وزارة الثقافة.. الحلقة الأضعف في بنية الحكومات
ياسر العبادي
جو 24 :
الثقافة لا تصنعها المؤسسات الحكومية، غير أنها تبنى من خلال المثقفين والمبدعين، وهي سلاح فعال وضروري في مواجهة الفكر المتطرف، من هنا تتأتى أهميتها، في الراهن، وتبرز ضرورة تعزيزها في الحياة الاجتماعية، فلماذا تسعى الحكومات المتعاقبة إلى تهميشها، والتعامل معها بوصفها حمولة زائدة، وضحية لأية تعديل وزاري؟
ومن باب أن الشيء بالشيء يذكر، فإن المؤسسات الصحافية، كثيرا ما تعمد إلى حجب صفحاتها الثقافية لصالح الإعلانات، الأمر الذي بات يؤرق المثقفين والأدباء، على إعتبار أن الثقافة مكون أساسي في الخطاب الإعلامي، وهو ما لا نجد له مصداقا على أرض الواقع..
هو نهج سارت عليه الحكومات كلها، حتى تلك التي يرأسها من يمتلكون مرجعيات ثقافية، على غرار رئيس الوزراء الحالي د. عمر الزراز، الذي فاجأ الوسط الثقافي كله بأول تعديل لحكومته، إذ دمج وزارة الثقافة مع وزارة الشباب في حقيبة واحدة، عبر حركة شطرنج أحبطت الكثيرين، خلطت الأوراق، والأفكار، والخطط، وسط ذهول وتساؤلات ورفض واضح لهذا الدمج، الذي يعكس إستخفافا وتقليلا رسميا لمكانة الثقافة في الوجدان العام، لا بل ذهب إلى تسليم الوزارة إلى شخصية من خارج المشهد الثقافي، كل ذلك يستدعي وقفة تأمل ونقاش وتساؤل: إلى أين نسير؟
بعد تحرير فرنسا، أقدم شارل ديغول على تعيين الروائي "اندريه مارلو" وزيرا للثقافة، على الرغم من الإختلاف الفكري والأيديولوجي بينهما، وعندما تم سؤاله عن ذلك أجابهم: نحن الآن بحاجة ماسة لوجوده (أي اندريه مارلو) في الحكومة، لأنه سيبني المجتمع، فالثقافة هي الأساس الصلب للبناء، وقد أقام "مارلو" دورا للثقافة في عدد من المدن الرئيسية وفي المحافظات، وعملت فرنسا على الحفاظ على تراثها الوطني، فأين لنا مثل ديغول، في وقت مازلنا فيه نختلف ونطمح لأن نأتلف، ونبني ونستثمر في الثقافة لا نهدم ما أسس له من الفعل والمشهد الثقافي؟
نشاطات وزارة الثقافة -على الرغم من ضعف موازنتها- امتازت بالكثافة، عبر برامجها ومهرجاناتها ومدنها الثقافية، وقد نجح جل، إن لم نقل كل، تلك الفعاليات، التي شهدها ثرى الأردن في مختلف أقاليم الوطن وعاصمته، ومن كوادر الوزارة على إختلاف أقسامها ومن ترأس وزاراتها التي شهدناها معهم في إعلامنا الثقافي وبدون إستثناء ممن تسلموا الوزارة كانوا على الدوام الأكثر نشاطا.
نعم فالإعلام الثقافي هو الأكثر معرفة بالشأن الثقافي وخفاياه بجميع النواحي السلبية والإيجابية والناقل لكل أحداثه وإيصال أخباره لوسائل الإعلام كافة ومواكب لمسيرته، والأقدر على تشخيص هاجس الإصلاح وهو الذي يعرف رؤية مكونات المشهد الثقافي على إختلافها، ونقف موقف الحياد من الجميع على الرغم من تباين أيديولوجياتهم وأفكارهم ورؤيتهم وننقل الصورة كما هي بهدف الوصول إلى إثراء المشهد الثقافي.
أما الآن وقد تم دمج وزارة الثقافة والشباب، فهذه إشكالية تحتاج الوقوف عندها، وتستلزم إعادة النظر والتوضيح، ونطرح التساؤل الآتي: ما هي الحدود الفاصلة بين عمل الوزارتين؟ وأين هي خطوط التلاقي بينهما يا دولة الرئيس؟