ماذا لو أُفشل الإسلاميون في مصر؟
حاتم الهرش
جو 24 : ما يجري في مصر لا يمكن بحال من الأحوال تصنيفه على أنه معارضة، لأن ما يجري ينافي أبسط مرتكزات المعارضة والمتمثّلة باحترام شرعية الصناديق وعدم العبث بأمن واستقرار البلاد.
مرسي هو الرئيس الشرعي للجمهورية، ومهما اختلفنا معه سياسياً لا بد وأن نحتكم في نهاية الأمر إلى ما أفرزته الديمقراطية، مع العلم بأن الانتخابات وحدها لا تعد مؤشراً وحيداً على إثبات الشرعية فحسب، فهناك الاستطلاعات والإنجازات وغيرها من المؤشرات التي يمكن أن تعكس المزاج الشعبي.
في أزمة الدستور وإقالة النائب العام أخيراً، دعت جبهة الإنقاذ إلى النزول في الشوارع والميادين رفضاّ لقرارات الرئيس مرسي، ولبّى الآف المصريين الذي يختلفون مع مرسي نداء الجبهة، لكن ذلك لم يكن إلا جزءاً من المشهد، فسرعان ما دعت القوى الإسلامية بعدها إلى التظاهر في نقاط عدة للتعبير عن مؤازرة قرارات مرسي، لنجد أنه ووفقاً لتقديرات (CNN) فإن ثلاثة ملايين مصري نزلوا إلى الشارع لتأييده.
لذا فإن مسألة موازين القوى باتت مسألة واضحة، عكست ذلك نتائج صناديق الاقتراع التي أفرزت محمد مرسي رئيساً لمصر، وقبل ذلك انتخابات مجلس الشعب التي جاءت بالإسلاميين، بل إن آخر الاستطلاعات أظهرت أن 63% يوافقون على أداء الرئيس محمد مرسي عقب ستة شهور من تولّيه منصبه.
إذن، فالمزاج العام "إسلامي" ولا يستطيع أحدٌ أن يُنكر هذا الأمر البتة، هذا ليس حكراً على مصر، فإن دول الثورة أفرزت إسلاميين عموماً، ومن المتوقع أن تظل هذه الظاهرة في مرحلة الثورات العربية، ومن المتوقع أيضاّ أن تشهد المنطقة مخاضات عسيرة بغية الوصول إلى صياغة العقد الاجتماعي لدول الثورة، وبناء مؤسسات الدولة المدنية المنشودة، والتخلّص من أعباء الماضي وخصوصاُ ما يتعلق بالهمّ الاقتصادي.
لكننا نلفت هنا إلى مسألة غاية في الأهمية وهي، ماذا لو حوربت تجربة الإسلاميين الذين يؤمنون بالشراكة المجتمعية والسياسية في بناء الدول على غرار ما يجري في مصر حالياً؟، وماذا لو تكررّت سيناريوهات إفشال التجربة؟
من المؤكد أن كل المؤشرات تدل على أن هناك مَن يسعى إلى إفشال التجربة الإخوانية في مصر تحديداً، خصوصاً في ظلّ تكرار المحاولات المتتالية والتي لن يكون آخرها التلويح بورقة الجيش المصري، ومع ذلك فإن السياق الذي يغلب على تصرفات الرئيس مرسي هو "التروّي" واستيعاب الصدمات التي يتلقاها بين الفينة والأخرى، لكن هل سيستمر مرسي والإخوان من ورائه، وعموم القوى الإسلامية الأخرى في اجتراح آليات الخروج من المأزق بالدعوة إلى الحوار وانتهاج السلمية والوقوف مكتوفي الأيدي إزاء تصرفات المخرّبين؟
شخصياً لا أعتقد ذلك، فإن تجربة الجماعة في خمسينيات القرن الماضي كانت تقوم على أرضية "درء الفتن واستجلاب المصالح" والعمل بالآية القرآنية: "وكفى الله المؤمنين القتال"، لكنها اليوم ليست مستعدة لأن تفرّط بالتجربة لأن الشعوب هي التي دفعتها لصدارة المشهد السياسي عير صناديق الاقتراع، ومع ذلك ستبقى آليات الجماعة للدفاع عن شرعية التجربة أقرب إلى الإطار السلمي.
لكن الإشكالية الحقيقية باتت تكمن في سيناريوهين، الأول أن تعمد التيارات الراديكالية إلى استنساخ تجارب الماضي العنفية، وثمة ما يؤيد ذلك من شواهد، حيث أكّدت شخصيات محسوبة على تلك التيارات بأن فكرة الانقلاب على الشرعية ستُقابَل بثورة إسلامية.
