أغرب مرض ظهر بين الجنود خلال الحرب العالمية الأولى
مع بداية القرن العشرين، عرف المجال العسكري تقدماً تكنولوجياً غير مسبوق، حيث شهد العالم ظهور العديد من الأسلحة المتطورة. وفي الأثناء كان ذلك جلياً خلال الحرب العالمية الأولى والتي مثلت مسرحاً لتجربة تكنولوجيا الحرب الجديدة حيث عرف هذا النزاع العالمي ظهور الأسلحة الكيمياوية وقاذف اللهب والدبابات، فضلاً عن ذلك سجلت هذه الملحمة استخداما مكثفا وغير مسبوق على مر التاريخ لسلاح المدفعية والذي كان على موعد مع تطور هام جعله أكثر فاعلية وساهم في تحويله إلى عنصر أساسي لحسم العديد من المعارك.
وأمام هذا التطور الهائل الذي عرفته الأسلحة، ظلت فرق المشاة الحلقة الأضعف، حيث كان الجنود عرضة للموت في أية لحظة وبناء على ذلك سجلت أعداد القتلى في صفوف جنود المشاة ارتفاعاً مذهلا لتبلغ أرقاما قياسية خلال الحرب العالمية الأولى.
في أثناء ذلك، شهدت الحرب العالمية الأولى استخدام ما يزيد عن مليار قذيفة مدفعية من قبل جميع الأطراف المتحاربة، حيث شهدت معركة فردان (Battle of Verdun) والتي استمرت حوالي عشرة أشهر بالشمال الشرقي لفرنسا، لوحدها حسب بعض الإحصائيات استخدام حوالي 53 مليون قذيفة مدفعية.
وبسبب هذا الاستخدام المكثف للمدفعية، سجلت الحرب العالمية الأولى انتشار مرض نفسي غريب بين الجنود خاصة أولئك المتواجدين داخل الخنادق، حيث حمل هذا الاضطراب اسم (صدمة القذائف Shell shock). فعلى إثر القصف المدفعي المتواصل، عانى العديد من الجنود داخل الخنادق من الارتباك والرعاش والرهاب والشلل وكانوا غير قادرين على التحكم في أفعالهم، فضلا عن ذلك أصيب بعض الجنود بحالات متقدمة من هذا المرض الغريب تميزت بفقدانهم للسمع أو النطق، كما أصبح آخرون غير قادرين على الوقوف.
على حسب معظم الأطباء حينها، تعود أسباب هذا المرض أساساً إلى مراكز التجنيد حيث كان الجنود في الغالب غير مؤهلين للخدمة العسكرية وخلال تواجدهم بالخنادق عاش هؤلاء المرضى في حالة رعب شديد، بسبب كثافة القصف المتواصل متخوفين من فكرة سقوط قذائف بجوارهم وتحولهم إلى أشلاء، فضلا عن ذلك تسببت أصوات القنابل التي كانت لا تنقطع في زيادة معاناة هؤلاء الجنود وإصابتهم بانهيار عصبي. وعلى حسب المسؤولين البريطانيين حينها عانى الجيش البريطاني وحده عما يزيد عن 80 ألف حالة من هذا المرض النفسي خلال الحرب العالمية الأولى وقد اقتصر علاج أغلبهم بالمستشفيات على العزل وإعادة النأهيل الجسدي والنفسي والعلاج بالصدمات الكهربائية.
أثناء معركة فليرز كورسيليت (Battle of Flers–Courcelette) في خضم معركة السوم (Battle of the Somme) ما بين يومي الخامس عشر والثاني والعشرين من شهر أيلول/سبتمبر سنة 1916 التقطت عدسة الكاميرا صورة أثارت ضجة صحفية لأحد الجنود البريطانيين المصابين بصدمة القذائف. فعقب إصابته بانهيار عصبي أصبح هذا الجندي غير قادر على الوقوف على قدميه، ومن خلال لقطة تعيسة ابتسم هذا الجندي المصاب بشكل عفوي للكاميرا أثناء التقاط الصورة.