نيويورك تايمز تكشف فصولا من مأساة حرب السعودية على اليمن - صور
جو 24 :
نيويورك تايمز - أمل حسين، 7 سنوات، تلفظ أنفاسها الأخيرة بسبب الجوع. الحرب التي تقودها المملكة العربية السعودية في اليمن دفعت بالملايين إلى حافة المجاعة.
بقلم دكلان والش
تصوير تايلر هكس
دكلان والش وتايلر هكس بعثا بهذا التقرير من بلدة حجة ومناطق أخرى في شمال اليمن هذا الشهر.
الصدر يعلو ويهبط والعينان تطرفان، والصبي ابن الثلاثة أعوام يرقد بصمت على سرير في المستشفى في بلدة حجة. إنه عبارة عن كيس من العظام يصارع من أجل التنفس.
علي الحجاجي، والد الصبي، وقف بجانبه ببالغ القلق. فقد سبق له قبل ثلاثة أسابيع أن فقد أحد أبنائه لجائحة الجوع التي تجتاح اليمن. وهو الآن يخشى أن يخسر ابنا آخر.
لم يحدث هذا بسبب نقص الطعام في المنطقة: فالمتاجر مملوءة بالبضائع والأسواق مزدحمة خارج بوابة المستشفى. لكن السيد الحجاجي ليس لديه ما يشتري به أي مواد غذائية، لا سيما وأن الأسعار ترتفع بسرعة كبيرة.
وقال: "أكاد لا أستطيع شراء قطعة من خبز عتيق. ولهذا يموت أطفالي أمام عيناي”.
الحرب المدمرة في اليمن استأثرت بمزيد من الاهتمام مؤخرا بعد أن أدى تصاعد الغضب حول قتل معارض سعودي في إسطنبول الى تسليط الأضواء على الأفعال السعودية في أماكن أخرى. وأقوى الانتقادات للحرب التي تقودها السعودية تركزت على الضربات الجوية التي أسفرت عن مقتل آلاف المدنيين في حفلات الزواج والمآتم وباصات نقل الطلاب - تلك الضربات المنفذة بالقنابل والاستخبارات التي تحصل عليها السعودية من الولايات المتحدة.
لكن خبراء المعونة ومسؤولي الأمم المتحدة يقولون إن حربا أخرى مختلفة تخاض في اليمن: حرب اقتصادية تُلحِق خسارة أفدح بالمدنيين وتهدد الآن بالدفع بالبلد الى هاوية مجاعة ذات أبعاد كارثية.
تحت قيادة ولي العهد محمد بن سلمان، فرض التحالف الذي تقوده السعودية وحلفاؤها اليمنيون مجموعة من الإجراءات الاقتصادية العقابية التي تستهدف تقويض سيطرة المتمردين الحوثيين على شمال اليمن. لكن وطأة هذه الإجراءات - بما فيها فرض الحصار بصورة دورية، والقيود الصارمة على الاستيراد، وحجب رواتب ما يقرب من مليون موظف مدني – وقعت وطأتها على كاهل المدنيين، وتسببت في تدهور الاقتصاد، ودفعت بالملايين إلى وهدة الفقر.
وقد أدت تلك التدابير الى تكبد خسائر تزداد فداحتها تدريجيا: تدمير البنية التحتية، وخسارة الوظائف وفرص العمل، وضعف العملة وارتفاع الأسعار. لكن وتيرة الانهيار الاقتصادي في الأسابيع الأخيرة تسارعت بصورة مخيفة، مما دفع بكبار مسؤولي الأمم المتحدة الى إعادة النظر في تنبؤاتهم بشأن المجاعة.
وقد ذكر مارك لوكوك، وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، يوم الثلاثاء، أمام مجلس الأمن: "ثمة خطر واضح ملموس الآن من مجاعة شديدة واسعة النطاق على وشك أن تطبق على اليمن”. واستطرد قائلا إن ثمانية ملايين يمني يعتمدون بالفعل على المعونات الغذائية الطارئة من أجل البقاء، والرقم قد يصل قريبا إلى 14 مليون نسمة، أو نصف سكان اليمن.
وقال أليكس دي وال، مؤلف كتاب المجاعة والموت الجماعي، الذي يحلل المجاعات الحديثة التي من صنع الإنسان، "إن الناس يعتقدون أن المجاعة مجرد نقص في الغذاء. ولكنها، في اليمن، مرتبطة بالحرب على الاقتصاد.”
