في ذكرى رحيل طارق أيوب
ياسر ابو هلاله
جو 24 : عقد مر على رحيل الشهيد طارق أيوب. ولكن تلك الفاجعة الشخصية تستعصي على النسيان، لارتباطها بفاجعة عامة، هي سقوط بغداد. يومها، شهدنا لحظة نادرة من الإجماع الإعلامي العربي. القاموس بين "الجزيرة" و"أبو ظبي" و"العربية" والتلفزيونين السوري والأردني كان متشابها؛ القوات الأميركية قوات احتلال، وطارق أيوب أيقونة الإعلام العربي الذي يسقط شهيدا على يد قوات الاحتلال، وتحفظات إيران على نظام صدام الاستبدادي لم تكن تسمع.
كان العراق بكل ما يمثله من قيمة حضارية هو الذي يسقط، لا نظام البعث. تاريخ المعارضة العراقية، من حزب الدعوة إلى الإخوان المسلمين وصولا إلى البعثيين المنشقين، والشيوعيين، والأكراد، توارى. كل الكوارث التي جلبها صدام حسين للمنطقة ولبلده لم يعد لها قيمة، مقابل وقوفه في وجه الغزو الخارجي.
كان طارق أول من استشهد على يد الأميركيين، لكنه لم يكن الأخير؛ تبعه آخرون، عرب وأجانب. لم يأخذ أحد حقه من الأميركيين، فالحقيقة الباردة التي يتعامل معها العالم أجمع: لا قانون يعلو على قانون الجيش الأميركي. يكفي أن يبلغ قائد المنطقة عن سقوط مدنيين أثناء العمليات.
لكن منطق القوة هُزم أمام مقاومة الشعب العراقي. وأخذ العراقيون بثأر كل مظلوم من أميركا. لكن هزيمة أميركا لم تكن لصالح المشروع الوطني العراقي؛ قدم النصر هدية لإيران التي لم تطلق طلقة على أميركا، لكنها أخذت البلد كاملا ودخلت في حرب مفتوحة مع العرب السنة.
صحيح أن أميركا احتلت، وقبلها حاصرت ودمرت؛ وصحيح أن إيران ارتكبت جرائم في العراق من قبل ومن بعد، لكن ما كنا قبل عقد تغمض العين عنه نواصل اليوم إغماض العين عنه: إن تآمر إيران وأميركا، ومن فوقهما إسرائيل التي قصفت مفاعل تموز وحاولت اغتيال صدام حسين، ما كان لينجح هذا النجاح لولا كوارث الاستبداد. وعندما نفتح العين على قصف الطائرات الأميركية التي قتلت أهلنا وأحبتنا، فلا يجوز أن نغمض العين عن جنون النظام العراقي الذي خاض حربا مدمرة مع إيران، وأردفها بحرب مع الكويت، وفي الغضون ارتكب مجازر بشعة بحق الأكراد والشيعة، كما لم يسلم العرب السنة من فظائعه.
كان الشهيد اللاحق محمد المسالمة قد تطوع على عين الأمن السوري للدفاع عن العراق. ترك أهله وعمله ليقاتل الأميركيين، وشاهد جرائمهم في العراق بعينه لا بكاميرته. عاد مهزوما إلى سورية؛ لم يجد استقبال الأبطال، وقضى في المخابرات الجوية سبعة أشهر، اكتشف خلالها أن الاستبداد والاحتلال وجهان لعملة واحدة. خرج مصرا على أن يأخذ حق المعتقلين الذين ظلوا من بعده مجهولي المصير. استخدم سلاح الكاميرا هذه المرة، واعتقد أنها أكثر فاعلية من السلاح، ليقضي كما طارق، وهو خلف الكاميرا.
بعد عقد، يحق لنا أن نسأل: هل كان بإمكان الشعب العراقي التخلص من الدكتاتورية بدون تدخل دولي؟ وهل التدخل الدولي بالضرورة هو الاحتلال؟ وبعد انسحاب الأميركيين، لماذا تحلل العراق طائفيا وقوميا، ولم يفلح في بناء الدولة الوطنية؟ الإجابة اليوم في سورية. فقد تحدى الشعب السوري الدكتاتورية بدون تدخل دولي. وفي ثورة يتيمة، يقرع الثوار أبواب دمشق. والدعم الذي حصلت عليه الثورة يقتصر على الدعم الإنساني والسياسي. وأخيرا سُمح بدخول السلاح الممول عربيا. لكن التحدي الأكبر هو بناء المشروع الوطني السوري، وعدم تكرار التحلل الطائفي في العراق.
