التعليم العالي الأردني ...ماذا بعد؟؟
الدكتور سلام المومني
جو 24 :
مما لا شك فيه أنه قبل سنوات عدة كان التعليم العالي الأردني مثالا يحتذى لكل الدول العربية، ولن أكون مبالغا إن قلت على مستوى عالمي. وكان معظم الطلبة الوافدين من دول عربية يتهافتون على الدراسة في الأردن، كنتيجة طبيعية لجودة التعليم بالجامعات الأردنية.
معظم الدول العربية كان خيارها الاول هو خريج الجامعات الأردنية، على مستوى حملة الدكتوراه أو الماجستير أو البكالوريوس، أما الآن ونتيجة لاستهتار مؤسسات التعليم العالي بخريجيها أصبح معظمهم على قارعة الطريق، حتى وصل الأمر إلى أن باتت عروض العمل بدول الخليج تتضمن رواتب هي نصف ما كان يدفع سابقا للأردني، وبامتيازات أقل، أي لا يعدونه كفاءة مميزة يحرصون على استقطابها بكثير من المغريات المادية والمعنوية، بل صار يؤتى به لسد شاغر ما لا أكثر.
حتى وصلنا إلى أن مني التعليم العالي الأردني بطعنة قوية حين قررت الحكومة الكويتية سحب الاعتماد وعدم الاعتراف بمعظم الجامعات الأردنية سوى خمسة جامعات من أصل 33 جامعة تعمل وتضخ خريجين للسوق الأردني، هذا القرار مؤشر خطير جدا، وقد تحذو حذو الكويت فيه دول الخليج الأخرى لما هو معروف من التنسيق الكبير بينها على صعد كثيرة.
ما هو ذنب خريج الجامعات الأردنية؟ الذي يقضي سنوات من عمره على مقاعد الدراسة ليحصل شهادة عليا يفرح به أهله وأقاربه ويجعل من يوم الحصول عليها عرسا حافلا وبهجة غامرة، ثم يجد نفسه على قارعة الطريق لا يجد عملا. علينا جميعا أن نعيد النظر في السياسات التعليمية والأكاديمية للجامعات الأردنية ليعود خريج الجامعة الأردنية إلى سابق تألقه.
إن سياسات وزارة التعليم العالي الأردني وهيئة الاعتماد ليست كما يجب أن تكون، بل هي سياسات غير صارمة مع التجاوزات ومع الممارسات الفاسدة والتمرد على القانون في الجامعات الحكومية والخاصة على حد سواء، وهذا ما حذر منه المعطلون عن العمل من حملة الدكتوراه الذين طرقوا كل الأبواب للتنبيه إلى هذه القضية الوطنية البالغة الأهمية قبل قوات الآوان ، ذلك أن مشكلتهم المتمثلة في عدم إتاحة الفرصة أمامهم للعطاء في جامعات وطنهم تتقاطع تماما وتتماس مع اختلال كبير في جودة التعليم العالي الأردني، ونخره من قبل الفاسدين والمستهترين بمصالح الوطن العليا، حرصا على مصالحهم الشخصية، وعلاقاتهم الضيقة المشبوهة. فقد طالب المعطلون بقوة وشخصوا الداء واقترحوا الدواء، لكن كل الأبواب أوصدت في وجوههم ولم يلتفت لمناشداتهم أحد، ونصائحهم بضرورة تغيير النهج والسياسة التعليمية حتى لا نقع في المحذور.
المعطلون عن العمل من حملة الدكتوراه كفاءات أردنية مهدورة لا بد من استغلالها لإعادة الهيبة للتعليم العالي الأردني، وذلك بتفعيل قوانين اعتماد الجامعات، لاسيما نسبة عدد الطلاب في الشعبة، وزيادة العبء الدراسي للدكتور لتنفيعه من جهة على حساب جودة التعليم حين يمسي مرهقا ولا يؤدي كما يجب، وللتوفير على الجامعة من جهة أخرى بعدم تعيين أعضاء هيئة تدريس جدد برواتب وامتيازات هي من حقهم كمواطنين أردنيين يحملون الدكتوراه.
والأمر بدأ بالكويت ولن ينتهي عندها، أرى أن الأردن في طريقها لتتبوأ مكانها في مجموعة الدول المجروحة أكاديميا في تعليمها العالي، للأسف.
السؤال أين القامات الأكاديمية الذين أشبعونا شعارات؟
أين أصحاب الإعلانات المفصلة ومحققو الشروط التعجيزية في التعيينات؟
أين هم وأين أثرهم وصيانتهم لجودة التعليم العالي في بلدنا الذي أصبح مكلوما بخنجر لا نهاية لنصله؟
نداء لكل الشرفاء تداركوا الأمر قبل فوات الأوان.