العلامات ظاهرة في كل مكان عبر الحدود الطبقية والقبلية والمناطقية. فأساتذة الجامعات المحجوبة رواتبهم يطلقون نداءات يائسة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ملتمسين المساعدة. والأطباء والمعلمون يضطرون إلى بيع ما لديهم من ذهب أو أرض أو سيارة لإطعام عائلاتهم.
وفي شوارع العاصمة صنعاء تستجدي امرأة مسنة من أجل الصدقات بمكبرة صوت. هذه المرأة، واسمها زهرة البجالي، تنادي: "ساعدوني! لدي زوج مريض. لدي منزل للإيجار. أرجوكم، المساعدة.”
وفي أروقة الجوع المكتومة في المستشفى، يتأرجح الرضع المرضى بين الحياة والموت. ومن بين مليون طفل مصابين بسوء التغذية في اليمن، يُعتَبَر 400,000 طفل في حالة صحية حرجة – وهذا الرقم من المتوقع أن يرتفع بنسبة 25 في المائة في الأشهر المقبلة.
"إننا نُسحَق!” هذا ما قالته الدكتورة مكية مهدي في العيادة الصحية في أسلم، وهي بلدة فقيرة في شمال غرب البلاد مغمورة باللاجئين الفارين من القتال في الحُديدة، المدينة الساحلية التي عصفت بها الحرب والتي تقع على بعد 90 ميلاً إلى الجنوب.
وبينما كانت الدكتورة تنتقل بخفة بين أسرّة المرضى في عيادتها البسيطة كانت تواسي الأمهات وتصدر الأوامر للمساعدين الطبيين، وتُغذي الرضع المرضى بالحليب بيديها. الوقت بالنسبة لبعض من أولئك الأطفال كان قد فات: ففي الليلة السابقة، مات صبي عمره 11 شهرا. لقد كان وزنه خمسة أرطال ونصف فقط.
ألقت الدكتورة مكية مهدي نظرة على ما حولها وعبّرت عن عجزها عن فهم واستيعاب الاهتمام الطاغي في العالم الغربي بقتل السعودية لجمال خاشقجي في إسطنبول، وقالت: "لقد فوجئنا بمدى استحواذ قضية خاشقجي على الاهتمام بينما ملايين الأطفال اليمنيين يعانون الأمرّين. لا أحد يعيرهم أي اهتمام”.
ولامست الطبيبة الجلد المرتخي لفتاة ناعسة عمرها 7 سنوات وذراعها أشبه بعصا جافة وقالت: "انظر! لا لحم! عظام فقط!”.
سفارة المملكة العربية السعودية في واشنطن لم ترد على أسئلتنا حول سياسات السعودية في اليمن. لكن المسؤولين السعوديين دافعوا عن أفعالهم ونوهوا بالصواريخ التي أطلقها الحوثيون عبر الحدود. والحوثيون جماعة مسلحة تعتنق الإسلام الزيدي، الذي هو فرع من فروع المذهب الشيعي، وتعتبرهم السعودية، وهي مملكة سنية، وكلاء لمنافسها الإقليمي، إيران.
وينوّه السعوديون بأنهم، إلى جانب الإمارات العربية المتحدة، من بين أكثر المانحين سخاء لجهود الإغاثة الإنسانية في اليمن. وفي الربيع الماضي، تعهد الحليفان بتقديم بليون دولار على سبيل المعونة لليمن. وفي يناير (كانون الثاني)، أودعت المملكة العربية السعودية بليوني دولار في البنك المركزي اليمني لدعم العملة اليمنية.
لكن تلك الجهود طغت عليها هجمات التحالف على الاقتصاد اليمني، بما في ذلك حرمان موظفي الخدمة المدنية من رواتبهم، والحصار الجزئي الذي أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وطبع كميات هائلة من الأوراق النقدية، مما أسفر عن انخفاض حاد للعملة.
وإن الهجوم الرامي الى الاستيلاء على الحُديدة، الذي بدأ في يونيو (حزيران)، عرّض للخطر شريان الحياة الرئيسي للاستيرادات إلى شمال اليمن، وتسبب في تشريد 570.000 يمني، ودفع بمزيد من الناس الى خطر الموت جوعا.
وقد حذر السيد لوكوك من أن المجاعة هنا ستكون "أكبر بكثير من أي شيء شهده أي عامل مهني في هذا الميدان خلال حياته العملية”.
عندما تمرض ابن علي الحجاجي وأصابه الإسهال والتقيؤ، لجأ والده اليائس إلى إجراءات متطرفة. وعملا بنصيحة كبار السن في القرية، قام بغرز طرف عصا حارقة في صدر ابنه شاهر، باعتبار ذلك علاجا شعبيا لسحب "الدم الأسود” من جسد ابنه.
