ماذا حدث في عجلون...؟!
حسين الرواشدة
جو 24 :
مهما كانت الاجابات تبعا للروايات التي سمعناها من كافة الاطراف فان ما افتقدناه في الحادثة التي جرت في «عجلون» هو الانحياز لصوت العقل، لا تسألني عن التفاصيل، فالشاب الذي توفي رحمة الله عليه كان ضحية لغياب هذا الصوت، وردود الفعل التي حصلت على مدى اليومين المنصرفين كانت ايضا نتيجة لغياب منطق العقل، لا تسألني ايضا لماذا افتقدناه، فهذه قصة طويلة ليس هذا مكانها.
كان يمكن ان نحاصر ما جرى منذ لحظة وقوعة، بالقانون اولا حين ننحاز اليه ونحدد المسؤول / المسؤولين عن المشكلة، ثم نحاسبه/هم، ونطوي الصفحة دون ان نثير احدا، او ثانيا بتطييب الخواطر عبر وسائطنا الاجتماعية (اين هي اصلا..؟) للخروج بتوافق ينهي القضية ويمنع انتشار نيران الغضب وسط الحقول اليابسة.
ما حدث في عجلون هو نسخة اخرى مما حصل ويحصل في بلادنا، ليس فقط من خلال نقطة التماس او الالتباس بين رجل الامن وجهاز الادارة المحلية وبين المواطنين، وانما من خلال علاقة الناس بدولتهم ومؤسساتهم وببعضهم بعضا، النماذج هنا عديدة، خذ مثلا مسيرة الشباب العاطلين عن العمل مشيًا من العقبة الى عمان للاحتجاج على غياب عدالة توزيع الوظائف وفرص العمل.
خذ ثانيا «فوضى» البيانات والعرائض التي يرفعها مسؤولون سابقون للمطالبة باصلاح الحال، حيث لا نعرف من يصلح من، وخذ ثالثا الاجراءات والمقررات التي تصدر بتعيين فلان او تنفيع علان دون اي تبرير مقنع، وخذ رابعا صورة بلدنا التي تختصر مشهد مزاجنا العام، سواء ونحن نقف وحيدين في مواجهة حصار لا ينتهي من اطراف لم نقصر معها في يوم من الايام، او ونحن نواجه استحقاقات تتعلق بوجودنا ونخشى ان تفرض علينا.
امس قلت في هذه الزاوية: ان الناس فقدوا ثقتهم بكل شيء، وهذا اخطر ما يمكن ان نفكر الان فيه، لا بمجرد الاعتراف وهو اقل الواجب، وانما بالحركة نحو اصلاح الحال، وتجاوز الخلل بالافعال لا بمجرد الاقوال.
اما اليوم فاسمحو لي ان اضيف اننا احوج ما نكون الى صوت العقل، هذه هي الوصفة الوحيدة التي استطيع ان نقدمها للاردنيين الطيبين في لحظة حرجة يمر بها بلدنا.
نحن نحتاج فعلا الى «صوت العقل» وفي بلادنا عقلاء كثر يمكن ان نسترشد بهم، وشعب حي يمكن ان نثق به، ودروس كثيرة يمكن ان نستفيد منها، ومستقبل جديد يمكن ان نتفق عليه ونرسمه بعيدا عن «فزاعات» التخويف ونصائح المستثمرين في «الخراب»، ودعوات الجاهزين للسفر في اية لحظة.
اعرف ان الرسائل التي بعثها الناس - وما زالوا يبعثونها - لم تصل، واذا وصلت فهي لم تجد طريقها الى العمل والتنفيذ، وقد نتج عن ذلك كل ما تولد من ازمات واحتقانات وكل ما نعانيه من التباسات جرّاء انسداد «ابواب» الاصلاح الحقيقي وغياب الثقة وغلبة منطق الاستهتار والمماطلة والاكتفاء بطلاء الجدران على حساب منطق التفاهم والحوار واسترجاع الثقة وبناء الصدقية، بدل انتظار الخروج من «مواسم» احتجاجات الشارع بأسرع ما يكون وبأقل الخسائر.
الان لا بد ان نعترف اننا في غياب «صوت العقل» اخطأنا في التشخيص وفي المعالجة ايضا، اخطأنا في ادارة الازمات وفي ابداع ما يناسبها من حلول اخطأنا في تحديد الرؤية وتوجيه البوصلة وفي تقدير الموقف ايضا.
اذا، ليس امامنا الا حل واحد، مفتاح سحري (ان شئت)، وهو الانحياز الى «صوت العقل» لكي نجتاز هذه الازمات التي تتناسل من رحم «الاحتقان» والخوف واليأس ومن «تربة» الفقر والبطالة والفساد، لكي نتوافق على «اردن» جديد تستقيم فيه موازين العدالة وتعلو فيه مصلحة «الوطن» ويتنفس الناس هواء نقيا لا غبار فيه ولا «رطوبة» زائدة عن الحد.