ماذا حين يعلن نصر الله الحرب ويرجئ التفصيل؟!
ياسر الزعاترة
جو 24 : يعلم أمين عام حزب الله حسن نصر الله أنه لم يعد ذلك الرمز الذي يتكلم فينصت له الجميع، فقد انتهى بفعل سياسات الولي الفقيه التي فُرضت عليه، أو لعلها اقتنع بها، انتهى إلى زعيم مذهبي؛ ليس في لبنان وحده، بل في العالم العربي والإسلامي أيضا، وهو مثل مغامر لم يلبث أن بدد رصيدا جمّعه خلال عقدين في غضون عامين، وربما أكثر قليلا (بدأ التبديد الواضح منذ اجتياح مقاتليه لبيروت، أيار 2008، مع قدر من الشكوك بدأت حول موقفه حين ساند عمليا القوى التي جاءت على ظهر الدبابة الأمريكية في العراق، وإن على نحو موارب عبر حديث عن المقاومة والممانعة).
يوم الثلاثاء، أطلَّ نصر الله بعد غياب لأكثر من شهرين تكاثر فيها الجدل حول دور الحزب في سوريا، وقيل إنه سيطل من جديد بعد أيام، ويبدو أن للأمر صلة مباشرة بانتخابات الرئاسة الإيرانية المزمع إجراؤها منتصف الشهر الجاري، والتي تسيطر على عقل الولي الفقيه في طهران، ومن الطبيعي أن ينسحب تأثيرها على نصر الله الذي التقى خامنئي بشكل شبه معلن مؤخرا في طهران (نشرت صورة لطرفي اللقاء دون حديث عنه).
الملف السوري له تأثيره المباشر على انتخابات الرئاسة في إيران، لأن الفشل فيه سيعني فشلا لمشروع التمدد الإيراني في المنطقة، وعموم السياسة الخارجية التي أورثت الشعب الإيراني عقوبات وبؤسا اقتصاديا قد تدفع نحو هبة شعبية على غرار الربيع العربي، ما يجعل القيادة الإيرانية حريصة على تجاوز هذه المحطة، مع أن تجاوزها لن يعني أن الوضع قد استتب تماما، اللهم إلا إذا نجحوا في عقد صفقة مع الغرب تنهي العقوبات، مقابل النووي، مع أمل بأن يشمل ذلك سوريا.
كان على نصر الله والحالة هذه أن يدخل على الخط مؤكدا أن سوريا لن تسقط “في يد أمريكا أو يد إسرائيل أو يد الجماعات التكفيرية”، من دون أن يترك ملفات أخرى تتعلق بمشاركة الحزب في المعركة.
بعيدا عن حكاية الطائرة (بدون طيار) التي تحدث عنها بطريقة كاريكاتورية وذهب يضع احتمالات لمن أرسلها إلى سماء فلسطين، فيما يعلم الجميع أن الحزب هو من أرسلها لأهداف سياسية معروفة تتعلق بالتلويح بالرد على أي تدخل دولي في سوريا، بعيدا عن ذلك، فقد كان الرجل صريحا في الحديث عن تورط الحزب في سوريا، وإن حشر الأمر في الدفاع عن اللبنانيين في القرى الحدودية، والذي لا يحتاج إلى إذن من أحد كما قال، إلى جانب الدفاع عن مقام السيدة زينب الذي اعتبر الدفاع عنه منعا للفتنة وليس تورطا فيها (ألا يعني ذلك أن النظام لم يعد قادرا على الدفاع عنه، رغم أنه قوي ومتماسك بحسب زعمه؟!).
دعك هنا من المقاربة البائسة لما يجري في سوريا، والتي كررها مرارا خلال عامين، واستعادها ممثلة في حكاية المقاومة والممانعة وإخراج سوريا من دائرة الصراع وتدمير الدولة السورية (من الذي يدمرها، هل هو النظام، أم الشعب الذي خرج يطلب حريته مثل سائر الشعوب العربية؟!). ولا ننسى أن خامنئي قد استعاد أيضا ذات المعزوفة قبل أيام بطريقة أكثر بؤسا، حين أشار إلى أن “النزاع في سوريا، ليس بين طرفين؛ سنة وشيعة، بل بين أنصار المقاومة ضد الصهيونية ومعارضي هذه المقاومة”، مضيفا أن “حكومة سوريا ليست شيعية، ولا المعارضة العلمانية المعادية للإسلام مجموعة سنية”.
