ماذا حين يدعو بشار الشعب للجهاد؟!
ياسر الزعاترة
جو 24 : في تعليقها على فتوى مجلس الإفتاء الأعلى في سوريا التي دعت المواطنين إلى الالتحاق بالجيش، قالت وكالة رويترز بالنص: “العلمانية هي إحدى دعائم نظام الرئيس السوري، لكن بعد قرابة عامين من القتال مع من تقول إن “إرهابيين” يتصدرونهم، قررت دمشق اللجوء إلى نفس أسلوب أعدائها وهو الجهاد”!!
وكان مجلس الإفتاء الأعلى قد أصدر فتوى دعا من خلالها المواطنين للانضمام إلى الجيش، معتبرا ذلك “مسؤولية إيمانية ووطنية”..(لاحظوا الخلطة العلمانية الدينية في الفتوى). وتوجهت الفتوى إلى أبناء الجيش الذين يخوضون “المعارك في الدفاع عن شعبنا وأمتنا”، قائلة لهم إن عليكم “مراقبة الله عز وجل في جهادكم ودفاعكم عن سوريا رفعا لكلمة الله والحق في وطننا الغالي”. أما الأهم في الفتوى فيتمثل في قولها: “نناشد شعبنا في سوريا للوقوف صفا واحدا مع جيشنا العربي السوري وقواتنا المسلحة، وندعو أبناءنا للقيام بفريضة الالتحاق بالجيش العربي السوري”.
والحق أننا أمام مشهد مثير للسخرية، إذ تأتي الفتوى بعد تأكيدات عديدة من قبل بشار على أنه آخر قلاع العلمانية أمام مد الأصولية الذي يمثله الإخوان والسلفيون، وبالطبع في محاولة لاستدرار عطف الغرب عبر استثارة مخاوفه من الأصوليين الذين سينقلبون عليه كما فعلوا من قبل، ما يعني أنه الأضمن لمصالح الغرب، حتى لو اضطر تحت وطأة الحرب إلى وصف الأصوليين بأنهم عملاء للغرب والإمبريالية والصهيونية.
في الحرب، لا بأس أن تستخدم كل الأدوات بصرف النظر عن مستوى بؤسها وتناقضها، وحين يجد بشار أن المعركة قد أخذت بُعدا دينيا لافتا، بل مذهبيا عبر حشره في الإطار (العلوي)، مع وضوح اللون المذهبي (الشيعي) لحلفائه، في ظل وقوف الغالبية الساحقة من الأمة ضده، وعلى أساس ديني وأخلاقي عنوانه الانتصار للمظلومين، في ظل ذلك كله، لا بأس في أن يحاول استعادة وجهه السنّي عبر استنفار دائرة إفتاء (سنّية) تابعة لنظامه.
لقد نجح النظام في عسكرة الثورة معتقدا أن ذلك سيسهّل عليه وأدها، لكن السحر ما لبث أن انقلب على الساحر؛ في ظل تدفق مقاتلين من مختلف أرجاء العالم الإسلامي، ثم تحول الثورة برمتها نحو لون إسلامي واضح، رغم أن عدد غير السوريين لا يزال محدودا كما ذهب الأخضر الإبراهيمي الذي يصعب اتهامه بالتعاطف مع الثوار (قال إن عددهم لا يتعدى 2000، مقابل 100 ألف مقاتل سوري).
وحين ننسب النجاح في عسكرة الثورة للنظام، فنحن لا ندين أبدا حمل الثوار للسلاح؛ هم الذين فعلوا ذلك تحت وطأة شهور من القتل اليومي للمتظاهرين في الشوارع. وفيما ذهب فاروق الشرع إلى أن النظام كان يستجدي في الأشهر الأولى وجود مسلح واحد كي يتهم الثورة بالإرهاب، فقد جاء نعيم قاسم، نائب أمين عام حزب الله، ليمارس الكذب المفضوح بقوله إن الثورة تحولت مسلحة بشكل سريع جدا، ومنذ الأيام الأولى، لكأن العالم بلا ذاكرة.
في محاولة منه للخروج من قمقم الطائفية التي تبدت واضحة بمرور الوقت عبر انحياز الغالبية الساحقة من العلويين للنظام، ومن ورائهم إيران وتحالفها المذهبي أيضا، ولأنه يدرك أنه ينتمي لطائفة تحكم البلاد رغم أنها لا تشكل سوى 10 في المئة من السكان (لا يحدث ذلك في أي مكان في العالم)، فقد استنفر بشار (مشايخه السنّة) لكي يخرجوا بهذه الفتوى البائسة التي تعكس عمق أزمته، أكثر من قدرتها على استنفار الناس لأداء فريضة الجهاد دفاعا عن ولي أمر المسلمين القائد المجاهد بشار!!