وقال السيد الحجاجي: "الناس قالوا لي إن استخدمتُ علاج الكوي بالنار فسيتعافى. إنك عندما لا يوجد لديك مال، وابنك مريض، ستصدق كل شيء.”
كانت الحروق علامة على الطبيعة البدائية للحياة في جبيرية، وهي مجموعة من المنازل الطينية على سفح جبل صخري. ولبلوغها ستمر بمنطقة ذات مناظر طبيعية خلابة من المراعي الرملية والجِّمال وخلايا النحل، تتخللها صخور عملاقة بلون الصدأ، حيث تكدح النساء في الحقول في عباءات سود وقبعات صفراء من القش.
في الماضي، كان رجال القرية يشتغلون كعمال مهاجرين في المملكة العربية السعودية، التي تبعد حدودها مسافة 80 ميلاً. وكثيرا ما كانوا يعاملون بازدراء من قبل أصحاب العمل السعوديين الأثرياء، ولكنهم كانوا راضين بالأجور التي يحصلون عليها. والسيد الحجاجي نفسه كان يعمل في أحد مواقع البناء في ضاحية من ضواحي مكة، المدينة المقدسة التي يزورها الملايين من الحجاج المسلمين كل عام.
وعندما اندلعت الحرب في عام 2015، أُغلِقت الحدود.
القتال لم يصل إلى جبيرية، ولكنه مع ذلك تسبب في تكبد بعض الخسائر.
ففي العام الماضي توفيت شابة بالكوليرا بعد انتشار الوباء الذي أصاب 1.1 مليون يمني. وفي أبريل (نيسان)، ضربت غارة جوية للتحالف حفل زفاف في المنطقة وأسفرت عن مقتل 33 شخصاً، من بينهم العروس. ولقي شاب من البلدة مصرعه في غارة جوية على الحوثيين كان قد ذهب للقتال الى جانبهم.
ولكن بالنسبة للسيد الحجاجي، الذي كان لديه خمسة أبناء دون السابعة، كانت الضربة القاصمة اقتصادية.
فقد راقب فزِعاً الريال يخسر نصف قيمته في العام الماضي، مما تسبب في ارتفاع مذهل للأسعار. وفجأة أصبح ثمن المواد الغذائية ضعف ما كان عليه قبل الحرب. وبدأ القرويون يبيعون ممتلكاتهم، مثل الجِّمال أو الأرض، للحصول على المال اللازم لشراء الطعام.
لكن السيد الحجاجي، الذي عاشت أسرته في كوخ طيني مكون من غرفة واحدة فقط، ليس لديه ما يباع.
في البداية اعتمد على كرم الجيران. ثم قلل غذاء الأسرة حتى أصبح مقصورا على الخبز والشاي وحساء أوراق الشجر، التي كانت أحد مصادر الغذاء ولكنها أصبحت الآن جزءا أساسيا من كل وجبة.
ابنه شادي كان أول من يتمرض من بين أبنائه. وسرعان ما بدأ بالتقيؤ والإسهال، وهي أعراض كلاسيكية لسوء التغذية. أراد السيد الحجاجي نقل ابنه المريض البالغ من العمر 4 سنوات إلى المستشفى، لكن ذلك لم يكن ضمن الخيارات المتاحة: فأسعار وقود السيارات ارتفعت بنسبة 50 في المائة، ومعها أجور سيارات الأجرة، مقارنة بالعام السابق.
وفي صبيحة يوم في أواخر سبتمبر (أيلول)، دخل السيد الحجاجي إلى منزله ليجد شادي صامتاً لا حراك فيه، مع مسحة صفراء على وجهه. "حينئذ عرفتُ أنه قد رحل.” وأضاف أنه قبّل ابنه على جبهته، وقمطه وحمله بين ذراعيه، وسار على طريق الروابي المتعرج إلى مسجد القرية.
مساء ذلك اليوم، بعد الصلاة، اجتمعت القرية لدفن شادي. وحُفر قبره في حقل تحت أشجار السدر التي اشتهرت أيام الخير بالعسل. ذلك القبر لا تميزه سوى صخرة واحدة مكسورة.
شادي كان أول من يموت جوعا في القرية.
