بين تردي المستشفيات الحكومية و"بزنس" الخاصة .. أبقراط يقدم استقالته!
ايهاب سلامة
جو 24 :
يجب أن تتخذ الحكومة قراراً بارغام المستشفيات الخاصة على استقبال وإسعاف ومعالجة الحالات الطارئة، دون النظر للقيمة المادية، ولا تحديد اشتراطات مسبقة، وتحت طائلة المساءلة القانونية.
يعلم الجميع، أن المستشفيات الحكومية منهكة، وبعضها متهالكة، ولم تعد قادرة على استيعاب اعداد المرضى، والقادم القريب ينبئ بالأسوأ والكارثة، ولا يوجد أي حل لأزماتها حالياً ولا في المستقبل القريب أيضاً، الا بادخال المستشفيات الخاصة على الخط، وتسخير أقسام طوارئها، لإغاثة الحالات الطارئة، ودون ذلك، سنظل نرحّل الازمة الطبية، من حكومة لأختها.
الحكومة ربما لا تعلم، ولا الذوات الذين يتعالجون وعوائلهم خارج البلاد، أن مراجعة أقسام الطوارئ في المستشفيات الحكومية، تتطلب من المريض ومرافقيه، بلع كميات من الحبوب الكابحة لنوبات الهلع، جراء المناظر المخيفة التي يرونها، وليتهم لا يرونها.. وتكدس عشرات المرضى بحالات طارئة، حول طبيب واحد أو اثنين، يناوبان وحدهما، بأكبر المستشفيات الحكومية في المملكة، ولا يقدران على استيعاب التدفق البشري المكلوم، ولا مخوّلان باتخاذ قرارات عليا لتحسين واقع أقسام الطوارئ التي لا يليق بعضها استقبال حتى الحيوانات!
اذا كانت مستشفيات الحكومة قد استقبلت ٥٥ ألف مريض خلال أيام عيد الأضحى فقط، باعتراف الحكومة نفسها، التي تعي، وربما لا تعي، ان هذا الرقم المهول من المرضى، لو قسمنّاه على عدد مستشفياتها، لدهش "الخوارزمي" من قدرتها على تقديم خدمات طبية لائقة.
مشهد من اخراج "هيتشكوك".. يدركه من راجع يوماً أقسام الطوارئ بالمستشفيات الحكومية: هذا مكسور، وذاك ينزف، والآخر فاقد وعيه، ورابع يلهث قد توقف قلبه، وخامسة تصرخ وتستغيث، وثامن وعاشر، مصاب بفوبيا الأماكن الضيقة، وسط مئات المرضى المراجعين في غرفة واحدة! وطبيبان أو ثلاثة فقط، مكلفون بانقاذ أرواح المئات، حتى يخيل اليك الكابوس أنه تجسدك!
أتحدث كشاهد عيان، لواقع طبي مزر، وحكومات تأتي وتنصرف، ولا تصرف سوى الوعود، دون تمكنها من إنشاء مستشفيات جديدة، وتكتفي بترقيع مستشفياتها المتهالكة العتيقة، مثلما يكتفي وزراؤها بالزيارات المباغتة، المعدة سلفاً، مع وسائل إعلامية أكثر تهالكاً، لالتقاط صور على جثث المرضى المكدسين في "كردورات" ما يسمى مجازاً، مستشفيات!
نريد من مجلس النواب المتهالك أيضاً، سنّ قانون يلزم معالجة معالي السادة الوزراء، ورئيسهم،وسعادة النواب،ورئيسهم، بمستشفيات الحكومة أسوة ببقية الشعب المتهالك!
نريدهم أن يصطّفوا على الدور مثلنا، ويحملوا أبناءهم المرضى بأحضانهم مثلنا، أو حتى بأحضان خادماتهم، وانتظار لحظة الفرج، حتى يفرغ الطبيب المسكين المنهك من معاينة جحافل المرضى قبلهم، دفعة واحدة.
نريد من الرئيس الرزاز، أن يحدد موعداً لطلب صورة شعاعية، أو فحصاً مخبرياً مثلاً، بأي مستشفى ينتقيه من مستشفيات حكومته، ونريد التقاط صورة للدهشة على محياه، لحظة ابلاغه بأن أقرب موعد يمكن حجزه، في الشهر الرابع من العام القادم!
نريد من دولته، معاينة الكراسي المتحركة المخصصة لنقل مرضى أقسام الطوارئ -إن وجدت- وتفقد عجلاتها المخلّعة، ونريد منه، أن يقابل مرضى تنتكس حالاتهم النفسية، والجسدية، لأن الصيدلانية أخبرتهم أن الدواء الذي وصف لهم، لم يعد متوفراً ..
نريد من دولة الرئيس شخصياً، أن لا يصطحب معه أي مصور أو صحافي من أصحاب التدخل السريع، ليشاهد بأم عينه، العواجيز الملقيات على بلاط غرف الطوارئ، والأطفال الذين لا يجد آباؤهم، سريراً فارغاً لإسعاف فلذات أكبادهم، وبعدها، لنفتح ملف الاعتداءات المرفوضة على الكوادر الطبية التي لا ذنب لها، بكل شفافية ووضوح وصراحة، ونضع النقاط على حروف مسبباتها الحقيقية، ونشرّح واقع الخدمات الطبية المتأزم ..
يا دولة الرئيس : المستشفيات الخاصة التي بلع مالكوها ملايين الملايين، يجب الزامها قانونياً، بعد رفض العديد منها الإلتزام الإنساني، والأخلاقي، وانتحار "أبقراط" وقسمه على مذبح بزنس الطب، باسعاف المرضى والحالات الطارئة تحديداً، بمقابلٍ يوازي ما تتقاضاه المستشفيات الحكومية فقط، وعلى الحكومة، إذا كانت تقدّر أرواح الأردنيين وحيواتهم، تخصيص (خط ساخن) لتلقي الشكاوى، حال رفض مستشفيات البزنس، استقبال حالاتهم الطارئة، الا بمقدم ومؤخر فلكيين، وأن تضرب تجار البشر بيد من حديد، حال تخاذلهم.
يا دولة الرئيس: إذا فشلتم بتحسين واقعنا السياسي والإقتصادي المترديين، فنحن نسامحكم، نريد من حكومتكم فقط، تحسين شروط موتنا!