مديونية الجامعات ومأساة جامعة آل البيت
د. محمد تركي بني سلامة
جو 24 :
تعاني غالبية الجامعات الحكومية من مديونية مالية ثقيلة تشكل اكبر تحدي للقائمين على هذه الجامعات، وتعيق نهوضها وتطورها ودخولها ميدان المنافسة في سلم تصنيف الجامعات، و تنعكس سلبا علي واقعها ومخرجاتها، وبالتالي تنحسر فرص منافسة خريجيها في سوق العمل، في عالم اليوم الذي لا مكان فيه إلا للكفاءة والجدارة والاستحقاق.
تنص قوانين الجامعات الأردنية على استقلالية الجامعات المالية والإدارية، ولكن هذه الاستقلالية هي من الناحية النظرية فقط، فواقع الحال يشير بما لا يدع مجالا للشك ان الحكومة أصبحت تتدخل في شؤون الجامعات ، وتتخذ قرارات تنسف هذه الاستقلالية ، حيث تخضع الجامعات لأوامر وتعليمات وقرارات الحكومة.
وبالرغم من أن لكل جامعة ظروفها وخصوصيتها، وبالتالي تتنوع وتتعدد أسباب مديونية الجامعات الرسمية، إلا أن هناك إجماعا في كل الجامعات المدينة على سبب رئيس يعود إليه نصيب الأسد في مشكلة المديونية، وهذا السبب المسكوت عنه هو ما يعرف بالجسيم، حيث تتحمل الجامعات الأردنية ملايين الدنانير سنويا نتيجة الجسيم، والذي في حال استمراره على النحو المطبق حاليا، فسيكون له أثار كارثية علي الجامعات. وهنا لا بد من التأكيد على ان لا احد يقف ضد تعليم أبناء العاملين والمتقاعدين في القوات المسلحة وكافة الأجهزة الأمنية، فهم سياج الوطن، والمدافعين عن شرف الامة، وهم عيونه التي تحرس امنه واستقراره، وأحق الناس بالتعليم المجاني، ولكن هذا التعليم سواء كان لأبناء العاملين او المتقاعدين العسكريين والامنيين له كلفة، ولابد من جهة ما تتحمل هذه الكلفة في ضوء عدم قدرة الجامعات على تحملها نتيجة تراجع الدعم الحكومي المقدم لها. ومما يجدر ذكره انه ينص الدستور الأردني على كفالة الدولة للمواطنين حق التعليم ضمن إمكاناتها، ولكن هذه الكفالة ليست الى حد الحصول على درجه الدكتوراة، وليست لفئة محددة وإنما لكافه المواطنين .
لا شك ان موضوع الجسيم بحاجة إلى إعادة نظر وتعديل في أنظمته وتعليماته، وربما هذا الموضوع نظرا لحساسيته، يخرج من ولاية الحكومة، وبالتالي يمكن القول انه الأوان لرؤساء مجالس أمناء الجامعات، وجلهم رجال دولة وموضع ثقة القيادة والشعب، ان يبادروا الى طلب لقاء مع جلالة الملك عبد الله الثاني لطرح هذا الموضوع الهام والبالغ الحساسية، ووضع جلالة الملك بصورة الوضع المالي للجامعات، وإيجاد حل جذري يكفل حق أبناء العاملين والمتقاعدين العسكريين وكافة الاجهزة الامنية في التعليم، وبنفس الوقت تتحمل الدولة كلفة هذا الحق في ضوء عدم قدرة الجامعات منفردة على تحمل هذه الكلفة، فحل مشكله الجامعات المالية هو مسؤولية الدولة باعتبارها السبب في مديونية هذه الجامعات، وعلى الحكومة تحمل مسؤولياتها فلا يعقل ان تبقى الجامعات في واد والحكومة في واد آخر.
إذا نجح رؤساء مجالس أمناء الجامعات في هذه المهمة، فان هذا سيكون اكبر انجاز لهم، ويكونوا قد قدموا خدمة كبيرة للجامعات الأردنية ، ويكون موقفهم وانجازهم هذا اكبرا رد علي الهجمة الإعلامية التي تتعرض لها مجالس الأمناء ، حيث يتم التشكيك في تشكيلها ومهامها وأهدافها، رغم قصر عمرها ، ومن المبكر تقيمها والحكم عليها.
مسألة أخرى ذات علاقة بموضوع مديونية الجامعات وهي رسوم الجامعات التي لم تعد تغطي في كثير من الجامعات الا جزءا يسيرا من نفقة ما تقدمه هذه الجامعات، فقرار رفع رسوم الجامعات هو قرار سياسي قبل ان يكون قرار إداري او اكاديمي وليس بوسع رئيس اي جامعة ان يتخذه منفردا دون ان يكون مدعوما من كافه دوائر صنع القرار في الدولة.
