مؤمنون جزئيا: إن استطعنا توفير الدواء لا نستطيع توفير الغذاء
كتبت: فرح مرقه
لم يكفِ سلمى ودانا أن سنهما الصغيرة لم تمنع عنهما مرض السكري، إلا أن ضيق ذات اليد وعدم وجود تأمين شامل لكليهما، بات يحرمهما حتى من إيجاد الدواء الكامل والغذاء معا.
دواء السكري بكل ما يحمله، لطفلتين بعمر السبع سنين، من عناء الوخز والحقن وقياس نسبة السكر ومحظورات الطعام، لم يتوفر منه إلا الأنسولين، فباتت أمّ كلّ منهما تبحث عن كيفية تأمين المستلزمات الإضافية لابنتها، وهو ما لم تستطع إليه سبيلا.
وليست الفتاتان وعائلتيهما الوحيدتين في الأردن المشمولتين بتأمين صحي جزئي، فمعظم عائلات المؤمنين صحيا تبعا لوظائفهم لا يتمتعون بتأمين صحي شامل، حسب دراسات غير موثقة.
فسلمى ودانا ابنتين لموظفين بسيطين في إحدى مؤسسات الدولة، لا يؤمن لهما التأمين الصحي الحكومي سوى حقن الأنسولين، ويتركهما "تتحزّران" متى يكون الموعد الأنسب لأخذ هذه الحقن، "فجهاز قياس السكر وشرائطه باهظة الثمن"، حسبما أكدت والدة سلمى.
وبحرقة يقول والد دانا "لا أذكر أني استطعت يوما أن أوفّر لها كل ما تحتاجه من يوم ظهر لديها المرض"، مشيرا إلى أنه ووالدتها يجتهدان غالبان لمعرفة ما إذا حان موعد إبرة السكري.
في حين تؤكد والدة سلمى أن راتب الوالد لا يكاد يكفي أسرتهم الطعام "الذي غالبا ما يحوي النشويات التي منع الطبيب سلمى منها"، مشددة على أنها لا تستطيع تأمين طعام خاص لابنتها حتى لو كان ذلك يؤذيها.
ويعدّ الانتفاع من التأمين الصحي الجزئي، انتهاكا للمادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والذي وقع عليها الأردن في 30/6/1972، وصادق عليه في 28/5/1975.
وتنص المادة 12 من العهد على:
1. تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه.
2. تشمل التدابير التي يتعين على الدول الأطراف في هذا العهد اتخاذها لتأمين الممارسة الكاملة لهذا الحق، تلك التدابير اللازمة من أجل:
أ. العمل على خفض معدل موت المواليد ومعدل وفيات الرضع وتأمين نمو الطفل نموا صحيا.
ب. تحسين جميع جوانب الصحة البيئية والصناعية.
ج. الوقاية من الأمراض الوبائية والمتوطنة والمهنية والأمراض الأخرى وعلاجها ومكافحتها.
د. تهيئة ظروف من شأنها تأمين الخدمات الطبية والعناية الطبية للجميع في حالة المرض.
وفي هذا الاطار، شدد الدكتور فوزي السمهوري مدير مركز جذور لحقوق الإنسان على واجب الدولة بتأمين علاج كامل لأفرادها، لافتا إلى أن مجرد حرمان أفراد عائلة الموظف من التأمين الشامل، قد يضطره لإهمال علاجهم، ما يؤثر على الاقتصاد الكلي للدولة.
ومثّل السمهوري على المؤمنين جزئيا بالتأمين الذي يستفيد منه اللاجئون الفلسطينيون، موضحا أنهم يراجعون العيادات الخارجية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" وكثيرا ما تكون هذه العيادات خالية من العلاجات اللازمة، فيضطرون لتأمينها على حسابهم الخاص.
وأضاف أن المستفيد من هذا التأمين كثيرا ما يهمل العلاج في ظل غلاء الاسعار، لافتا إلى أن ما ينسحب على تأمين الوكالة ينسحب على عائلات موظفي الدولة "إذ تكون الزوجة والأولاد مؤمنين بنسب متفاوتة".
ولفت السمهوري إلى أن إهمال العلاج يؤدي إلى استفحال المرض،مضيفا "الأمر الذي سيؤثر على انتاجية الشخص وبالتالي انتاجية المكان الذي يعمل به ما سينعكس على عجلة اقتصاد الدولة كاملا".
واستنكر السمهوري ما أسماه "تقليل تغطية التأمين الصحي من قبل الدولة"، لافتا إلى أن فرض المزيد من الضرائب على المواطن وتحصيل نسب أعلى لتأمينه صحيا سيساهم لرفع نسب الفقر ومسح الطبقة الوسطى بشكل كامل.
وأشار إلى أن "الاشاعات والتسريبات عن اعتزام الدولة تقليل الخدمات المقدمة للمواطنين في المستشفيات الحكومية قد يؤدي لكارثة لا تحمد عقباها".
وكانت بعض وسائل الإعلام تناقلت أنباءً حول رفع نسبة الاقتطاع على المشتركين بالتأمين الصحي، الأمر الذي نفته وزارة الصحة لاحقا.
من جهة أخرى، تظهر بيانات منظمة الصحة العالمية أن 100 مليون نسمة سنويا ينزلقون في هاوية الفقر بسبب سداد مدفوعات مباشرة مقابل خدمات الرعاية الصحية.
وكان رئيس جمعية المستشفيات الخاصة الدكتور فوزي الحموري قال إن حوالي 34 % من المقيمين في الأردن، غير مشمولين بالتامين الصحي، وحسب أرقام مؤسسة الضمان الاجتماعي، فإن 560 ألفا من المشتركين فيها، غيرمشمولين بالتامين الصحي.
في سياق متصل تشيرآخر إحصائية للتأمين الصحي والتي كانت عام 2010 إلى أن 12.75 % من الأردنيين ليس لديهم أي تأمين صحي يشملهم وعائلاتهم بأي نسبة كانت، ويقسم التأمين الصحي في الأردن وحسب ارقام ادارة التأمين الصحي، فان عدد افراد هذه الشريحة يصل الى نحو 803 الاف، يشكلون ما نسبته 12.75بالمئة من اجمالي تعداد المواطنين البالغ قرابة 6.3ملايين.
ويتوزع معظم المواطنين المنتفعين من التأمينات الصحية بين التأمينين المدني والعسكري، وبما نسبته 41.25 بالمئة، و27.15 بالمئة على التوالي.
اما الباقون فهم مشمولون بتامينات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (اونروا) وبما نسبته 8.5 بالمئة وشركات التأمين 6 %، والصناديق (نقابات ومؤسسات خاصة) 3 بالمئة، والتامين الجامعي 1.3 بالمئة.
وهناك 13 شركة تعمل في مجال التامين الصحي في الاردن، وبحجم استثمار يتجاوز 13 مليون دينار.
*أعدّ لبرنامج الاعلام و حقوق الانسان
مركز حماية و حرية الصحفيين