jo24_banner
jo24_banner

تحرير العلاقة مع الخرطوم

فهمي هويدي
جو 24 : للسودان عتاب على مصر يجب أن يسمع، وللمصريين ملاحظات على السودان يجب ألا تظل طى الكتمان. وأرجو ألا أكون بحاجة إلى إثبات أهمية تبديد السحب التي تعكر صفو العلاقة بين البلدين اللذين يجمعهما التاريخ المشترك والجوار واللغة والثقافة والمصالح المشتركة وثيقة الصلة بمصير وأمن كل منهما.
لقد أمضى الرئيس محمد مرسي 24 ساعة في الخرطوم في زيارة كان يفترض أن يفتتح فيها الطريق البري بين البلدين، الذي يحلم به كثيرون ويتوقعون أن يصل ما بين الإسكندرية وجنوب أفريقيا، فضلا عن النقلة الكبيرة التي سيحدثها في تبادل المصالح بين مصر والسودان، لكن الافتتاح المنتظر تأجل إلى ما بعد شهرين أو ثلاثة لحين تسوية المشاكل المعلقة بخصوص مثلث حلايب الذي يشغل مساحة 20 ألف كيلومتر على البحر الأحمر. وهي المشاكل التي تعذرت تسويتها منذ عام 1958 حتى هذه اللحظة.
يقول السودانيون إن الرئيس المصري زارهم بعد تسعة أشهر من توليه السلطة، في حين أن نائب الرئيس السوداني محمد علي عثمان زار القاهرة والتقى الرئيس مرسي بعد أسابيع قليلة من تنصيبه، وبعده قام الرئيس عمر البشير بزيارة القاهرة، للاجتماع مع الدكتور محمد مرسي. ورغم أن كلا من الدكتور عصام شرف زار الخرطوم في أثناء رئاسته الحكومة، ومن بعده زارها الدكتور هشام قنديل، ثم وزير الخارجية، إلا أن السودانيين يرون أن تأخير زيارة الدكتور مرسي محمل بإشارة تضع السودان في ترتيب متأخر من الأجندة المصرية، خصوصا أنه قدم عليها زيارات أخرى شملت الصين وألمانيا والهند وباكستان وجنوب أفريقيا، ويخلصون ذلك إلى أن ذلك يعبر عن تراخي الطرف المصري وفتور حماسه لتحقيق التعامل المنشود مع السودان، ويضيفون ان اتفاقية الحريات الأربعة الموقعة بين البلدين (التنقل والإقامة والتملك والعمل) تلقى تحفظا من جانب جهاز الإدارة في مصر، خصوصا فيما تعلق بالتنقل، لأن السياسة المصرية ما تزال تعتبر الملف السوداني قضية أمنية، لا هي سياسية أو ثقافية.
بالمقابل هناك حديث مصري عن صعوبة تذليل العقبات من جانب السودان المتعلقة بمثلث حلايب وشلاتين، إضافة إلى تحفظ حكومة الخرطوم على حق التملك للمصريين في السودان، لاعتبارات بيروقراطية وقانونية.
لا يقف الأمر عند ذلك الحد. وإنما تكمن في الخلفية حساسيات سودانية أخرى تلقى بظلالها على علاقات البلدين. فهم لا ينسون مثلا ان مشروع الحركة الوطنية المصرية منذ بداية القرن كان قائما على المطالبة بالجلاء ووحدة وادي النيل (كانت الهتافات في مظاهرات مدارسنا الثانوية في خمسينيات القرن الماضي تنادي «مصر والسودان لنا وإنجلترا ان أمكنا») وثمة عقدة إزاء حزب الأمة بالذات الذي دعا إلى استقلال السودان في عام 1956 ثم إخراجه من الولاية المصرية. وعند جيل معين في السودانيين فإن لهذه الخلفية آثرها في إضعاف الثقة فيما بين الخرطوم والقاهرة. وهؤلاء وغيرهم يضيقون بدور «الشقيقة الكبرى» الذي تمارسه مصر إزاء السودان، الذي اعتبر دائما شقيقة صغرى لا تكبر أبدا! ولذلك فإنهم يتطلعون إلى تخلي مصر عن تلك «الفوقية» التي تتعامل بها مع السودان، ويعتبرون أن لها حقا في «النديِّة» يجب أن تعترف به مصر. ثم انهم يعتبرون ان السودان ما يزال في نظر الإدارة المصرية قضية أمنية (حتى قبل عام 1995 الذي جرت فيه محاولة اغتيال الرئيس السابق حسني مبارك في أثناء توجهه لحضو مؤتمر قمة إثيوبيا) ــ يحدث ذلك في حين ان الأمر مختلف تماما من جانب السودان الذي تدار فيه العلاقات مع القاهرة من جانب رئاسة الجمهورية.
أسهم في فتور العلاقة بين البلدين موقف نظام مبارك من السودان بعد تولي الحركة الإسلامية السلطة هناك في عام 1989 وهو ما أثار امتعاض الرئيس السابق الذي كانت له معركته الخاصة ضد الجماعات الإسلامية وحركة الإخوان المسلمين. وكان لذلك صداه السلبي على علاقات القاهرة والخرطوم.
ربما لم ترصد هذه الخلفية كل العوامل التي أثرت على الإدراك المتبادل بين الطرفين المصري والسوداني. وهو الموضوع الذي ناقشته في سنة 1989 ندوة العلاقات المصرية السودانية التي دعا إليها مركز البحوث السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، كما كان محور الندوة التي نظمها معهد البحوث والدراسات الأفريقية بالجامعة ذاتها بعد قيام ثورة يناير. ومن الواضح أن جهد المثقفين وان ساعد على الفهم المتبادل إلا أنه لم يحقق الصفاء المنشود. وهو ما لم تحققه أيضا اللجنة العليا المشكلة من أعضاء حكومتي البلدين، الأمر الذي يعني أن الأمر يتطلب ليس فقط مزيدا من المصارحة والمكاشفة، وإنما يتطلب أيضا إرادة سياسية شجاعة ومخلصة، تطوي صفحة الحساسيات وسوء الفهم، ثم تضع علاقة القاهرة والخرطوم في مسارها لصحيح، لأن المصائر لا ينبغي أن يتم التهاون فيها والتعامل معها بالاسلوب التقليدي للبيروقراطية، الذي ثبت أنه كان معوقا طول الوقت. ان التغيير الذي حدث في مصر يجب ان يستصحب تغييرا مماثلا في اسلوب التعامل مع الملف السوداني، على الأقل لكي يدرك الجميع أن ثمة فرقا ملموسا بين الرئيس محمد مرسي والرئيس محمد حسني!
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير