ثقوب في الصندوق
يوسف غيشان
جو 24 : قرأنا في الجامعة مثالا فلسفيا حول نسبية الحقيقة والنظرة الجزئية، حول فيل موجود في صندوق كبير ، وثمة ثقوب في الصندوق ، حيث يطلب من أشخاص لم يروا الفيل قط، أن ينظر كل واحد فيهم من أحد الثقوب ويصف الفيل .
لا أذكر المثال بالضبط ، لكن الذي نظر الى الثقب المواجه لذيل الفيل، قال- مثلا- بأن الفيل هو شئ يشبه السوط ،وفي نهايته ذؤابة من الشعر.
الرجل الذي نظر الى الفيل من الثقب المقابل للخرطوم ، قال عن الفيل، بأنه شئ أسطواني عملاق يتلوى الى الأعلى ، كما وصفه من رأى قدم الفيل بطريقة مختلفة تماما عمن رأى كرشه، فصارت الحقيقة الواحدة عدة حقائق ، حسب موقع الراصد من الحدث.
بطريقة أو بأخرى، ذكرني هذا الفيل في الكرتونة بمجلس النواب – ربما يكون مجلس النواب السويسري- ، حيث تستطيع أن تجد فيه ما تريد حسبما تريد، وحسب موقعك كراصد.
إذا كنت نغشا- مثل حكايتي- ستجد الكثير من الفكاهات والنغاشات، لا بل هو قمة في الكوميديا والسخرية ، لدرجة أننا نفكر – نحن الساخرين- بالتقاعد واعتبار مجلس النواب بمثابة إصابة عمل جماعية لنا جميعا.
أما اذا كنت نحويا نكدا، فتجد في المجلس أداة للتآمر على اللغة العربية وآدابها وعلومها مجتمعة، إذ لن تصدق أن الكثير من النواب لا يفرقون بين حروف الجر وحزوز البطيخ، وستعتقد أن هناك مؤامرة ما تحاك على مرمى الكاميرا.
وإذا كنت متشائما ، ستجد في المجلس مثلا حيا على الإنهيار العام الذي أصاب مجتمعنا ، وحوّل القبيلة الى عشائر متناحرة والعشيرة الى حمايل متنابزة ، والحمايل الى افخاذ متناقضة والأفخاذ الى... تشكن تكا.
وإذا كنت تعاني من الأرق ،فستجد أن سماع كلمات الكثير من النواب – السويسريون- هو أفضل وأروع منوم شبه مجاني وبدون وصفة طبية ، ودون أن تتعرض لك شرطة مكافحة المخدرات.
اذا كنت سياسيا ستجد نموذجا للسياسة العشوائية.
وإذا كنت اقتصاديا فسوف يعيدونك الى صفوف الحساب الإبتدائية.
وإذا كنت مفكرا..فلن تجد شيئا.
أما اذا فتحوا الكرتونة لتراه بدون ثقوب ..فلن تجد أمامك ..سوى ليوجيرقا.
ghishan@gmail.com
(الدستور)
لا أذكر المثال بالضبط ، لكن الذي نظر الى الثقب المواجه لذيل الفيل، قال- مثلا- بأن الفيل هو شئ يشبه السوط ،وفي نهايته ذؤابة من الشعر.
الرجل الذي نظر الى الفيل من الثقب المقابل للخرطوم ، قال عن الفيل، بأنه شئ أسطواني عملاق يتلوى الى الأعلى ، كما وصفه من رأى قدم الفيل بطريقة مختلفة تماما عمن رأى كرشه، فصارت الحقيقة الواحدة عدة حقائق ، حسب موقع الراصد من الحدث.
بطريقة أو بأخرى، ذكرني هذا الفيل في الكرتونة بمجلس النواب – ربما يكون مجلس النواب السويسري- ، حيث تستطيع أن تجد فيه ما تريد حسبما تريد، وحسب موقعك كراصد.
إذا كنت نغشا- مثل حكايتي- ستجد الكثير من الفكاهات والنغاشات، لا بل هو قمة في الكوميديا والسخرية ، لدرجة أننا نفكر – نحن الساخرين- بالتقاعد واعتبار مجلس النواب بمثابة إصابة عمل جماعية لنا جميعا.
أما اذا كنت نحويا نكدا، فتجد في المجلس أداة للتآمر على اللغة العربية وآدابها وعلومها مجتمعة، إذ لن تصدق أن الكثير من النواب لا يفرقون بين حروف الجر وحزوز البطيخ، وستعتقد أن هناك مؤامرة ما تحاك على مرمى الكاميرا.
وإذا كنت متشائما ، ستجد في المجلس مثلا حيا على الإنهيار العام الذي أصاب مجتمعنا ، وحوّل القبيلة الى عشائر متناحرة والعشيرة الى حمايل متنابزة ، والحمايل الى افخاذ متناقضة والأفخاذ الى... تشكن تكا.
وإذا كنت تعاني من الأرق ،فستجد أن سماع كلمات الكثير من النواب – السويسريون- هو أفضل وأروع منوم شبه مجاني وبدون وصفة طبية ، ودون أن تتعرض لك شرطة مكافحة المخدرات.
اذا كنت سياسيا ستجد نموذجا للسياسة العشوائية.
وإذا كنت اقتصاديا فسوف يعيدونك الى صفوف الحساب الإبتدائية.
وإذا كنت مفكرا..فلن تجد شيئا.
أما اذا فتحوا الكرتونة لتراه بدون ثقوب ..فلن تجد أمامك ..سوى ليوجيرقا.
ghishan@gmail.com
(الدستور)