بعد بضعة أسابيع، عندما مرض شاهر، الابن الآخر للسيد الحجاجي، عقد الأب عزمه على عمل كل ما في وسعه. ولأن علاج الكوي بالنار قد فشل، قرر أن يفعل شيئا آخر فحمل ابنه على الطريق الحجري إلى العيادة الصحية، التي لم تكن مجهزة لأداء المهمة. والواقع أن نصف المرافق الصحية في اليمن مغلقة بسبب الحرب.
لذلك اقترضت عائلته 16 دولاراً للرحلة إلى مستشفى في بلدة حجة.
وقال السيد الحجاجي: "كل الدول الكبرى تقول إنها تقاتل بعضها بعضا في اليمن، لكننا نشعر بأنها تحارب الفقراء”.
الأزمة الاقتصادية في اليمن لم تكن من آثار القتال الجانبية المؤسفة التي لا مفر منها.
في عام 2016، قامت الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية بنقل عمليات البنك المركزي من العاصمة صنعاء، التي كان يسيطر عليها الحوثيون، إلى مدينة عدن الجنوبية. وقال مسؤول غربي كبير إن البنك الذي تملي المملكة العربية السعودية السياسات عليه بدأ يطبع كميات هائلة من النقود الجديدة - على الأقل 600 بليون ريال. وقد تسببت النقود الجديدة في دوامة من التضخم أدت إلى تآكل قيمة مدخرات الناس كافة.
كما توقف البنك عن دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، حيث يعيش 80 في المائة من اليمنيين. ولما كانت الحكومة أكبر مصدر للوظائف وفرص العمل، فإن مئات الآلاف من العائلات في الشمال وجدت نفسها فجأة بدون دخل.
في مستشفى سابين في صنعاء، تعالج الدكتورة هدى رجومي أطفال البلاد المصابين بأشد حالات سوء التغذية. لكن عائلتها ذاتها تعاني أيضاً، بعد أن فقدت مكانتها في صفوف الطبقة المتوسطة التي في طريقها الى الزوال في اليمن.
في العام الماضي، لم تتلق الدكتورة هدى سوى راتب شهر واحد. أما زوجها، وهو جندي متقاعد، فلم يعد يحصل على معاشه التقاعدي أيضا. فبدأت بالتقليل من "كماليات” الحياة اليومية، مثل الفاكهة واللحوم والتنقل بسيارات الأجرة، حتى تتمكن من توفير الضروريات.
وقالت: "ندبر أمورنا بمساعدة الناس بعضهم بعضا فحسب. لكن الأمر يزداد صعوبة.”
والحرب الاقتصادية بدورها تأخذ أشكالا أخرى. ففي دراسة حديثة لمارثا مندي، المحاضرة في كلية لندن للاقتصاد، قامت المؤلفة بتحليل الضربات الجوية للتحالف في اليمن، ووجدت أن هجمات التحالف على الجسور والمصانع وقوارب الصيد، وحتى على الحقول، تشير إلى أن التحالف استهدف تدمير مقومات إنتاج وتوزيع الغذاء في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
السيطرة السعودية المحكمة على جميع التحركات الجوية والبحرية إلى شمال اليمن حولت المنطقة الى سجن لمن يعيشون فيها. وفي سبتمبر (أيلول)، توسطت منظمة الصحة العالمية لإقامة جسر جوي إنساني لتمكين أخطر المرضى اليمنيين - المرضى المصابين بالسرطان والأمراض الأخرى المهددة للحياة - من السفر جواً إلى مصر.
وكان من بين المدرجين على قائمة الانتظار الآنسة ميمونة ناجي، بنت الـ 16 ربيعا، التي لديها ورم بحجم البطيخ في ساقها اليسرى. وفي نزل في صنعاء قال والدها علي ناجي إنهم حصلوا على التأشيرات والأموال اللازمة للسفر إلى الهند لتلقي العلاج في مستشفى الطوارئ. وفي سبتمبر (أيلول) ازدادت آمالهم عندما أُخبِرت ابنته بأنها ستكون على الطائرة الأولى التي تغادر صنعاء حالما يبدأ النقل الجوي.
لكن الاتفاق تعثر لأن الحكومة اليمنية منعت تنفيذه، وفقا لمسؤول غربي كبير. وهكذا تقطعت السبل بميمونة وعشرات المرضى الآخرين، وبدأ العد التنازلي لحياتهم بسبب أمراضهم.
وقال السيد ناجي، وهو يقلّب مجموعة كبيرة من المستندات وعيناه مغرورقتان بالدموع: "في البداية قالوا لنا: ’الأسبوع المقبل، الأسبوع المقبل‘. بعد ذلك، قالوا لا. أين الروح الإنسانية! ماذا فعلنا حتى نستحق ذلك؟”
التحالف السعودي لا يتحمل وحده المسؤولية عن أزمة الغذاء في اليمن.
