الملك لقّن قادة العالم درسًا في الشجاعة.. وعرّى كيان الاحتلال وترمب
حمّل جلالة الملك عبدالله الثاني في خطابه التاريخي الذي ألقاه بالجمعية العامة للامم المتحدة، مسؤولية إفشال عملية السلام مع الفلسطينيين، للأسرائيليين أنفسهم، وللولايات المتحدة وقرارات رئيسها ترمب، التي وأدت مفاوضات الوضع النهائي، مثلما حمّله للأمم المتحدة نفسها التي صمتت لعقود خلت، على جميع قراراتها الصادرة عن الجمعية العامة ومجلس الأمن، والتي تقر بحق الشعب الفلسطيني، كباقي الشعوب، بمستقبل يعمه السلام والكرامة والأمل، وغضت طرفها عنه، وحرمته من حقه في إقامة دولته المستقلة.
الملك، وضع النقاط على حروفها تماماً، وأكد رفض الأردن لإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب، مدينة القدس المحتلة عاصمة للكيان الإسرائيلي، حين أعلن جلالته ان الموقف الاردني الثابت من أي تسوية للقضية الفلسطينية، يتلخص بأن تكون مدينة القدس، عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة، على حدود 67 ، بل وأعلن بكل شجاعة أن الأردن سيتصدى لأي محاولات لتغيير الهوية التاريخية العربية الإسلامية والمسيحية للمدينة المحتلة المقدسة.
موقف ملكي أقل ما يقال عنه أنه بطولي، لا يمكن لسياسي، أو زعيم عربي أو غير عربي، أن يرتقي له، ولا أن يبلغه، أو يجرؤ على مخاطبة الأمريكيين في عقر دارهم، ويحمّلهم مع الإسرائيليين مسؤولية افشال عملية السلام، حين أشار جلالته بوضوح إلى تفرد الأمريكيين باتخاذ قرارات ينوبون فيها عن الإسرائيليين فقال : «هل توجد اتفاقية تبرم بشكل أحادي ؟.. إن إنجاز أي اتفاق يتطلب وجود طرفين ؟!.. ومساعدتهما على التوصل إلى هذا الاتفاق»!، في اشارة مباشرة الى تخلي الإدارة الأمريكية عن دورها كراع لعملية التفاوض، وانحيازها الكامل لكيان الاحتلال.
الملك، طرح سؤالاً أمام ترمب وقادة دول العالم جميعهم، لخّص به مآلات الصراع، في ظل التعنت الإسرائيلي، والتفرد الأمريكي بفرض سياسة الامر الواقع، على الفلسطينيين، والشعوب العربية والاسلامية حين قال : ما هو المستقبل الذي سيترتب على ما يقترحه بعضكم؟ .. دولة واحدة ثنائية القومية تقوم في جوهرها على أساس إنكار المساواة بين مواطنيها؟ وأضاف جلالته مؤكداً : «هذه هي الحقيقة البشعة وغير الديمقراطية لفكرة الدولة الواحدة التي تمثل تخليا عن السلام، وطريقة جديدة للهروب منه»!
الملك خاطب ما تبقى من ضمير العالم: «إلى متى ستظل القدس، وهي المدينة المقدسة لأكثر من نصف سكان العالم، تواجه مخاطر تهدد تراثها وهويتها الراسخة؟ وكيف لنا أن نقبل بوضعٍ قائم مبني على الأزمات والتعصب؟ وحمّلهم مسؤولية عدم حل القضية الفلسطينية محذراً من مواجهة «خطأ فادح إذا ترك الشباب فريسة لتأثير قوى التطرف واليأس»، كما تحدث بلسان حال الفلسطينيين قائلاً: هناك أسر فلسطينية، عانت التهجير لعدة أجيال، يواجه أطفالها اليوم تهديد إنكار هويتهم»، وطالب دول وقادة العالم بتحمل مسؤولياتهم تجاه الشعب الفلسطيني، و العمل معاً لإعادة عملية السلام إلى مسارها الصحيح، وحثّهم على الرفض التام، لأي أعمال تهدد المفاوضات، وهو تصريح واضح ومباشر أيضاً من جلالته، بأن القرارات الامريكية الأحادية السافرة التي اتخذت بحق الفلسطينيين، ومدينة القدس، والأونروا، كانت السبب الاساس في اخراج العملية السلمية عن مسارها!
هكذا تكون مواقف الزعامات، والقيادات الثابتة على مواقفها التاريخية، رغم كل الضغوط التي تعرض ويتعرض لها الأردن لثنيه عنها، وإخضاعه للاملاءات الأمريكية المدعّمة بضغوط عربية لوجستية مساندة، أكدت وتؤكد، أن الأردن، هو العمق الإستراتيجي التاريخي لفلسطين المحتلة، والحضن الحاني عليها، وأبرزت مدى العلاقة التاريخية التي لا انفكاك لها، تجسدت بموقف ملكي تاريخي، يخرس كل الأفواه التي حاولت يوماً الاصطياد في الماء العكر.
العجيب في أمر الملك، انه لم يكتفِ بتلقين قادة العالم درساً في السياسة والمواقف البطولية، بلاستغل كعادته تواجده في نيويورك، ليقود حراكاً سياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً مكثفاً للغاية، واجرى سلسلة لقاءات منفصلة في عضون 24 ساعة فقط، مع كل من: الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، ووزير الخارجية الامريكي مايك بومبيو، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، والرئيس اللبناني العماد ميشال عون، والرئيس النمساوي ألكسندر فان دير بيلين، والرئيس البولندي أندريه دودا، ورئيسة كرواتيا كوليندا غرابار كيتاروفيتش، ورئيس وزراء بلجيكا شارل ميشيل، والرئيس الروماني كلاوس يوهانيس، والرئيس القبرصي نيكوس اناستاسيادس، ورئيس كوسوفو هاشم ثاتشي، ورئيس مقدونيا جورجي ايفانوف، والرئيس الألباني إيلير ميتا، إضافة إلى الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، والمديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو» أودري أزولاي، ووزير الخارجية الاماراتي عبدالله بن زايد آل نهيان، ومن ثم زار ترافقه جلالة الملكة مقر شبكة «سي إن إن» CNN الإخبارية ، حيث التقى رئيسها، وعددا من المدراء التنفيذيين والكادر الإعلامي فيها.
محلياً: نريد من مسؤولينا الاقتداء بالهمة والعزيمة الملكية.