هكذا حوَّل كلا من نصر الله وخامنئي الشعب السوري إلى شعب عميل يقف ضد المقاومة والممانعة، ومن ورائه الغالبية الساحقة من الأمة، بينما منحا وسام المقاومة والممانعة لبشار الذي يستجدي حلا مع الغرب، ويحذرهم من القوى الإرهابية الأصولية التي ستضربهم لاحقا في عقر دارهم حسبما قال (قوىً وصفها خامنئي بأنها علمانية معادية للإسلام)!!
في حديث المستقبل، وبعد التأكيد على أن النظام قوي “شو بدكن فيما يقوله الإعلام”، أكد نصر الله بكل وضوح أن “لسوريا في المنطقة والعالم أصدقاء حقيقيون لن يسمحوا بأن تسقط في يد أمريكا أو يد إسرائيل أو يد الجماعات التكفيرية”، مضيفا “كيف؟ جواب ذلك يأتي بعدين”.
إنه إعلان حرب على الأمة لا لبس فيه، وليس على أمريكا وإسرائيل اللتان يعلم نصر الله أنهما لو كانتا معنيتان بإسقاط نظام صاحبه لسقط منذ عام على الأقل (منع السلاح النوعي عن الثوار قرار أمريكي إسرائيلي)، أما القوى التي يتحدث عنها (أصدقاء النظام)، فهي ليست سوى إيران وأتباعها الذين سيتضررون من سقوطه، وهو أشار إليهم بوضوح (لبنان والعراق)، أما الأصدقاء الدوليون فلن يقدموا الكثير في هذا المضمار، ربما باستثناء الدعم السياسي، بينما يريدون ثمن الدعم العسكري، كما هو حال روسيا.
هو إذاً إعلان حرب ستأتي تفاصيله لاحقا، بحسب نصر الله، لكن واقع الحال أن تفاصيله قائمة أمام الأعين، ولولاه ممثلا في الدعم المباشر من إيران؛ مالا وسلاحا وتخطيطا وإشرافا، ومن حزب الله قتالا وتخطيطا، لما تمكن نظام بشار من الصمود كل هذا الوقت. في المقابل، يتجاهل نصر الله أن من وراء الشعب السوري أمة، من بينها دول لن تقبل الهزيمة أمام إيران، ولن تسمح لبشار بأن ينتصر في المعركة، وهي أمة استنزفت الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، واستنزفت أمريكا في العراق وأفغانستان، وستستنزف قوة إيران هنا في سوريا حتى تعيدها عشرين عاما إلى الوراء، وتصحح أوضاعا مشوهة نتجت عن تمددها في المنطقة، ومن ضمن ذلك في لبنان والعراق، والأيام بيننا.الدستور
يوم الثلاثاء، أطلَّ نصر الله بعد غياب لأكثر من شهرين تكاثر فيها الجدل حول دور الحزب في سوريا، وقيل إنه سيطل من جديد بعد أيام، ويبدو أن للأمر صلة مباشرة بانتخابات الرئاسة الإيرانية المزمع إجراؤها منتصف الشهر الجاري، والتي تسيطر على عقل الولي الفقيه في طهران، ومن الطبيعي أن ينسحب تأثيرها على نصر الله الذي التقى خامنئي بشكل شبه معلن مؤخرا في طهران (نشرت صورة لطرفي اللقاء دون حديث عنه).
الملف السوري له تأثيره المباشر على انتخابات الرئاسة في إيران، لأن الفشل فيه سيعني فشلا لمشروع التمدد الإيراني في المنطقة، وعموم السياسة الخارجية التي أورثت الشعب الإيراني عقوبات وبؤسا اقتصاديا قد تدفع نحو هبة شعبية على غرار الربيع العربي، ما يجعل القيادة الإيرانية حريصة على تجاوز هذه المحطة، مع أن تجاوزها لن يعني أن الوضع قد استتب تماما، اللهم إلا إذا نجحوا في عقد صفقة مع الغرب تنهي العقوبات، مقابل النووي، مع أمل بأن يشمل ذلك سوريا.
كان على نصر الله والحالة هذه أن يدخل على الخط مؤكدا أن سوريا لن تسقط “في يد أمريكا أو يد إسرائيل أو يد الجماعات التكفيرية”، من دون أن يترك ملفات أخرى تتعلق بمشاركة الحزب في المعركة.