والحال أن وجود مشايخ سنّة من أمثال أحمد حسون يعملون في صفوف النظام، أو حتى سياسيين سنّة يخشون الانشقاق خوفا على عائلاتهم، أو لأنهم متورطون حتى آذانهم في التحالف معه، كل ذلك لن يغير في حقيقة الموقف المتمثل في أن وقوف غالبية العلويين إلى جانبه لا يتعلق بإيمانها بأنه مقاوم وممانع يتعرض لمؤامرة إمبريالية صهيونية، بل خوفا على مصالحها. أما أمثال البوطي، فقد سقطوا سقوطا مريعا أمام الشعب والأمة، وصار على النظام أن يحشد له بعض الشبيحة في المسجد الأموي كل يوم جمعة، كي يقول إن شيخا كبيرا من مشايخ السنّة يقف إلى جانبه، متجاهلا أن شيخا واحدا في العالم الإسلامي بطوله وعرضه (خارج إطار التحالف الإيراني) لا يمكنه الجهر بكلمة تأييد له أمام الناس، الأمر الذي لا يبدو واردا، حتى في أوساط ذلك اللون المحدود من المحسوبين على السلفية الذين ينادون بطاعة ولي الأمر ما إذن بالصلاة (حتى لو نصّبه الأعداء كما ذهب بعضهم)، والذين اضطروا تحت وطأة الرأي العام في العالم الإسلامي إلى استثناء بشار من هذه المعادلة.
ربما تنطوي الفتوى على شعور بضعف الجيش في ظل توالي الانشقاقات، والحاجة إلى مزيد من المقاتلين، لكن الجانب الآنف الذكر هو الأكثر أهمية معطوفا على أمل باستعادة جزء من الشارع السنّي إلى جانب النظام.
يبقى القول إن فتوى حسون سترتد على معلمه أكثر مما ستفيده، إذا استنفرت وستستنفر علماء العالم الإسلامي من جديد، والذين سيعودون إلى التأكيد مجددا على أن معركة الثوار في سوريا هي جهاد في سبيل الله ضد طاغية يقتل شعبه، بصرف النظر عن دينه ومذهبه (هل يشك في ذلك “من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد”؟!).
(الدستور)
وكان مجلس الإفتاء الأعلى قد أصدر فتوى دعا من خلالها المواطنين للانضمام إلى الجيش، معتبرا ذلك “مسؤولية إيمانية ووطنية”..(لاحظوا الخلطة العلمانية الدينية في الفتوى). وتوجهت الفتوى إلى أبناء الجيش الذين يخوضون “المعارك في الدفاع عن شعبنا وأمتنا”، قائلة لهم إن عليكم “مراقبة الله عز وجل في جهادكم ودفاعكم عن سوريا رفعا لكلمة الله والحق في وطننا الغالي”. أما الأهم في الفتوى فيتمثل في قولها: “نناشد شعبنا في سوريا للوقوف صفا واحدا مع جيشنا العربي السوري وقواتنا المسلحة، وندعو أبناءنا للقيام بفريضة الالتحاق بالجيش العربي السوري”.
والحق أننا أمام مشهد مثير للسخرية، إذ تأتي الفتوى بعد تأكيدات عديدة من قبل بشار على أنه آخر قلاع العلمانية أمام مد الأصولية الذي يمثله الإخوان والسلفيون، وبالطبع في محاولة لاستدرار عطف الغرب عبر استثارة مخاوفه من الأصوليين الذين سينقلبون عليه كما فعلوا من قبل، ما يعني أنه الأضمن لمصالح الغرب، حتى لو اضطر تحت وطأة الحرب إلى وصف الأصوليين بأنهم عملاء للغرب والإمبريالية والصهيونية.
في الحرب، لا بأس أن تستخدم كل الأدوات بصرف النظر عن مستوى بؤسها وتناقضها، وحين يجد بشار أن المعركة قد أخذت بُعدا دينيا لافتا، بل مذهبيا عبر حشره في الإطار (العلوي)، مع وضوح اللون المذهبي (الشيعي) لحلفائه، في ظل وقوف الغالبية الساحقة من الأمة ضده، وعلى أساس ديني وأخلاقي عنوانه الانتصار للمظلومين، في ظل ذلك كله، لا بأس في أن يحاول استعادة وجهه السنّي عبر استنفار دائرة إفتاء (سنّية) تابعة لنظامه.
