معنية بهذه الفترة أن تحصل على درجة جيّدة من أصوات ثقة النوّاب لا سيما أنها خسرت معكسر المحافظين الذي كانوا يشكلون خزاناً تقليدياً لمنح الثقة للحكومات بالإضافة إلى ما يمكن تسميته استغلال القاعدة الشعبية للإسلاميين لتخفيف موجات النقد الموجّه للحكومة في الرأي العام وبالتالي تحسين صورتها العامّة، وهنا يمكننا الحديث عن تقارب مرحلي فقط ينتهي عند انتهاء معركة الثقة مع النوّاب.
هناك دافع آخر للحكومة يجري الحديث عنه يتعلق بالولاية العامة للحكومة لا سيما بعد انكفاء مؤسسة الديوان الملكي من التدخل في الشؤون الحكومية كما في السابق وذلك عبر تعيين العيسوي (الغير مسيس) مديراً للديوان الملكي مما يفتح الباب لدور أكبر لبعض دوائر النفوذ في الدولة للتدخل في الحكومة وعرقلة عملها ومحاولة سحب بساط الولاية العامة منها مما يجعل الحكومة مضطرّة للتلويح بورقة الإصلاح السياسي أو التقارب مع الإسلاميين كأداة ضغط ضدّ هذه الدوائر للحفاظ على الولاية العامّة دون أي مساس بها، كما يتيح هذا التقارب للحكومة من السيطرة على أي احتجاجات بالشارع مستقبلاً.
أما الإسلاميّون فهم معنيّون اليوم بإضفاء أي صفة شرعية وقانونية لجماعة الإخوان المسلمين من قبل الدولة بعد حملة شرسة شنّتها أجهزة الدولة المختلفة أدّت لنزاع قانوني بينهما وإغلاق بعض مقارهم ودعم المنشقيّن عنهم في تأسيس جمعية جماعة الإخوان المسلمين المختصّة بالمناكفة بهم فقط، بالإضافة لرغبة بعض الأفراد المحسوبين على الإسلاميين بالمشاركة في الحكومة لو عرض عليهم ذلك ولو كان بصورة فردية فقط، والرغبة الأهم للإسلاميين والدافع الأكبر للتقارب والمطالب التاريخي لهم هو تحقيق إصلاح سياسي حقيقي عبر إقرار قانون انتخاب عصري وديموقراطي يتبنى القائمة الوطنية على مستوى الوطن بنسبة 40% على الأقل تشكل بعدها حكومة أغلبية برلمانية وهو المطلب الذي يطالب به الإسلاميّون منذ عشرات السنوات.
بالنسبة لنوع التوافق السياسي، فنحن أمام ثلاثة مسارات، المسار الأوّل توافق سياسي يحقق مصالح الطرفين لا سيما الإعلامية وأمام الرأي العام تنتهي بانتهاء معركة الثقة، والتي من المرجح أن يحجب فيه الإسلاميّون الثقة عن الحكومة (بالإطلاع على شروطهم).
المسار الثاني هو توافق سياسي يحقق مصالح الطرفين ولكنه يتجاوز معركة الثقة لما بعدها، قد يتوّج بعد 100 يوم بتعديل وزاري يدخل فيه أحد الشخصيات المحسوبة على الإسلاميين الحكومة، وتحقق به الحكومة مزايا عديدة أهمها حصولها على الولاية العامة وتحسين صورتها في الرأي العام وتجنبها أي احتجاجات متوقعة للشارع، ونتحدث هنا عن الصعود لطبقة سياسية جديدة تعيش بها المعارضة والحكومة كل متمسك برأيه وتوجهاته وبنفس الوقت يتيح هذا التوافق تحقيق مصالح مشتركة بينهما على الرغم من أنّ الإسلاميين سوف يحجبون الثقة عن الحكومة فيها.
أما المسار الثالث وهو المستبعد برأيي فهو توافق سياسي مشروط ومؤطّر بجدول زمني معلن عنوانه الأبرز الإصلاح السياسي عبر قانون انتخاب يدعم القائمة الوطنية على مستوى الوطن بنسبة 40% على الأقل وتشكيل حكومة أغلبية برلمانية، ونتحدث هنا عن مرحلة "صندوق الاقتراع" وديموقراطية حقيقية بعيداً عن التعيين والمحاصصة والثنائيات الوطنية.
باعتقادي أن مطالب الإصلاح الشامل للوطن لا تتنافى مع الدخول في مرحلة سياسية جديدة تحقق بها مصالحك الحزبية، مع الاحتفاظ بذات المواقف السياسية المعارضة والمعلنة والسعي لها ضمن مشروع سياسي واضح.