jo24_banner
jo24_banner

الانفاق العسكري : صندوق الحكومة الاسود وتابو على الشارع الاردني

الانفاق العسكري : صندوق الحكومة الاسود وتابو على الشارع الاردني
جو 24 :
  •  عجز الموازنة العامة في الاردن قد تضاعف خلال السنوات العشر سنوات الماضية سبعة اضعاف
  • الاردن خامس اعلى دولة بالعالم من حيث  الانفاق العسكري كنسبة من حجم الناتج المحلي الاجمالي
  • الانفاق العسكري في الاردن يشكل 30% من حجم الانفاق الحكومي الكلي
  • تناقضات في تصريحات الحكومة وافعالها  بشأن الانفاق العسكري
  • جهود نيابية  لفتح ملف الانفاق العسكري تبوء بالفشل  
  •  

    نائل العدوان

     يعد الاردن وحسب الاحصاءات المنشورة والمتعلقة بالانفاق العسكري خامس اعلى دولة بالعالم من حيث حجمة كنسبة من حجم الناتج المحلي الاجمالي ، اذ بلغت هذه النسبة حوالي 8.6 % في عام 2010 ، وقد تصدرت عـُمان المرتبة الاولى عالميا حيث بلغت النسبة 11.4% ، والثانية هي دولة قطر بنسبة 10% والثالثة هي السعودية بنسبة 9.9 % اما الرابعة فهي العراق وبنسبة تقترب الى 9% ، اما دولة اسرائيل فقد جاء ترتيبها في المرتبة السادسة وبنسبة 7.3 %.

    وبغض النظر عن حجم الانفاق العسكري من حيث ضخامته او ضألته للدولة فان النسبة السابقة تعبر عن اهميته النسبية مقارنه بموارد الدولة المنتجة خلال عام . ويبلغ حجم الانفاق العسكري للدول العربية مجتمعة بما يزيد عن المائة مليار دولار ، فالسعودية لوحدها تنفق ما يقارب 59 مليار دولار مقارنه ب15 مليار دولار لدولة اسرائيل و مليار دولار1.8 في الاردن اما في امريكيا فقد بلغ حجم الانفاق العسكري 741 مليار دولار سنويا مقارنة بالدولة الاولى في العالم .

    ووفقا لتعريف منظمة حلف شمال الأطلسي فان الانفاق العسكري يشمل جميع النفقات الجارية والرأسمالية على القوات المسلحة ، بما في ذلك قوات حفظ السلام ؛ وزارات الدفاع والوكالات الحكومية الأخرى التي تعمل في مشاريع الدفاع وتشمل هذه النفقات الأفراد العسكريين، بما في ذلك معاشات التقاعد للعسكريين والخدمات الاجتماعية للأفراد ؛ التشغيل والصيانة ، والمشتريات ، والبحوث العسكرية والتنمية ، والمساعدات العسكرية .

    وقد اعترى موضوع الانفاق العسكري في الأردن جدل واسع لدى الساسة والمعنيون بالشؤون الاقتصادية، وتساؤل خجول عن الحجم الضخم الذي تخصصه الحكومة الاردنية في كل عام للانفاق العسكري بالرغم من العجز المضطرد الذي تمنى به موازنة الدولة عاما بعد عام .

    من ناحية اخرى ، تظهر البيانات المنشورة  ان عجز الموازنة العامة في الاردن قد تضاعف خلال السنوات العشر سنوات الماضية سبعة اضعاف بالرغم من الزيادات في معدلات الضريبة التي اتبعتها الحكومة خلال هذه الفترة، والتي لم تسعف الحكومة من درء شبح العجز في الموازنة ليصل في عام 2009 الى 1.5 مليار دينار مقارنة ب 200 مليون فقط في عام 2000 وازدياد في الدين العام الى الناتج المحلي الاجمالي لنسبة خطرة وصلت الى مايزيد عن 64 % والتي حدت بوزير المالية الحالي الى اصدار تصريحات بمرحلة  خطر  محدق سيمر بها الاردن  قريبا قد تكون مماثلة لحالة اليونان اذا لم تتخذ الحكومة اجراءات تقشفية واصلاحية  تظبط فيها الانفاق وتشد الاحزمة لمرحلة سياسات مالية متقشفة. فهل تتفق تصريحات الوزير مع وضع الانفاق على ارض الواقع ؟

    يشكل الانفاق العسكري في الاردن من حجم الانفاق الحكومي الكلي نسبة تصل الى 30% ، اي ان ثلث ما تنفقه الحكومة ضمن حساباتها العامة يذهب كمخصصات للدفاع ،وهي نسبة فلكية مقارنة بباقي دول العالم ، ولا شك ان انفاق الدولة الاردنية على مناحي الحياة الاخرى هو اقل بكثير من انفاقها على الدفاع وهي نسبة اكبر من نسب انفاق الحكومة على التعليم والصحة والعمل مجتمعين ،  وتشير الاحصاءات الى ان الاردن ينفق ما مقداره 11% على التعليم و نسبة 10% على الصحة و2% على العمل.