لقد نجح النظام في عسكرة الثورة معتقدا أن ذلك سيسهّل عليه وأدها، لكن السحر ما لبث أن انقلب على الساحر؛ في ظل تدفق مقاتلين من مختلف أرجاء العالم الإسلامي، ثم تحول الثورة برمتها نحو لون إسلامي واضح، رغم أن عدد غير السوريين لا يزال محدودا كما ذهب الأخضر الإبراهيمي الذي يصعب اتهامه بالتعاطف مع الثوار (قال إن عددهم لا يتعدى 2000، مقابل 100 ألف مقاتل سوري).
وحين ننسب النجاح في عسكرة الثورة للنظام، فنحن لا ندين أبدا حمل الثوار للسلاح؛ هم الذين فعلوا ذلك تحت وطأة شهور من القتل اليومي للمتظاهرين في الشوارع. وفيما ذهب فاروق الشرع إلى أن النظام كان يستجدي في الأشهر الأولى وجود مسلح واحد كي يتهم الثورة بالإرهاب، فقد جاء نعيم قاسم، نائب أمين عام حزب الله، ليمارس الكذب المفضوح بقوله إن الثورة تحولت مسلحة بشكل سريع جدا، ومنذ الأيام الأولى، لكأن العالم بلا ذاكرة.
في محاولة منه للخروج من قمقم الطائفية التي تبدت واضحة بمرور الوقت عبر انحياز الغالبية الساحقة من العلويين للنظام، ومن ورائهم إيران وتحالفها المذهبي أيضا، ولأنه يدرك أنه ينتمي لطائفة تحكم البلاد رغم أنها لا تشكل سوى 10 في المئة من السكان (لا يحدث ذلك في أي مكان في العالم)، فقد استنفر بشار (مشايخه السنّة) لكي يخرجوا بهذه الفتوى البائسة التي تعكس عمق أزمته، أكثر من قدرتها على استنفار الناس لأداء فريضة الجهاد دفاعا عن ولي أمر المسلمين القائد المجاهد بشار!!
والحال أن وجود مشايخ سنّة من أمثال أحمد حسون يعملون في صفوف النظام، أو حتى سياسيين سنّة يخشون الانشقاق خوفا على عائلاتهم، أو لأنهم متورطون حتى آذانهم في التحالف معه، كل ذلك لن يغير في حقيقة الموقف المتمثل في أن وقوف غالبية العلويين إلى جانبه لا يتعلق بإيمانها بأنه مقاوم وممانع يتعرض لمؤامرة إمبريالية صهيونية، بل خوفا على مصالحها. أما أمثال البوطي، فقد سقطوا سقوطا مريعا أمام الشعب والأمة، وصار على النظام أن يحشد له بعض الشبيحة في المسجد الأموي كل يوم جمعة، كي يقول إن شيخا كبيرا من مشايخ السنّة يقف إلى جانبه، متجاهلا أن شيخا واحدا في العالم الإسلامي بطوله وعرضه (خارج إطار التحالف الإيراني) لا يمكنه الجهر بكلمة تأييد له أمام الناس، الأمر الذي لا يبدو واردا، حتى في أوساط ذلك اللون المحدود من المحسوبين على السلفية الذين ينادون بطاعة ولي الأمر ما إذن بالصلاة (حتى لو نصّبه الأعداء كما ذهب بعضهم)، والذين اضطروا تحت وطأة الرأي العام في العالم الإسلامي إلى استثناء بشار من هذه المعادلة.
ربما تنطوي الفتوى على شعور بضعف الجيش في ظل توالي الانشقاقات، والحاجة إلى مزيد من المقاتلين، لكن الجانب الآنف الذكر هو الأكثر أهمية معطوفا على أمل باستعادة جزء من الشارع السنّي إلى جانب النظام.
يبقى القول إن فتوى حسون سترتد على معلمه أكثر مما ستفيده، إذا استنفرت وستستنفر علماء العالم الإسلامي من جديد، والذين سيعودون إلى التأكيد مجددا على أن معركة الثوار في سوريا هي جهاد في سبيل الله ضد طاغية يقتل شعبه، بصرف النظر عن دينه ومذهبه (هل يشك في ذلك “من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد”؟!).
(الدستور)