شهد وعلقم .. حرية الإعلام
مرت ذكرى اليوم العالمي لحرية الصحافة في الثالث من أيار، وما زلنا في الأردن نبحث عن طريقنا لصيانة حرية التعبير والإعلام، في ظل تراجعنا على مؤشر حرية الصحافة في تقارير المؤسسات الدولية المدافعة عن حرية الإعلام.
هذا الارتباك في المشهد الإعلامي ليس جديداً علينا، فمنذ عودة الحياة الديمقراطية عام 1989 وحتى الآن، ظلت الصحافة تخضع للاختبارات والتجريب، وبقي كلام الحكومات عن الحريات الصحفية "شهد"، وممارستها "علقم".
لم ينبت ربيع العرب حرية إعلامية كما كنا نحلم، فرغم مرور عامين فإننا ما زلنا نتقدم خطوة ونتراجع خطوتان، وبقينا نراوح في المنطقة الرمادية، فكثير من التعهدات والأماني معلقة دون حسم، والحريات التي انتزعها الإعلاميون برسم المصادرة أحياناً، وبرسم القبول أحياناً أخرى.
بعد عامين على الربيع العربي لا يمكن القول بأن شيئاً لم يتغير، وبأن قواعد اللعبة التي ظلت تمسك بالمشهد الإعلامي في الأردن بقيت راسخة، ولم تجتاحها عواصف التغيير.
قراءتان تحكمان المشهد الإعلامي في الأردن، الأولى متفائلة تلتقط تفاصيل التغيير الإيجابي، فترى أن الإعلاميين كسروا حاجز الخوف، ولم يعد يعترفون بالخطوط الحمراء، ولم يعودوا للخضوع لسلطة "المايسترو" الذي كان يتحكم بصناعة الإعلام ويديره بـ"الريموت" عن بعد.
هؤلاء ينظرون للإعلام الجديد بتنوعه واختلافه، ويؤمنون أن زمن السيطرة على الإعلام قد ولى إلى غير رجعة، وأننا نمضي في الاتجاه الصحيح، حتى وإن كانت مسيرتنا بطيئة.
وفي الاتجاه الآخر، فإن القراءة الثانية للواقع الإعلامي، ترى أننا إلى "الخلف در"، نتقدم خطوة ونعود خطوتان للوراء، وأن المتغير الأساسي هو الخطاب الحكومي الذي يقدم "معسول" الكلام، ووعوداً لا ترى النور.
القراءة الثانية تكشف دون مواربة أن النوايا الطيبة لا تكفي لتصنع حرية إعلامية، إذا لم تقترن بالممارسات، والدليل أن الاستراتيجية الإعلامية الواعدة والتي صادق جلالة الملك على خطتها الاستراتيجية، لم تكن أكثر من أمنيات، بل على الضد منها جاءت الحكومة بقانون للمطبوعات والنشر المعدل ليعصف بها، ويجهز عليها.
وبكل صدق، فإن هذا القانون سيء الصيت براءة اختراع أردنية، وجاء لينهي الإعلام الإلكتروني، ويمكن السلطة التنفيذية من السيطرة عليه واحتوائه وتدجينه، بعد أن تمرد على مفردات الوصاية.
المتشائمون من حالة الحريات الإعلامية في الأردن، يقدمون الدلائل بأن الحريات لم تتقدم، فالانتهاكات في عام 2012 تزايدت معدلاتها عن عام 2011، والاعتداءات الجسيمة والجسدية لم تتوقف، وإن تراجعت نسبتها، وظلت الانتهاكات التي لا يوثقها الصحفيون مثل حجب المعلومات، والرقابة المسبقة، ومنع التغطية، والتدخلات، تستأثر بالمشهد حتى وإن لاذ الإعلاميون بالصمت عنها، ولم يرفعوا صوتهم احتجاجاً ورفضاً لها.
عام 2012 لم يحمل لنا البشرى، وأحلامنا بالانتقال بالإعلام خطوات لتحقيق حرية ناجزة لم تتكلل بالنجاح، وبقينا على الحافة ولم نتجاوز منطقة الخطر، ولم نقتنص الفرصة لنفلت من الصورة النمطية لدولة تقمع الحريات وتصادرها.
ليس مجدياً أن نبكي على الأطلال على عام مر، ولم ننجح بشق طريقنا بقوة إلى حرية الإعلام، بل على العكس فإن صورتنا تراجعت دولياً.
السؤال الذي نطرحه دائماً في ذكرى الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة .. ماذا يجب أن نفعل .. وكيف نغير قواعد اللعبة التي تعيدنا دائماً للمربع الأول؟.
ما بين حالة التفاؤل والتشاؤم تظل أسئلة حرية الإعلام معلقة، والتجاذبات مستمرة، فهناك من يرى أن الأردن حقق منجزاً لا يمكن نكرانه، وأن وضعنا أفضل بكثير من شعارات ثورية لا تحمل إلا الخراب، وآخرون لا يقبلون بهذا المنطق، ويطالبون بأن نعاين الأمر بصورة أخرى، ننظر ونقارن مع الأفضل وليس الأسوأ، ننظر لبلدان لا يقبل الناس فيها بالانتقاص من حرية الإعلام قيد أنملة، ويعتبرون ذلك حق المجتمع وليس كرماً من الحكومة.