    الا ان الملفت للنظر ان العام 2007 قد شهد ارتفاعا مضطردا في الانفاق العسكري ،ليصل معدل النمو  في الانفاق الى 45% مقارنة بالعام 2007 ، وبنمو فاق 38% بين عامي 2009 و2010 . اما في العام الماضي فقد وصل الانفاق العسكري الى اعلى مستوياته حيث وصل الى مليار وثمانمائة مليون دينار اردني في عام 2011.

    ان الاحصاءات السابقة تسوقنا الى نتيجة مهمة وهي ان الارتفاع المتزايد للانفاق العسكري ومعدلات النمو المفاجئة لم يرافقها اي وضع سياسي استثنائي في المنطقة او زيادة في التسلح الداخلي، بل على العكس فقد شهد العالم -ومن ضمنه الاردن- ازمة مالية في عام 2008 ادت الى حدوث كساد شديد وبطء في الاستثمار وزيادة في البطالة والفقر، وهذه الاسباب مجتمعه مدعاه لخفض الانفاق و توجيهه لمناحي اقتصادية وليس لزيادته بمعدلات غير معهوده. ناهيك الى ان زيادة الانفاق السابقة غير مرتبطه بعودة التجنيد الالزامي للاردنيين فوق سن الثامنة عشر و الذي كان قد توقف منذ عام 1999.

    ولربما يتبادر السؤال بخصوصية الاعوام العشر الاواخر لزيادة الانفاق العسكري وهل ذلك مرتبط بحالة عدم الاستقرار السياسي في المنطقة ككل مع ان اتفاقية سلام مع اسرائيل قد وقعت في منتصف التسعينيات ، ومنذ ذلك الحين والانفاق العسكري يحافظ على وتيرة مرتفعة من اجمالي الانفاق الحكومي بدون التفكير جديا بتخفيضه او حتى المحافظة على وتيرته ، ففي عام 1988 بلغ الانفاق العسكري 220 مليون دولار ليزيد بمعدل بسيط بعد حالة السلام في عام 1994 الى 285 مليون دولار ثم عاود الارتفاع في عام 1996 ليصل الى 296 مليون دولار وليتابع بعدها الارتفاع تدريجيا  ليصل الى ما يقارب المليارين في هذا العام.

    والحديث عن الانفاق العسكري يسوقنا إلى الحديث اقتصاديا عن نظرية الفرصة المضاعة او ما يسمى أيضا بالتكلفة البديلة ، وفرص العوائد الذي ستجنيها الدولة اذا قررت توجيه جزء من هذا الإنفاق لمشاريع استثمارية منتجة ، ناهيك عن حجم المضاعف في دورة الحياة الاقتصادية الذي سيعظم المنفعة للمجتمع ككل.

    حيث يرى العديد من الاقتصاديين في الأردن أن جزءا كبيرا من نفقات الدفاع يمكن استثمارها وتنميتها بل وتوجيهها إلى مناحي الإنفاق الرأسمالي والجاري في الأردن والتي بالمحصلة ستزيد من حجم الادخار وتمويل الاستثمار وهذا مدعاة لخلق فرص عمل جديدة وزيادة العمالة وتخفيض مستويات الفقر والبطالة.

    ويؤكد الاقتصاديون بان المؤسسة العسكرية –من ناحية اقتصادية- غير منتجة ولا تساهم في زيادة النمو الاقتصادي بل ان زيادة المخصصات الدفاعية المضطرده يزيد من تباطؤ النمو الاقتصادي ويخفض من الاستهلاك العام والخاص والاستثمار لنضوب ادخار الدولة ،ناهيك عن الدور الكبير الذي تلعبه زيادة النفقات العسكرية في زيادة الاسعار، مؤكدين ان زيادة الطلب ستزيد مستوى التضخم مع عدم قدرة الدولة على الانتاج لمقابلة الطلب الاستهلاكي المستقبلي مما يؤدي إلى ضعف القاعدة الانتاجية، بل ويذهب البعض منهم على اعتبار ان القوى البشرية في المؤسسة العسكرية ليست عامله ودليلهم انها لا تدخل بحسابات دائرة الاحصاءات ة عند قياس معدلات العمالة والبطالة .

