على مجلس نقابة الصحفيين الاستقالة
خالد الخواجا
جو 24 :
شكّلت قضية الاعلامية والزميلة في التلفزيون الأردني، تهاني القطاوي، وكيفية اعتقالها وسجنها لأسبوع انتكاسة جديدة وكبيرة لحرية الاعلام وحقّ الحصول على المعلومة وامكانية نقد المسؤول، وذلك بعد سلسلة انتكاسات مهنية وصحفية فشل مجلس نقابة الصحفيين الحالي في حلّها..
قضية القطاوي كانت "القشة التي قصمت ظهر البعير"، وأظهرت حجم استياء الزملاء الصحفيين والاعلاميين من تخاذل النقابة في العديد من المواقف المشابهة، حيث يمثل الزملاء أمام المدعي العام بشكل يومي أو شبه يومي ونشاهد أحكاما قضائية ضدهم دون أن نرى أحدا من أعضاء مجلس النقابة يدافع عنهم أو يهتمّ كثيرا بشأنهم.
الأغرب من ذلك، أن مجلس نقابة الصحفيين عندما ظننا أنه لن يقف مكتوف الأيدي تجاه ما جرى مع الزميلة القطاوي، ذهب لاجراء استفتاء بين أعضائه، ليس للدفاع عنها، بل لمناقشة فيما إذا كان من حقّ النقابة الدفاع عنها أم لا لكونها غير مسجلة في النقابة! ليتمخّض الاجتماع -كالعادة- برفض سبعة أعضاء الدفاع عنها مقابل أربعة أصوات طالبت بالتدخل والدفاع عنها..
تخيّلوا حجم الأزمة التي نعيش! تخيّلوا أن نقابة الصحفيين تتناسى دورها في تأمين حقّ الصحفي والاعلامي بالحصول على المعلومة وتوجيه النقد وممارسة سلطته الرقابية على كلّ شيء! هل المطلوب منّا أن نكون شهود زور على ما يجري؟! أليس من واجب النقابة الدفاع المستميت عن حرية التعبير والرأي والنقد للزملاء الصحفيين والاعلاميين والناس؟!
لا نعلم ماذا فعلت النقابة لزميل صحفي حُكم عليه بغرامة 100 ألف دينار وآخر بـ 35 ألف دينار.
إن الخطر الأكبر الذي سُجّل في عهد هذا المجلس هو تطبيق قانون الجرائم الالكترونية على الصحفيين، علما أن الأصل بهذا القانون هو محاسبة العابثين بالوحدة الوطنية، أما أن يطبق على الصحفيين فهذه كارثة غير مسبوقة تقاعس المجلس الحالي في الحدّ منها أو وقفها.
لقد كنت ممن حذّروا النقابة مرارا من خطورة هذا القانون القاتل للمهنة، وشاركت بالاحتجاج عليه أمام الديوان الملكي ومجلس النواب مؤكدا أنه سيفتك بحرية التعبير والزملاء الاعلاميين الذين يمارسون حق النقد والتعبير، خاصة وأن القانون يمنح المسؤول حقّ الردّ والتبرير لكن يبدو أن مسؤولينا لا يريدون ذلك ويسعون للانتقام من أي ناقد لهم.
وبالرغم من هذه التحذيرات، إلا أن المجلس لم يسلم من الوقوع في براثن هذا القانون، ليُسجن أحد أعضائه واعلامي اخر بعد شكوى تقدم بها وزير المالية السابق، فيما انتفض المجلس بالدعوة للاعتصام أمام رئاسة الوزراء ومخاطبة الحكومة وربما استجدائها للافراج عن الزملاء، وهو ما جعلنا نستبشر خيرا بالتصدي لهذا القانون، إلا أن حماس المجلس توقّف تمام كما توقّفت المسيرة التي كان يُفترض أن تصل الرابع وانتهى الأمر عند هذا الحدّ الذي استفحل فيه ضرر قانون الجرائم الالكترونية بزملاء يقفون يوميا أمام المدعي العام.
ووصلت درجة ضرر القانون بمسؤولين حاليين لتقديم شكاوى (..) واقامة دعاوى ضد الصحفيين بحجة عدم دقة المعلومات التي ينشرونها، في حين كان المسؤول سابقا يكتفي بحقّ الرد.
