في موكب الجنرال.. حضرت مخلوقات العشيرة وغابت مخلوقات الدولة!
د. عبدالحكيم الحسبان
جو 24 :
قبل ايام تداولت وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي لقطات من شريط فيديو يظهر القائد السابق للجيش الأردني الجنرال محمود الفريحات وسط موكب من السيارات على أحد الطرق الرئيسة في شمالي الاردن، والذي هو مسقط رأس الجنرال الفريحات. في لقطات الفيديو ذاتها يبدو الجنرال وقد أحيط بجموع من أبناء عشيرته وأبناء منطقته وتخلل الموكب أيضا خطاب ألقاه الفريحات دحض فيه اتهامات حاولت النيل من سمعته وتاريخه المهني والعسكري الذي امتد لعشرات السنين. الموكب كما كلمة الجنرال الفريحات أثارت الكثير من الصدى داخل الأردن، كما أثارت الكثير من انتباه وسائل الإعلام داخل البلاد وخارجها.
بداية وقبل الحديث عن تلك المشهدية الملفتة في ذلك الموكب والتي تضج بالكثير الكثير من الرموز، لا بد وأن أسجل احترامي لشخص اللواء الفريحات الذي قاد المؤسسة العسكرية في بلادي في حقبة ربما كانت الاخطر في تاريخ الاردن والمشرق العربي؛ أي في تلك الحقبة التي أراد الغرب لنا فيها أن نصدق أن هناك "ربيع عربي" قد بدأ يهب على مجتمعاتنا.
أحزم أن قادمات الأيام والسنين سوف تكشف عن حجم الدور الذي لعبته مؤسستنا العسكرية وبقيادة الجنرال الفريحات في التعامل مع ما كان مخططا للاردن وللمنطقة برمتها انطلاقا من الجنوب السوري. الكثير من الوقائع والمعلومات تشي بأن الجنوب السوري واستطرادا الشمال الأردني كان يراد له إن يكون المنطلق لسايكس بيكو الثاني بعد وفاة سايكس بيكو الاول عن عمر ناهز المئة عام.
ما يسجل لقيادة الجيش حينها أنها واجهت الضغوط الغربية والإقليمية التي أرادت الزج بالجيش والشعب الأردنيين في معركة التقسيم والقضم ورسم الخرائط تلك، وانخرطت بالحد الأدنى في الشأن السوري وبما يجنب الاردن وسوريا الشقيقة مخاطر إعادة رسم خرائط المنطقة جغرافيا وديموغرافيا.
وبالعودة إلى ما تضمنه الفيديو والمشهدية التي احتواها تلك المشهدية التي تكشف حجم ازمتنا بل وهشاشتنا سلطة ونخبا ومجتمعا. فالجنرال الفريحات الذي كان يقود مؤسسة وطنية، أدت دورا وطنيا لم يجد إلا أبناء عشيرته وأبناء منطقته كي يحتفوا به، وكي يتضامنوا معه. كنت ساشعر بالفرح والاطمئنان أكثر لو كان موكب الجنرال الفريحات قد نظم في الكرك أو معان بدلا من مسقط رأسه، او نظمت مواكب في مدن مختلفة تأييدا للجنرال في مدن اردنيه مختلفة بالتزامن مع موكب طريق عمان-جرش.
المشهدية على طريق عمان- جرش تجزم بأننا لم نمتلك بعد تلك المصانع التي تنتج مخلوقات دولة أو كائنات دولة، ولاؤها للدولة، وضميرها الذي يحاكم ويقيم، هو ضمير دولة وضمير مخلوقات دولة. المشهدية على طريق عمان-جرش تقول بأن مصانعنا الاجتماعية والثقافية ما زالت تنتج أبناء للعشيرة والطائفة والقرية ولكنها تعجز عن إنتاج كائنات ومخلوقات الدولة. فموكب الجنرال يكشف عن عجزنا البنيوي في بناء الدولة الحديثة وهو يقدم لنا الإجابة الانثروبولوجية والسوسيولوجية الشافية عن سؤال المليون دولار: لماذا فشلنا في خلق أحزاب سياسية ذات صدقيه وفي خلق نقابات ذات انتاجية وفي خلق جامعات حديثة وفي خلق قضاء فاعل ومقنع؟ الجواب ببساطة هو لأننا ما زلنا مخلوقات عشيرة وطائفة ومنطقة جغرافية ضيقة.
عندما نعرف أنفسنا كمخلوقات عشيرة فلن يكون بمقدورنا ان نكون أبناء حزب سياسي أو أبناء نقابة. فالعشيرة والطائفة والإقليمية لن تسمح مطلقا بإنتاج وولادة ما هو مضاد لها ومناف لوجودها.
في المشهدية التي جرت على طريق عمان جرش يمكنك أن تكتشف حجم البرزخ الذي يفصل بين مجتمعاتنا العربية وتلك المجتمعات الحديثة.
ربما كان من حق الجنرال أن يحتفل به الأردنيون باعتباره إبنا لوطن وليس إبنا لعشيرة او لمنطقة جغرافية محددة.