القدس العربي: «مؤمنون بلا حدود».. فضيحة إماراتية في الأردن؟
جو 24 :
طبيعيّ أن تختار مؤسسة بحثية، العاصمة الأردنية عمّان لإقامة مؤتمر فيها، أو أي عاصمة عربيّة أو أجنبية أخرى خصوصاً إذا كان اسم هذه المؤسسة «مؤمنون بلا حدود»، لكن هذا الاختيار «الطبيعي» رافقته مجموعة من التفاصيل المهمّة التي أحاطته بملابسات غريبة تتوخى تحويله من مؤتمر «بحثي» إلى حدث سياسيّ، لكنّ مبالغات القائمين عليه ورغبتهم في رفع مستوى الاستثمار فيه على ما يظهر جعل الأمر ينقلب عليهم ويتحوّل إلى مؤامرة فاشلة وجريمة مع سبق الإصرار والترصد.
القصة لا يمكن فهمها من دون معرفة أن «مؤمنون بلا حدود» مؤسسة أنشأتها الإمارات العربية المتحدة عام 2013 لتكون ضمن أجهزة «القوّة الناعمة» التي تعتمد عليها لتفكيك سرديّات ما يسمى بـ«الإسلام السياسي»، أو، بتأويل آخر، مساندة الأنظمة المستبدة في صراعها مع الجماهير التي ثارت عليها منذ عام 2011، عبر استهداف «الإخوان المسلمين»، الذين هم أكثر القوى السياسية العربية فاعلية وتنظيما بحيث يكون القضاء عليهم مقدمة للقضاء على كافة الاتجاهات السياسية الأخرى (كما حصل في الإمارات نفسها وفي مصر والسعودية).
وكي لا يكون هناك مجال للشكّ في إثارة واستفزاز القوى الإسلامية المحافظة فقد اختار المؤتمر بعض العناوين الفاقعة، من قبيل البحث في «ميلاد الله».
بعض النواب الأردنيين، مدفوعين ربما بالتفاعل مع عداء الإمارات للثورات، أو بعناوين الألعاب النارية المطروحة في المؤتمر، احتجوا على تنظيمه في عمّان فأمر وزير الداخلية الأردنيّ بمنعه.
والواضح أن القائمين على أمر المؤسسة اعتبروا أنهم جروا السلطات والنواب الأردنيين إلى الكمين المطلوب، ولكنهم لم يكتفوا بالتعاطف الذي حصدته المؤسسة، ولا بأقلام المثقفين والناشطين والإعلاميين، الذين نددوا، على اختلاف اتجاهاتهم السياسية، بما جرى، فقرروا زيادة عيار الإثارة ورفع حالة التنديد الثقافي والإعلامي إلى حالة من الإدانة المعلنة للإسلاميين، أو حتى محاولة إثارة قلاقل سياسية أكبر تدفع لمواجهة بين السلطات والإسلاميين.
ظهر يونس قنديل، مدير المؤسسة المذكورة، بعد ذلك في حالة يرثى لها كاشفاً عن تعرضه لجريمة شنيعة حقّا: لقد خطف وعذّب وتم التنكيل بجسده بشناعة مطلقة.
انطلقت موجة جديدة من التعاطف لم توقفها غرابة الحادثة والتفاصيل الأخرى التي قدّمها المجنيّ عليه، من قبيل أن الخاطفين كانوا يتواصلون مع شخص غامض ليخبروه بما يفعلونه بجسم الضحيّة، ورسمهم بالسكين عبارة «مسلمون بلا حدود» على ظهره الخ… فالصورة دائما أكثر أثراً من المنطق والتحليل الهادئ للأمور.
لكن ما أثار الاستغراب أكثر أن السيد قنديل قام من على فراش المشفى، ومن دون أن ترفّ له عين، باتهام طرف واحد «الإخوان المسلمون»، وإذا كان هذا الاتهام يكمل الدائرة المرسومة، ويؤمن الاستثمار السياسيّ الأكمل للحدث الجلل، فإنه، من جهة أخرى، يكشف عن تهافت منطق قنديل وتفككه، فكيف يقوم شخص يؤمن بالبحث «العلمي» باتهام طرف سياسيّ بعينه من دون أدلة «علميّة»، وكيف يريد شخص يريد للقانون أن يناصره في تنظيم مؤتمره أن يستهين بالقانون ويتسرّع هكذا بالاتهام… إلا إن كان وراء الأكمة ما وراءها؟
أدّى تدقيق الأجهزة الأمنية الأردنية، ببساطة، لانكشاف الرواية المهلهلة، واعتراف الباحث الجليل بأنه كان يبحث عن الإثارة والفتنة السياسية، وسواء تقصّد ذلك أم لم يتقصد فقد سعى قنديل إلى خلق ارتباك سياسيّ وأمنيّ في الأردن، ولا نعلم إن كان ذلك كلّه هو من بنات أفكاره وحده أم أنه استعان بـ«صديق» مبدع في أفكاره البوليسية (على شاكلة أفكار نائب قائد شرطة ضاحي خلفان!).
السؤال الآن: هل لهذه الحبكة البوليسية علاقة بالتغطية على حادثة الصحافي السعودي خاشقجي وهل هناك مخططون أذكياء في الإمارات مثل زملائهم في السعودية كانوا يشرفون على «عملية يونس قنديل»؟
صلة «مؤمنون بلا حدود» بالإمارات تجعل أبو ظبي مسؤولة عن هذه الفضيحة الجديدة لها في الأردن أيّا كانت الأجوبة.-(القدس العربي)