بعيدا عن حكاية الطائرة (بدون طيار) التي تحدث عنها بطريقة كاريكاتورية وذهب يضع احتمالات لمن أرسلها إلى سماء فلسطين، فيما يعلم الجميع أن الحزب هو من أرسلها لأهداف سياسية معروفة تتعلق بالتلويح بالرد على أي تدخل دولي في سوريا، بعيدا عن ذلك، فقد كان الرجل صريحا في الحديث عن تورط الحزب في سوريا، وإن حشر الأمر في الدفاع عن اللبنانيين في القرى الحدودية، والذي لا يحتاج إلى إذن من أحد كما قال، إلى جانب الدفاع عن مقام السيدة زينب الذي اعتبر الدفاع عنه منعا للفتنة وليس تورطا فيها (ألا يعني ذلك أن النظام لم يعد قادرا على الدفاع عنه، رغم أنه قوي ومتماسك بحسب زعمه؟!).
دعك هنا من المقاربة البائسة لما يجري في سوريا، والتي كررها مرارا خلال عامين، واستعادها ممثلة في حكاية المقاومة والممانعة وإخراج سوريا من دائرة الصراع وتدمير الدولة السورية (من الذي يدمرها، هل هو النظام، أم الشعب الذي خرج يطلب حريته مثل سائر الشعوب العربية؟!). ولا ننسى أن خامنئي قد استعاد أيضا ذات المعزوفة قبل أيام بطريقة أكثر بؤسا، حين أشار إلى أن “النزاع في سوريا، ليس بين طرفين؛ سنة وشيعة، بل بين أنصار المقاومة ضد الصهيونية ومعارضي هذه المقاومة”، مضيفا أن “حكومة سوريا ليست شيعية، ولا المعارضة العلمانية المعادية للإسلام مجموعة سنية”.
هكذا حوَّل كلا من نصر الله وخامنئي الشعب السوري إلى شعب عميل يقف ضد المقاومة والممانعة، ومن ورائه الغالبية الساحقة من الأمة، بينما منحا وسام المقاومة والممانعة لبشار الذي يستجدي حلا مع الغرب، ويحذرهم من القوى الإرهابية الأصولية التي ستضربهم لاحقا في عقر دارهم حسبما قال (قوىً وصفها خامنئي بأنها علمانية معادية للإسلام)!!
في حديث المستقبل، وبعد التأكيد على أن النظام قوي “شو بدكن فيما يقوله الإعلام”، أكد نصر الله بكل وضوح أن “لسوريا في المنطقة والعالم أصدقاء حقيقيون لن يسمحوا بأن تسقط في يد أمريكا أو يد إسرائيل أو يد الجماعات التكفيرية”، مضيفا “كيف؟ جواب ذلك يأتي بعدين”.
إنه إعلان حرب على الأمة لا لبس فيه، وليس على أمريكا وإسرائيل اللتان يعلم نصر الله أنهما لو كانتا معنيتان بإسقاط نظام صاحبه لسقط منذ عام على الأقل (منع السلاح النوعي عن الثوار قرار أمريكي إسرائيلي)، أما القوى التي يتحدث عنها (أصدقاء النظام)، فهي ليست سوى إيران وأتباعها الذين سيتضررون من سقوطه، وهو أشار إليهم بوضوح (لبنان والعراق)، أما الأصدقاء الدوليون فلن يقدموا الكثير في هذا المضمار، ربما باستثناء الدعم السياسي، بينما يريدون ثمن الدعم العسكري، كما هو حال روسيا.
هو إذاً إعلان حرب ستأتي تفاصيله لاحقا، بحسب نصر الله، لكن واقع الحال أن تفاصيله قائمة أمام الأعين، ولولاه ممثلا في الدعم المباشر من إيران؛ مالا وسلاحا وتخطيطا وإشرافا، ومن حزب الله قتالا وتخطيطا، لما تمكن نظام بشار من الصمود كل هذا الوقت. في المقابل، يتجاهل نصر الله أن من وراء الشعب السوري أمة، من بينها دول لن تقبل الهزيمة أمام إيران، ولن تسمح لبشار بأن ينتصر في المعركة، وهي أمة استنزفت الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، واستنزفت أمريكا في العراق وأفغانستان، وستستنزف قوة إيران هنا في سوريا حتى تعيدها عشرين عاما إلى الوراء، وتصحح أوضاعا مشوهة نتجت عن تمددها في المنطقة، ومن ضمن ذلك في لبنان والعراق، والأيام بيننا.الدستور