لقد حظي هذا الجيل بفرصة توثيق التاريخ على الهواء مباشرة، وهو حافل بالانتصارات والهزائم. لكن بعد عقد، نترحم على طارق، وعلى شهداء الإعلام الذين كتبوا بدمائهم أكثر الروايات صدقا.
yaser.hilila@alghad.jo
(الغد)
كان العراق بكل ما يمثله من قيمة حضارية هو الذي يسقط، لا نظام البعث. تاريخ المعارضة العراقية، من حزب الدعوة إلى الإخوان المسلمين وصولا إلى البعثيين المنشقين، والشيوعيين، والأكراد، توارى. كل الكوارث التي جلبها صدام حسين للمنطقة ولبلده لم يعد لها قيمة، مقابل وقوفه في وجه الغزو الخارجي.
كان طارق أول من استشهد على يد الأميركيين، لكنه لم يكن الأخير؛ تبعه آخرون، عرب وأجانب. لم يأخذ أحد حقه من الأميركيين، فالحقيقة الباردة التي يتعامل معها العالم أجمع: لا قانون يعلو على قانون الجيش الأميركي. يكفي أن يبلغ قائد المنطقة عن سقوط مدنيين أثناء العمليات.
لكن منطق القوة هُزم أمام مقاومة الشعب العراقي. وأخذ العراقيون بثأر كل مظلوم من أميركا. لكن هزيمة أميركا لم تكن لصالح المشروع الوطني العراقي؛ قدم النصر هدية لإيران التي لم تطلق طلقة على أميركا، لكنها أخذت البلد كاملا ودخلت في حرب مفتوحة مع العرب السنة.
صحيح أن أميركا احتلت، وقبلها حاصرت ودمرت؛ وصحيح أن إيران ارتكبت جرائم في العراق من قبل ومن بعد، لكن ما كنا قبل عقد تغمض العين عنه نواصل اليوم إغماض العين عنه: إن تآمر إيران وأميركا، ومن فوقهما إسرائيل التي قصفت مفاعل تموز وحاولت اغتيال صدام حسين، ما كان لينجح هذا النجاح لولا كوارث الاستبداد. وعندما نفتح العين على قصف الطائرات الأميركية التي قتلت أهلنا وأحبتنا، فلا يجوز أن نغمض العين عن جنون النظام العراقي الذي خاض حربا مدمرة مع إيران، وأردفها بحرب مع الكويت، وفي الغضون ارتكب مجازر بشعة بحق الأكراد والشيعة، كما لم يسلم العرب السنة من فظائعه.
كان الشهيد اللاحق محمد المسالمة قد تطوع على عين الأمن السوري للدفاع عن العراق. ترك أهله وعمله ليقاتل الأميركيين، وشاهد جرائمهم في العراق بعينه لا بكاميرته. عاد مهزوما إلى سورية؛ لم يجد استقبال الأبطال، وقضى في المخابرات الجوية سبعة أشهر، اكتشف خلالها أن الاستبداد والاحتلال وجهان لعملة واحدة. خرج مصرا على أن يأخذ حق المعتقلين الذين ظلوا من بعده مجهولي المصير. استخدم سلاح الكاميرا هذه المرة، واعتقد أنها أكثر فاعلية من السلاح، ليقضي كما طارق، وهو خلف الكاميرا.
بعد عقد، يحق لنا أن نسأل: هل كان بإمكان الشعب العراقي التخلص من الدكتاتورية بدون تدخل دولي؟ وهل التدخل الدولي بالضرورة هو الاحتلال؟ وبعد انسحاب الأميركيين، لماذا تحلل العراق طائفيا وقوميا، ولم يفلح في بناء الدولة الوطنية؟ الإجابة اليوم في سورية. فقد تحدى الشعب السوري الدكتاتورية بدون تدخل دولي. وفي ثورة يتيمة، يقرع الثوار أبواب دمشق. والدعم الذي حصلت عليه الثورة يقتصر على الدعم الإنساني والسياسي. وأخيرا سُمح بدخول السلاح الممول عربيا. لكن التحدي الأكبر هو بناء المشروع الوطني السوري، وعدم تكرار التحلل الطائفي في العراق.
لقد حظي هذا الجيل بفرصة توثيق التاريخ على الهواء مباشرة، وهو حافل بالانتصارات والهزائم. لكن بعد عقد، نترحم على طارق، وعلى شهداء الإعلام الذين كتبوا بدمائهم أكثر الروايات صدقا.
yaser.hilila@alghad.jo
(الغد)