ثانياً، وهو الأخطر من ذلك، أن جماعة الإخوان ستشهد ولادة تيارات أشدّ راديكالية وتستنسخ تجارب سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، حيث انبثقت عن الجماعة "الأم" جماعات "الأصولية الإسلامية" التي سرعان ما تطوّرت ونشطت في عموم العالم وخصوص الإقليم والمنطقة.
ما الذي يشير إلى أن تلك الجماعات المنبثقة ستكون أشدّ فتكاً؟ والإجابة ببساطة، لأن تلك الجماعات ستعتبر أن سلمية التغيير باتت "فكرة ساذجة" في خضم التجربة بعد الثورات، لأنها أصبحت ورقة مستنفذة وأخيرة، ولأنها لم تفلح كذلك في تمكين المعتدلين من تجربتهم في الحكم.
لقد كانت "الأصولية" في أحد تجلياتها نتيجة عكسية لغياب الاعتدال الإسلامي إبان محاربته أثناء المدّ القومي واليساري، وسمتاً لمرحلة تعرّض فيها الإخوان المسلمون إلى التنكيل والاضطهاد، وإن من أجمل ما في الثورات أنها قطعت الشك باليقين وأثبتت فشل التجربة العنفية في حمل الناس على تأييد فكرة ما بالإكراه، ودحضت "التجربة العنفية" التي لبست لبوساً إسلامياً من خلال الحركات الأصولية، وقلّصت روح الأصولية بين تيارات "الإسلام السياسي" عموماً.
لكنّ كل مؤشرات الأحداث في مصر تؤكد بأن ما يجري حالياً من عبث بالأمن والاستقرار لإجهاض التجربة الإخوانية في الحكم، يعطي شرعية حقيقية لاستنهاض نواة للأصولية الإسلامية تأخذ طابعاً أقرب إلى الشعبية، تكفر بكل شيء سوى "العنف" حلاً لإشكاليات "الآخر" الذي حارب تجربة صناديق الاقتراع التي أتت بالإسلاميين.
أخيراُ.. على جبهة الإنقاذ ومَن يقف وراءها تحديداً، إدراك بأن أبعاد ما يجري في مصر لن يقف عند حدودها، بل سيتعداها إلى دول الجوار لأن مصر المحورية في العالم العربي ستكون "ملهمة" في التصدير كما كانت دوماً، وأن عليها أن تدرك بأن "أخونة الدولة" المزعومة أهون ألف مرة مما قد تنجرّ إليه مصر من دوّامة عنف ستنتهي حقيقةً بثورة إسلامية لن تكون الوحيدة في المنطقة.
مرسي هو الرئيس الشرعي للجمهورية، ومهما اختلفنا معه سياسياً لا بد وأن نحتكم في نهاية الأمر إلى ما أفرزته الديمقراطية، مع العلم بأن الانتخابات وحدها لا تعد مؤشراً وحيداً على إثبات الشرعية فحسب، فهناك الاستطلاعات والإنجازات وغيرها من المؤشرات التي يمكن أن تعكس المزاج الشعبي.
في أزمة الدستور وإقالة النائب العام أخيراً، دعت جبهة الإنقاذ إلى النزول في الشوارع والميادين رفضاّ لقرارات الرئيس مرسي، ولبّى الآف المصريين الذي يختلفون مع مرسي نداء الجبهة، لكن ذلك لم يكن إلا جزءاً من المشهد، فسرعان ما دعت القوى الإسلامية بعدها إلى التظاهر في نقاط عدة للتعبير عن مؤازرة قرارات مرسي، لنجد أنه ووفقاً لتقديرات (CNN) فإن ثلاثة ملايين مصري نزلوا إلى الشارع لتأييده.
لذا فإن مسألة موازين القوى باتت مسألة واضحة، عكست ذلك نتائج صناديق الاقتراع التي أفرزت محمد مرسي رئيساً لمصر، وقبل ذلك انتخابات مجلس الشعب التي جاءت بالإسلاميين، بل إن آخر الاستطلاعات أظهرت أن 63% يوافقون على أداء الرئيس محمد مرسي عقب ستة شهور من تولّيه منصبه.
إذن، فالمزاج العام "إسلامي" ولا يستطيع أحدٌ أن يُنكر هذا الأمر البتة، هذا ليس حكراً على مصر، فإن دول الثورة أفرزت إسلاميين عموماً، ومن المتوقع أن تظل هذه الظاهرة في مرحلة الثورات العربية، ومن المتوقع أيضاّ أن تشهد المنطقة مخاضات عسيرة بغية الوصول إلى صياغة العقد الاجتماعي لدول الثورة، وبناء مؤسسات الدولة المدنية المنشودة، والتخلّص من أعباء الماضي وخصوصاُ ما يتعلق بالهمّ الاقتصادي.