وبخصوص جامعه آل البيت كإحدى الجامعات الحكومية المدينة، فعندما تأسست هذه الجامعة قامت على رؤية مختلفة عما هي عليه اليوم، فقد كانت الجامعة مدعومة بالكامل ولذى كانت رسومها منخفضة وغالبيه طلبتها من خارج الأردن، ويشكل حضورهم للأردن اهداف سياسية واقتصادية وثقافية متعددة ، أما اليوم فهي جامعة حكومية مثل بقية الجامعات ، والغالبية الساحقة من طلبتها من الأردن وتعاني الجامعة من مديونية وصلت إلى ما يزيد عن 20 مليون دينار، غالبيتها تشكل التزامات مالية متأخرة للعاملين والطلبة والمجتمع المحلي علما بأن ما تحصله الجامعة من رسوم دراسية من الطلبة يغطي حوالي 55% من كلفه الإنفاق فقط حيث ان رسوم الساعات المعتمدة لم تتغير منذ عام 1994. وفي الجامعة جيش من الموظفين الإداريين الزائدين عن حاجة الجامعة، وقد تم تعيين عدد كبير منهم استجابة لضغوطات المجتمع المحلي، فلا هي حافظت على خصوصيتها القديمة ، ولاهي قادرة اليوم على الاستمرار في تأدية رسالتها على الوجه الاكمل ، وبالرغم من الجهود الحديثة التي يقوم بها رئيس الجامعة لضبط النفقات ، مثل اعادة النظر في بعض التعليمات وضبط الكثير من الممارسات والمكافأت، وتقنين المشاركة في الانشطة و المؤتمرات، والبحث عن برامج أكاديمية جديدة ذات جودة ونوعيه عالية، والبحث عن مصادر التمويل والفرص الاستثمارية التي قد تساعد في سد الفجوة بين الإيرادات والنفقات. إلا أن هذه الإجراءات غير كافيه لإنقاذ الوضع المالي للجامعة، واثناء زيارة جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين إلى مدينة المفرق، ولقاءه بالفعاليات الشعبية فيها، تم إيصال الرسالة لجلالة الملك بخصوص الوضع المالي للجامعة، ولعل من حسن حظ جامعة ال البيت اليوم ان رئيس مجلس أمناءها هو الرئيس المؤسس لها، والأكثر دراية بشؤونها وهمومها ، ورئيسها الحالي أكاديمي عريق وله خبرة واسعة في الجامعات الأردنية والعربية ، يعمل بهمة عالية وعزيمة كبيرة ، لكن الخوف ان يصاب بالإحباط ويعجز عن تحقيق ما في جعبته من افكار من اجل النهوض بالجامعة ، واستعادة مكانتها والقها ورفع سويتها لتحتل المكان الذي يليق بها ضمن شقيقاتها من الجامعات الاخرى.
الدولة الأردنية تضع التعليم على رأس أولوياتها الوطنية ، ويسجل للحكومة الحالية انها زادت الدعم المخصص للجامعات في عهد وزير التربية والتعليم العالي الدكتور وليد المعاني من 72 مليون إلى 90 مليون وهذا انجاز يسجل إلى معالي الدكتور وليد المعاني ، ولكن هذا المبلغ المخصص الى الجامعات متواضع جدا في دوله تقدر ميزانيتها بحوالي 8 مليار دينار أردني وتخصص ملايين الدنانير لمشاريع ومؤسسات ليست بأهم من الجامعات الأردنية التي بات بعضها مهدد بخطر الإفلاس ، وتحت وطأة ضغوط البنوك، وبدل ان تنشغل إدارة الجامعة بالخطط والبرامج والتطوير والابتكار، اصبح شغلها الشاغل توفير رواتب العاملين فيها.
ان توزيع المخصصات المحدودة على الجامعات الأردنية يجب ان يراعي خصوصية كل جامعة من حيث الرسوم الجامعية وعدد الطلبة وطبيعة المنطقة التي تنتمي لها الجامعة من حيث فرص التنمية والظروف الاقتصادية والاجتماعية السائدة فيها بالإضافة الى المعايير الأكاديمية التي تبناها مجلس التعليم العالي.
إننا نأمل ان تجد هذه الأفكار أذانا صاغية من قبل المعنيين في الدولة، فالاستثمار في التعليم في الأردن هو الاستثمار الأمثل لأنه ذو جدوى اقتصادية كبيرة للدولة والمجتمع، ونحن لا مصلحة لنا في طرح هذا الموضوع إلا مصلحة البلد والعباد ، وستبقى خطوطنا متصلة بخطوط الذين لا هم ولا غاية ولا هدف لهم سوى مصلحة المجتمع ، ورفع قامته باتجاه الاعلى، والشموخ في طريق البناء المجتمعي الإنساني، لكل الناس من اجل خير حاضر الوطن ، وأجياله المستقبلية.