السياستان المالية والنقدية تضعفان الاقتصاد
تاريخيًا هناك تعارض نسبي بين السياستين المالية والنقدية، الا انهما في السنوات القليلة الفائتة ولا زالت توجهاتهما تسبح عكس متطلبات الاقتصاد والاسواق التجارية وصولا الى المستهلكين، فالسياسة المالية عمدت الى زيادة الضرائب والرسوم ولم تستثنِ السلع والخدمات الاساسية والارتكازية من الخبز الى المياه والطاقة الكهربائية والمنتجات البترولية، وآخر القرارات المالية قانون ضريبة الدخل المجدد 2018، وفي نفس الاتجاه والاهداف سلكت السياسة النقدية رفع اسعار الفائدة على ادوات الدينار عدة مرات، وبلغت اسعار نافذة الايداع لليلة واحدة 3.5 %، وسعر اتفاقيات الشراء لليلة الواحدة 5 %، وسعر إعادة الخصم 5.25 %، وسعر الفائدة الرئيسي 4.25 %، وهذه القرارات التي يتخذها البنك المركزي لمسايرة اسعار الفائدة على الدولار الامريكي مبالغ فيها التي بلغت 2.25 % وفق احدث قرار لمجلس الاحتياطي الفدرالي الامريكي.
الاستجابة الفورية لشروط صندوق النقد الدولي ادت الى زيادة تكاليف المعيشة في الاردن وتركت اثارا مؤلمة على المستثمرين حيث فضل منهم الارتحال الى مقاصد استثمارية اكثر جذبا واكثر ربحية، وخلال العشرين شهرا الماضية.. الالاف من المصانع والوكالات التجارية والمحالات من قطاعات مختلفة انهت اعمالها تحت وطأة الكلف المرتفعة وتدني الربحية دون بارقة امل في ان تقوم الحكومة بمراجعة ما يجري في الاقتصاد الاردني من إخفاقات مستمرة.
أما السياسة النقدية.. فواصلت سياسة تشددية واعتمدت هياكل فائدة مرتفعة على القروض والتسهيلات، فالقطاع المصرفي يبادر فورا الى رفع الفائدة المصرفية على المقترضين والتسهيلات الائتمانية حيث بلغت مستويات مرهقة ليس على الافراد فقط وانما على المستثمرين، وخلال السنوات القليلة الماضية وبهدف تسويق خدمات التجزئة خصوصا التمويل العقاري تم إقراض العميل حتى 50 % من مجموع دخله لتمويل شراء شقة، علما بأن العرف المعمول به ان لاتزيد قيمة القسط الشهري عن 40 % من دخل المقترض لتوفير مستوى معيشي مقبول للمقترض، ومع السيل الجارف لرفع اسعار الفائدة تجاوزالقسط الشهري 50 % الى 60 % من دخل المقترضين، مما ولّد اعباء كبيرة على المواطنين واضر بالحركة التجارية والاقتصاد الكلي.
منذ سنوات نواجه معادلات مصرفية عقيمة في مقدمتها الهامش العريض بين الفائدة على الدولار الامريكي والدينار، علما بأن الاقتصاد الاردني يعاني الف مرة من الاقتصاد الامريكي الذي يظهر نموا افضل من السابق، والمعادلة الثانية والاكثر عقما الهامش المصرفي بالدينار( الفارق بين الفائدة على الودائع وعلى التسهيلات والقروض)، ودليل ذلك تنامي ارباح البنوك والجوائز التي تعلن عنها البنوك للمودعين، والمعادلة الثالثة معدل تكاليف الاموال على القطاع المصرفي وتشمل (الاموال في حسابات الودائع، الجاري، التوفير، والمنتجات التي لها الف لون ولون ) التي تخفض تكاليف الاموال على البنوك.. الحاجة تستدعي إعادة النظر في كل ما تقدم.
الدستور