لكننا نلفت هنا إلى مسألة غاية في الأهمية وهي، ماذا لو حوربت تجربة الإسلاميين الذين يؤمنون بالشراكة المجتمعية والسياسية في بناء الدول على غرار ما يجري في مصر حالياً؟، وماذا لو تكررّت سيناريوهات إفشال التجربة؟
من المؤكد أن كل المؤشرات تدل على أن هناك مَن يسعى إلى إفشال التجربة الإخوانية في مصر تحديداً، خصوصاً في ظلّ تكرار المحاولات المتتالية والتي لن يكون آخرها التلويح بورقة الجيش المصري، ومع ذلك فإن السياق الذي يغلب على تصرفات الرئيس مرسي هو "التروّي" واستيعاب الصدمات التي يتلقاها بين الفينة والأخرى، لكن هل سيستمر مرسي والإخوان من ورائه، وعموم القوى الإسلامية الأخرى في اجتراح آليات الخروج من المأزق بالدعوة إلى الحوار وانتهاج السلمية والوقوف مكتوفي الأيدي إزاء تصرفات المخرّبين؟
شخصياً لا أعتقد ذلك، فإن تجربة الجماعة في خمسينيات القرن الماضي كانت تقوم على أرضية "درء الفتن واستجلاب المصالح" والعمل بالآية القرآنية: "وكفى الله المؤمنين القتال"، لكنها اليوم ليست مستعدة لأن تفرّط بالتجربة لأن الشعوب هي التي دفعتها لصدارة المشهد السياسي عير صناديق الاقتراع، ومع ذلك ستبقى آليات الجماعة للدفاع عن شرعية التجربة أقرب إلى الإطار السلمي.
لكن الإشكالية الحقيقية باتت تكمن في سيناريوهين، الأول أن تعمد التيارات الراديكالية إلى استنساخ تجارب الماضي العنفية، وثمة ما يؤيد ذلك من شواهد، حيث أكّدت شخصيات محسوبة على تلك التيارات بأن فكرة الانقلاب على الشرعية ستُقابَل بثورة إسلامية.
ثانياً، وهو الأخطر من ذلك، أن جماعة الإخوان ستشهد ولادة تيارات أشدّ راديكالية وتستنسخ تجارب سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، حيث انبثقت عن الجماعة "الأم" جماعات "الأصولية الإسلامية" التي سرعان ما تطوّرت ونشطت في عموم العالم وخصوص الإقليم والمنطقة.
ما الذي يشير إلى أن تلك الجماعات المنبثقة ستكون أشدّ فتكاً؟ والإجابة ببساطة، لأن تلك الجماعات ستعتبر أن سلمية التغيير باتت "فكرة ساذجة" في خضم التجربة بعد الثورات، لأنها أصبحت ورقة مستنفذة وأخيرة، ولأنها لم تفلح كذلك في تمكين المعتدلين من تجربتهم في الحكم.
لقد كانت "الأصولية" في أحد تجلياتها نتيجة عكسية لغياب الاعتدال الإسلامي إبان محاربته أثناء المدّ القومي واليساري، وسمتاً لمرحلة تعرّض فيها الإخوان المسلمون إلى التنكيل والاضطهاد، وإن من أجمل ما في الثورات أنها قطعت الشك باليقين وأثبتت فشل التجربة العنفية في حمل الناس على تأييد فكرة ما بالإكراه، ودحضت "التجربة العنفية" التي لبست لبوساً إسلامياً من خلال الحركات الأصولية، وقلّصت روح الأصولية بين تيارات "الإسلام السياسي" عموماً.
لكنّ كل مؤشرات الأحداث في مصر تؤكد بأن ما يجري حالياً من عبث بالأمن والاستقرار لإجهاض التجربة الإخوانية في الحكم، يعطي شرعية حقيقية لاستنهاض نواة للأصولية الإسلامية تأخذ طابعاً أقرب إلى الشعبية، تكفر بكل شيء سوى "العنف" حلاً لإشكاليات "الآخر" الذي حارب تجربة صناديق الاقتراع التي أتت بالإسلاميين.
أخيراُ.. على جبهة الإنقاذ ومَن يقف وراءها تحديداً، إدراك بأن أبعاد ما يجري في مصر لن يقف عند حدودها، بل سيتعداها إلى دول الجوار لأن مصر المحورية في العالم العربي ستكون "ملهمة" في التصدير كما كانت دوماً، وأن عليها أن تدرك بأن "أخونة الدولة" المزعومة أهون ألف مرة مما قد تنجرّ إليه مصر من دوّامة عنف ستنتهي حقيقةً بثورة إسلامية لن تكون الوحيدة في المنطقة.