أحد المسؤولين لمؤسسة غذائية هامة تستدعي رقابة اعلامية دائمة، سجّل خلال الفترة الماضية عشرات القضايا بحق مواقع وزملاء انتقدوا عمله، علما أن كثيرا من تلك الأخبار والانتقادات كانت مهنية، ويمتلك زملاؤنا وثائق عليها، ولكن يبدو أن الأمر أصبح مسلّيا للمسؤولين بالانتقام منّا وتشويه سمعتنا في ظل مجلس نقابتنا الذي انقسم على نفسه في الدفاع عن حرية التعبير..
وإلى جانب ذلك المسؤول، فهناك العديد من النواب والشخصيات ورجال الأعمال رفعوا مئات القضايا بحق كل من ينتقدهم سواء كانت حرية تعبير أو نقد مهني، ليُسجن بعضهم وعند الافراج عنهم يدخلوا مرحلة "الكعب الفرار على المراكز الأمنية والحاكم الاداري وقاضي الصلح".
إذن، السؤال الكبير، ما هو الدور المهني لهذا المجلس ما دام قد تخلى عن دوره في الدفاع عن الحريات العامة؟ وأين فاعلية لجنة الحريات العامة التي لم نسمع لها بيان شجب؟ وهل يكتفي المجلس الحالي بعمليات التدريب التي يلفّ بعضها كثير من الجدل؟! وهل تحوّلت مهمة مجلس النقابة من مهني إلى اداري مقتصر على التسجيل والقبول والتدريب واستقبال السفراء وغيرها؟!.
الواقع أن مطالبتي باستقالة مجلس النقابة لا تتوقف عند سوء تعاطيها مع قضية الزميلة القطاوي أو غيرها من الزملاء، ولا قانون الجرائم الالكترونية الذي أعتقد أن الفشل بالتصدي له يستوجب الاستقالة، ولكنه مرتبط بملفّ العضوية أيضا؛ فماذا فعل المجلس بخصوص نحو 159 عضوا من أعضاء الهيئة العامة في النقابة جرى قبولهم بشكل يلفّه الكثير من الغموض؟! وهل صحيح أن أوراق بعضهم مزوّرة وأن من بينهم أعضاء لا يحملون أي شهادة؟! وماذا بخصوص الحديث عن أعضاء قدّموا ضمانا وخبرة من صحف مغلقة واخرين من بلديات وغيرها من المخالفات الجسيمة؟! لماذا يتمّ رفض تسجيل حملة شهادات الماجستير والبكالوريس في مجال الاعلام والعديد من خبراء الاعلام في المواقع الالكترونية الذين حرموا من الانتساب للنقابة؟!.
لغاية هذه اللحظة، لم يتخذ مجلس النقابة أي قرار بخصوص تلك العضويات وشطبها من سجلات النقابة وهو القرار الذي كان منتظرا منذ عدة شهور، خاصة في ظلّ وجود ردّ من ديوان التشريع والرأي بهذا الخصوص، الأمر الذي يشير إلى مماطلة ورغبة بعدم اثارة هذا الملف أو البحث عن شعبويات زائفة. وأما القول بأن الدعوى القضائية التي تطعن بشرعية المجلس تمنعه من اتخاذ قرار بخصوص ملفّ العضوية فإنها مزاعم غير مقنعة، حيث أن رأيا قانونيا وازنا يؤكد أن أي قرار للمجلس يعتبر شرعيا حتى لو صدر حكم بعدم شرعية هذا المجلس.
في الحقيقة، إن الاعلام الرسمي واعلام المواقع الالكترونية يواجه حملة شرسة من متنفذين ونواب ومسؤولين وينعت باتهامات خطيرة ويلاحق بقضايا قاتلة في ظل مسؤوليته بكشف ما آلت إليه أوضاع البلد من فساد تسبب بتنامي عجز الموازنة والمديونية حتى بلغت نحو 40 مليار دولار، وهو ما يستوجب وجود مجلس نقابة صحفيين قويّ قادر على ردع أي جهة تستهدف السلطة الرابعة، ومدافع شرس عن حرية الاعلام وحقّ الزملاء الاعلاميين والصحفيين في توجيه أشد الانتقادات للمسؤولين، وإلا فعلى مجلس النقابة الاستقالة وتشكيل مجلس بديل يضم اعلاميين ممن لديهم خبرات صحفية واعلامية لقيادة مهنة الاعلام..