يقول عمال الإغاثة إن القادة الحوثيين في المناطق التي يسيطرون عليها يفرضون ضرائب غير قانونية عند نقاط التفتيش، وكثيراً ما يسعون الى تحويل معونات الإغاثة الدولية إلى عائلات جنودهم، أو لإثراء أنفسهم.
وفي الأمم المتحدة، يوم الثلاثاء، قال السيد لوكوك، مسؤول الشؤون الإنسانية، إن عمال الإغاثة في اليمن يواجهون العقبات، بما في ذلك تأخيرات في منح الفيزة، وإلغاء تصاريح العمل السابقة والتدخل في العمل. وهذه المشاكل مستفحلة أكثر في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، حسب أقوال مسؤولين لم يرغبوا في التصريح بها علنا.
ورغم مشاهد المعاناة المفجعة في الشمال، يبدو أن بعض اليمنيين يزدادون ثراءً. فالعقارات في الأحياء الراقية من صنعاء تشهد ازدهارا ولو على نطاق صغير، مرده جزئياً الى المهاجرين اليمنيين العائدين من السعودية، وكذلك الى المسؤولين الحوثيين حديثي العهد بالغنى.
ويقول السكان المحليون إنهم يرون مسؤولين حوثيين من خلفيات متواضعة يقودون سيارات فارهة في أنحاء المدينة، مثل سيارة الدفع الرباعي لكزس، أو يتسوقون في المتاجر الفاخرة لشراء الملابس والعطور، ووراءهم رجال حماية مسلحون.
لقد بلغت التوترات ذروتها هذا الصيف عندما اضطر رئيس وكالة الهجرة التابعة للأمم المتحدة إلى مغادرة صنعاء بعد صدام مع حكومة الحوثيين.
وفي مقابلة صحفية نفى نائب وزير الخارجية الحوثي حسين العزي التقارير عن الفساد، وأصر على أن التوترات مع الأمم المتحدة قد حُسمت.
وأضاف: "نحن لا ننكر ارتكاب بعض الأخطاء من جانبنا. وإننا نعمل على تلافيها.”
الأمم المتحدة لم تعلن رسميا سوى مجاعتين خلال العشرين سنة الماضية: في الصومال وجنوب السودان. ثمة تقرير تقييمي تعده الأمم المتحدة سيصدر في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) سيحدد ما إذا كان اليمن سيعتبر عما قريب موطن المجاعة الثالثة.
ولدرء ذلك، لا يطالب عمال الإغاثة بتقديم معونات الإغاثة، وإنما باتخاذ تدابير عاجلة لإنقاذ الاقتصاد المنهار.
وقالت ليز غرانديه، منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن: "هذه مجاعة دخل. وإن مفتاح إيقافها هو ضمان حصول الناس على دخل يكفي لشراء ما يحتاجونه للبقاء على قيد الحياة.”
وأضافت إن الأولوية يجب أن تُعطَى لتحقيق استقرار العملة الهابطة وضمان أن يتمكن التجار وشركات الشحن من استيراد الغذاء الذي يحتاجه اليمنيون.
واستطردت قائلة: "ولكن، قبل كل شيء، يجب أن يتوقف القتال”.
ثمة أملٌ واحدٌ بالنسبة إلى اليمنيين وهو أن التداعيات الدولية لموت المعارض السعودي جمال خاشقجي، الذي أضر بمكانة الأمير محمد الدولية، قد تجبره على التخفيف قليلا من الصرامة التي يدير بها الحرب.
غير أن بيتر سالسبري، المتخصص في شؤون اليمن في دار شاثام (مركز دراسات)، قال إن هذا مستبعد. وأردف قائلا:
"أعتقد أن السعوديين يعرفون ما يمكنهم أن يفعلوه في اليمن دون أن يتعرضوا للمحاسبة، وأن هامش التسامح الغربي تجاه السلوك السيء هامش واسع جدا. وإن كنا قد تعلمنا من مقتل خاشقجي أي شيء، فهو مدى التردد في كبح جماح السعوديين.”
* نقلا عن نيويورك تايمز
* انتاج: كريغ ألين، هربرت بوكسباوم، مغن بيترسن، أندرو روسباك، ديفيد فيورست، وجوش كيلر. وساهم سعيد البطاطي في التقرير
* ترجمة: عبد الجبار يوسف