إعلان حظر تجول..
ايهاب سلامة
جو 24 :
تتوقف عن ممارسة الكتابة ..
تمزق الأوراق التي ما عاد يستخدمها جيل الأندرويد .. تطلق النار على صدغ الكلمة، تتمنع على غواية النص، تقمع بوح الحروف المتمردة على أصابعك، وتعلن حظر التجول على أفكارك، وتلعن اللحظة التي وقع فيها قلبك بغرام القصيدة ..
تطلّق الشعر بالثلاث .. تجمّع كل قصائدك اللاتي كتبتها طوال عمرك بمداد الروح، ترميها في أقرب حاوية للقمامة، وتوصد على قلبك أبواب الصد، وتلقي بمفتاحه في مستنقعات العالم الازرق ..
لمن نكتب ؟
والكلمة ما عاد لها طعم ولا لون ولا رائحة، والبلاغة والبديع والبيان .. خنّثها ابناء الضاد، والمعلقات السبع، معروضة في سوق النخاسة، ورسائل "اخوان الصفا"، مسجّاة على بسطة في "سقف السيل" ولا تجد من يشتريها، والعقد الفريد، ما عاد فريداً، و"نهج البلاغة" مهجور منذ سقوط الأندلس ..
لمن نكتب ؟
والحبيبات اللواتي كنا نخترع اللغة كي تليق بكحل عيونهن، يعرضن خلاخلهن على فترينات أنستجرام، واللهفة في قلوب العاشقين، ماتت .. والأنوثة، قصّت ضفيرتها وانتحرت، وما عدت تعرف زيداً من زبيدة ..
نحن في زمن نصوص "السناك"، والوجبات اللغوية الرديئة الخفيفة، والمقالات الركيكة سريعة التحضير، وثقافات الهاشتاج، وسناب شات، وليلة خميس، ورقصة الكيكي، وإسهالات البوستات التي تشوش العقل، ولا تستوعب من تزاحمها، فكرة ولا عبرة ..
لقد أعلنت اللغة حدادها على سيبويه، والقصيدة أرملة، فتحت بيت عزاء للفراهيدي، والشعراء غادروا مخدعها منذ أزمنة وتاهوا، واستبدلوا أهداب حروفها، ببوست، يكتبونه بخطوط الجيل الرابع ..
يا حبيبتي التي كانت ذات يوم، تفجّر في قلبي ينابيع البوح الجميل، وترفرف بي، صوب مدن المستحيل، وتغفو على أوراقي، وأحداقي، وتشدو على مسمع قلبي، همس الهديل :
اعذريني، فما بقي في معاجم الحب، مفردات، تليق بقصيدة ..
وما ظل في قواميس الضاد، كلمات جديدة ..
وحكومات بلادي، فرضت ضريبة على فمي ..
كي لا أشتم الذين أشغلوني عنك، برغيف الخبز، وأهجوهم، بفردة حذائي الوحيدة !