    و يبرز رأي أخر على الساحة الأردنية مناقض للرأي السابق والذي يرى إن حالة الإنفاق المضطرد على الدفاع مرتبط بسيادة الدولة وهو وضع احترازي لا بد منه لاي وضع سياسي قد يفضي الى تدخل الغير بشؤون الدولة الداخلية  ومصالحها ، مما يحتم على الاردن تجهيز الجيش وقوات الدفاع بشكل منظم وذلك يتطلب صرف مبالغ هائلة على التدريب والرواتب للعاملين والمتقاعدين عوضا عن شراء المعدات العسكرية بكافة أنواعها، ويستشهد أصحاب هذا الرأي بخط المواجهة الكبير مع دولة إسرائيل ،ناهيك عن حالة عدم الاستقرار السائدة بدول الجوار .

    ويبرر اصحاب هذا الرأي بان وجود جيش منظم وقوي هو باعث لاستقرار العلاقات السياسية وهو صمام أمان، ووجوده يعزز صورة الاردن من ناحية الجاهزية وكفاءة افراده والذين انيطت بهم مهمة المشاركة يمهمات سلام مختلفة في مناطق النزاع في العالم.

    ولكن، هل وجهت الموارد داخل المؤسسة العسكرية بشكل صحيح ؟ هذا ما لا يعلمه الا قلة  من اصحاب الشأن  والعسكريين في الاردن؟

    حكوميا ، فان مناقشة موضوع الانفاق العسكري وبنوده الغير ظاهرة في الموازنة العامة والمعطاه كرقم عام هي من التابوهات المحرمة والتي يحظر الحديث عنها وعن مسارات انفاقها وان تخصيص الحكومة في موازنتها لعام 2012 مليارين ومائة مليون دينار للانفاق العسكري وبمعدل زيادة 16% عن عام 2011 هو تناقض اخر وواضح للتصريحات الاخيرة لوزير المالية امية طوقان والتي شدد فيها بان الحكومة ستقوم بتثبيت الانفاق العام الجاري في موازنة 2012 محافظة عليه بمستويات ميزانية عام 2011.

    اما على مستوى مجلس النواب ، فان النقاش بهذا المضمار قد اخذ جانبا اخرا يشوبه الحذر من بعض النواب الذين بادروا الى فكرة مناقشته عبر اللجنة المالية برئاسة النائب انور العجارمة وبحضور رئيس الوزراء الحالي / وزير الدفاع القاضي عون الخصاونة والذي لم يستجب للدعوة وترك الموضوع معلقا مع كثير من علامات الاستفهام عن السرية التي تشوب هذا الخط الاحمر -على حد تعبير احد النواب المخضرمين .

     وفي بادرة اخرى مشابهة وفي عهد حكومة معروف البخيت وبعد ان تم التنسيق بين مجموعة من النواب معه شخصيا لطرح الموضوع ، وبالرغم من اقتناع البخيت باهمية توجيه هذه الموارد المنفقه لسد عجز الموازنة ومناحي اقتصادية اخرى ووعوده للنواب بمناقشة هذا الامر ، الا ان الجميع تفاجأ بان الحديث عن ملف الانفاق العسكري قد ذهب ادراج الرياح وتم اغلاقه الى اجل غير معروف.

    ان الموقف السياسي والاقتصادي الذي تنتهجة الحكومة الاردنية ونداءات الاصلاح التي اصمت اذان الشارع الاردني بها ما عادت تجدي هذه الايام امام لغة الارقام الواضحة وتطور وسائل الاعلام والتكنولوجيا ، اما حقائق الميزانيات المستترة والمليارات المنفقة بغير شفافية او تبرير لانفاقها فانها لن تدوم طويلا امام صرخات دافعي الضرائب  في الاردن ولا بد للحكومة ان تفعل عقلها لادراك هذا الخطر المحيط .

    تابعو الأردن 24 على google news
     
    ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

    صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
    باسل العكور
    Email : info@jo24.net
    Phone : +962795505016
    تصميم و تطوير