جورج زريق.. شهيد "الأقساط" برتبة مواطن
جو 24 :
ماذا لو وجدت نفسك مرمياً على قارعة الذل، أو نهشت بك الحياة مبعثرة الروح قبل الجسد؟.. أقوى الإيمان أن تصبر وتواجه بما أوتيت من طاقة، وأضعفه.. أن تنتحر!!
وحيث لا مجال للتنظير أو رمي التهم جزافاً، هذا ما حصل مع "جورج زريق" في الكورة، وقبله كثيرون. المؤسف أنّها ليست حالة الإنتحار الأولى، والأخطر أنّها لن تكون الأخيرة، بينما المقزز أننا بتنا أمام تعداد لأرقام ضحايا جاهدوا للبقاء على قيد الألم، ولكنّ الظروف جعلتهم الهاربين منه الى حيث العدالة المطلقة.
أمّا جورج فكان المحروم من الأمل والحياة، شهيد برتبة مواطن، وبحجم وطن لم يكن يوماً على قياس جورج وأمثاله. هو قضى بنيران الأقساط، وأخر سُجن وتهمته من العيار الثقيل "سرقة ربطة خبز"، وقبلهما مواطن فرغ الرصاص منهزما ًبرأسه وأطفاله. وكلهم حرقتهم المدارس الخاصة بأقساطها الملتهبة، بعدما أصبح لكل طائفة مدارسها وجامعاتها، وراحوا يبحثون عما تبقى من أسماء القديسين والأئمة ليصبغونها بصبغات الإيمان، وحرقتهم المدارس الرسمية بعدما نهشتها المحسوبيات ومعادلة "الستة والستة" حتى بتنا أمام مستوى من التعليم الرسمي المؤسف على أدائه.
حرقتهم الطبقة السياسية كلها وضحكاتهم الصفراء أمام الكاميرات وتصاريحهم عن الألم والوجع، حرقهم أيضاً ضمير نائم ورأي عام مخدر. فتباً لنا جميعنا لأننا لم نثور لحظات الغلاء، لأننا ضعفنا، وتباً لكل ثرثراتنا على مواقع التواصل الإجتماعي والمحاضرات، سحقاً لكل تلك الإستعراضات الرسمية والشعبوية، عن ثورة بلا شعب، وسحقاً لكل هؤلاء آكلي حقوق اللبنانيين.
من الممكن لو كنّا في بلد أخر، لكانت جريمة مقتل جورج زريق أدت الى ثورة، ولكنه الشعب المخدر، قد يكون مسكيناً نتيجة اليأس والإحباط، ولكن كيف يبرر لنا لحظة وفاة كل مواطن إنتحاراً أن نجلس ونحصي أعداد الأموات، ونحن حقيقة أمام جمرة خبيثة ستطالنا الواحد تلو الأخر.
أمّا حال اللبناني فخلاصة قول للمتنبي: "ومن يهن يسهل الهوان عليه، ما لجرح بميت إيلام"، وهكذا حال جورج تراه لم يتألم محترقاً، فأكثرنا بات أمواتاً، لم تعد تؤثر الجراح فينا، ومثل جورج لم يقبلوا الذل والهوان. فمتى يثور المواطن، كي لا تتكرر المأساة؟.
وكان جورج زريق والد لطفلين، أضرم النار بنفسه امام باحة ثانوية سيدة بكفتين الارثوذكسية في الكورة، بسبب عدم إعطائها إفادة لأولاده نتيجة تخلفه عن دفع الاقساط. وبحسب ما رواه شقيق الضحية، فإنّ مدير المدرسة "مارس إستفزازات وضغوط كبيرة على جورج عبر الهاتف، وأكدّ له مراراً أنه لن يمنحه الإفادة لنقل أولاده من المدرسة لأنه لم يدفع المبلغ المتوجب عليه".
وبعد ذلك، إتصل جورج بالمدير و"هدده إن لم يحصل على الإفادة سوف يذهب إلى المدرسة ويحرق نفسه أمامها وبالرغم من ذلك لم يحصل على أي تجاوب من قبل المدير"، كما نقل شقيقه شكري، ليقوم جورج بإضرام النار بنفسه ويقضي حرقاً.
وتعليقاً على الحادثة، صدر عن مكتب وزير التربية والتعليم العالي أكرم شهيب بياناً أسف فيه لوفاة جورج، و"أوعز شهيب بفتح تحقيق لجلاء الملابسات المحيطة بالحادثة، وشدّد على أن وزارة التربية التي استوعبت خلال العام الحالي في المدارس الرسمية آلاف التلاميذ الذين انتقلوا إليها من التعليم الخاص بسبب صعوبة الظروف الاقتصادية، لم تتوان يوماً عن منح الطلاب الافادات اللازمة للتسجيل في المدارس الرسمية، انطلاقاً من حق الوصول إلى التعليم للجميع".
وبحسب البيان فإنّ الوزير سيتولى "متابعة تعليم ولدي المرحوم جورج زريق وتأمين المنح اللازمة من أجل استكمال تعليمهما. ويأمل أن تشكل هذه الحادثة المؤلمة حافزاً للحكومة كي تولي الاوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة الأولوية في عملها".
وفي وقت سابق، أصدرت ثانوية سيدة بكفتين الارثوذكسية في الكورة، بيانا أسف فيه للحادثة، معتبرة أنّ ما يتم تواصله عبر وسائل الإعلام لا يمت للحقيقة بصلة، "إذ أنّه تم التركيز على ان المرحوم، نتيجة مطالبة إدارة الثانوية له بدفع الأقساط المدرسية وعدم التزامه، هددت بطرد ابنته، الامر الذي دفعه الى إحراق نفسه. إنه لأمر معيب ان يتم تداول هذا الامر بهذه الخفة، إذ ان ادارة الثانوية، وتبعا لأربعة نداءات خطية متتالية، منذ مطلع العام الدراسي الحالي، طلبت من اولياء الطلبة الحضور الى المدرسة لتسوية اوضاعهم المالية والادارية الخاصة بأولادهم، ولم يصدر عنها اطلاقا أي تهديد بطرد اي تلميذ، كما ان ادارة الثانوية، وتوضيحا لما حصل، سوف تكشف ادارة المدرسة ان المرحوم بسبب اوضاعه الاقتصادية تعاطفت معه منذ تسجيل ولديه سنة 2014 - 2015 على اعفائه من دفع الاقساط المدرسية، باستثناء رسوم النقليات والقرطاسية والنشاطات اللاصفية، وعليه فكل ما يتم تداوله هو غير صحيح ولا يمت الى الحقيقة بصلة".
المصدر: لبنان 24