"أبو كلبشة" يرأس تحرير الاعلام التقليدي.. وصحف تنتظر اعلان نعيها قريباً
ايهاب سلامة
جو 24 :
ما لم تدرك وسائل الإعلام التقليدية، أن مساحات المتاح المتوفرة على المواقع الإلكترونية، ومنصات التواصل الاجتماعي، قد سحبت البساط من تحت قدميها، وجففت روادها ومواردها، وأفقدتها ألقها وحضورها، وأنهت عهد تأثيرها على الرأي العام، نتاج منظومة إرث السياسات العقيمة التي جنحت بها عن مواكبة رياح التغيير العاتية، وألجمتها عن الارتقاء لمنسوب الوعي الشعبي الجارف، فإنها تحكم على نفسها بالموت، وتسير بقدميها نحو الهلاك، وتنسحب من المشهد الإعلامي، لصالح العوالم الافتراضية، وفضاءات الإنترنت الشاسعة، إن لم تكن قد انسحبت وباتت تنتظر لحظة إعلان وفاتها رسمياً.
بقاء مفاصل الوسائل الإعلامية التقليدية، متيبسة متكلسة، مصابة بالفوبيا والخرف والرعاش، وتأبى الا ان تعتاش، على إرث أمجاد الماضي، مع عجزها عن مجاراة أدوات الإعلام الحديث، بمساحاته الشاسعة المتاحة، ضمن سياسات تحريرية مغايرة، وانفتاح مهني ديناميكي، فانها ستُقصى وتُغيب حكماً عن المشهد، إن لم تكن عديدها قد أقصيت وغابت، وأخرى تعتاش آخر أيامها على نفقة دور المسنين الحكومية، بعد أن أصبحت خارج اللعبة الإعلامية الحديثة التي فرضت نفسها وإيقاعها، رضينا بذلك أم لم نرضى.
المؤسسات الإعلامية الأردنية، مدارس صحافية مهنية، أسهم إعلاميوها المهاجرون في بناء مؤسسات إعلامية عربية وعالمية ضخمة، والخلل اذ يكمن فيها، بوقوف قوى في الظل، تتحكم بمساحات المتاح، والسماح، وتحدد كمية الأوكسجين التي تتنفسها، وتعدّ عليها الحرف، وترصد الممنوع من الصرف، وتقيّدها بوحي تعليماتها، وفرماناتها، وتأبى عليها خلع عباءتها البالية، وبرمجت عقليتها التحريرية برقابة ذاتية صارمة، تضمن بقاؤها في المنطقة الآمنة الغبية، بأظافر مقلمة، ودوات مُسخّرة، لا تسمن أو تغنى، وتحرك دفتها أنّى شاءت، ونصّبت على رئاسة تحريرها، المرحوم "أبو كلبشة"، حتى لم يعد لها سوقاً، ولا تأثيراً، أو حضوراً يذكر ..
لنكاشف أنفسنا .. هل يخدم بقاء وسائل الإعلام الوطنية التقليدية، محنطة، مبرمجة، تمشي حذو الحائط، ومتوقفة عقارب عصرنتها، عند ذات الخطابات المنقرضة، ومجمدة مواكبتها لركب الإعلام الحديث، ونتوقع منها أن تسهم في التأثير بالرأي العام، أو تسند مؤسسات وسياسات الدولة بفاعلية، او حتى تؤثر، بقدر صفحة فيسبوكية ساذجة، يديرها مراهق !؟
الارتقاء مجدداً، وإعادة التأثير والحضور، يتطلب ثورة إعلامية، تبدل أول ما تبدل، جلد السياسات التحريرية العقيمة في وسائل الاعلام الكلاسيكية، الرسمية وشبه الرسمية، وتلبسها لبوساً عصرياً مغايراً، وتخرجها من قمقم إعلام الحكومات، إلى فضاءات إعلام الدولة، وتحررها، وتطلق قواها، وتفرض حضورها الفعلي، وتعيد ألقها، لتعاود قيادة الرأي العام، لا الانقياد خلفه، بسياسات النفي أو التوضيح والتصحيح، و"منصات التبرير" التي تنشغل بالرد على منشور ساذج عابر..
إطلاق يد الصحافة التقليدية، وفك الأغلال والقيود عن أقلامها ودواتها، وتوسيع مساحاتها وسقوفها، لتعيد اكتساب المصداقية، والتحكم بتوجيه البوصلة، طوق النجاة الأوحد، لإنقاذ مؤسسات إعلامية وطنية عريقة في طريقها إلى الغرق، وإلا، فان حضورها وغيابها يتساويان، ولن تتمكن من البقاء على قيد الحياة، مهما حاولت الحكومات اطالة عمرها، بأجهزة التنفس الاصطناعي، واعلانات الاعالة الحكومية..
دولتنا الحصيفة، أضعفت إعلامها، روضته ودجنته، وقصّت لسانه، وكممت فمه، وأخصت أقلامه، وحوّلت العاملين فيه الى موظفين وكتبة، يترقبون رواتبهم البائسة اخر الشهر .. وحاضر سيدي ..
حتى إعلام المواقع الإلكترونية، الذي سيطر لبرهة من الزمان على المشهد الإعلامي، بعد ثورته المهولة على الصحافة التقليدية، خبا تأثيره بشكل كبير للغاية، وجففت موارده الإعلانية، وتعرض هو الآخر لثورة مضادة من وسائل الاعلام المجتمعي، وسقط تحت غزوات منصاته، فحجّم دوره، وتقلّص حضوره وتاثيره، بعد أن أصبح كل شخص يمتلك "موقعه الاخباري الإلكتروني الخاص"، عبر صفحات فيس بوك وتويتر وانستجرام وغيرها، يبث عليها ما شاء، بالصوت والصورة والبث المباشر، المحلي والعابر للقارات، ومجاناً، دون تراخيص وشروط رئاسة تحرير هيئة الإعلام، وبات الدخول إلى أخبار المواقع الإلكترونية يمر الزامياً، عبر بوابة العالم الأزرق!
من المؤكد، أن انقياد الناس وراء مواقع التواصل، يعد أمراً طبيعياً، في ظل سبات وسائل إعلام الدولة، وغفلتها وغفوتها، وغياب وتغييب أقلامها الحرة، وجفاف الموارد الطبيعية للمعلومة التي أصبحت تسرح وتمرح في الفضاءات الغوغائية، دون مرابط وضوابط، ولا يمكن بحال من الأحوال، لأي قانون كان، السيطرة عليها، ما دام الضعف الإعلامي على حاله، ولا يعبىء مساحات منصات التواصل بحضوره، ولم يعد بيده سوى ترقب نشر إعلان نعيه، على صفحات مواقع التواصل ذاتها، وقريباً!