المثقفون في الأردن: عندما تختزل الهوية الوطنية
تحتل الهوية الوطنية في الأردن مكانة خاصة لدى الكتاب والباحثين والمثقفين لأسباب عدة لعل من أبرزها تتابع الهجرات السكانية للأردن على مدى القرنين الماضيين، فعندما يتم الحديث عن هذه الهوية فإن الكثير من الباحثين والمراقبين يعرفون أن للأردن وهويته الوطنية مستوى نقاشياً مختلفاً عن أغلب الهويات الوطنية في الإقليم، وذلك أيضا بسبب طبيعة صناعة أو نشأة الهوية الوطنية، التي كان يتم انعكاسها من خلال الممارسات الثقافية الجمعية الأردنية؛ أي أنها لم تكن مختزلة في قالب سياسي محض كما هو النقاش الدائر حولها – الآن - وللأسف على مستوى النخب الأردنية.
يختزل الأستاذ ناهض حتر الهوية الوطنية في الأردن فقط بالأردنيين الذين بات يطلق عليهم اسم (شرق أردنيين) ويعتبرهم الممثل الوحيد فقط للأردن، ويغفل عن حقيقة أن شرق الأردن لم يكن مغلقا أبدا في وجه المهاجرين منذ أيام الحكم العثماني، إذ هاجر إلى شرق الأردن - آنذاك- لبنانيون منذ عام 1880، وحجازيون رافقوا الأمير عبد الله الأول (الملك فيما بعد) وفلسطينيون أتوا إلى شرق الأردن قبل نكبة عام 1948 بخمسين عاما، ويغفل كذلك عن حقيقة أن الأردني الأصلي هو من يعرف كيف يحب الأردن ويخلص له سواء أتى إلى الأردن قبل مئتي عام أو قبل خمسة وستين عاما. نعم للأردن خصوصية ولكن لا يجب أن تتم المناداة بأفكار "آرية عرقية" تحت حجج الحفاظ على هوية الدولة الأردنية والحفاظ على صورة فلسطين التاريخية، الأردني الفلسطيني هو من يحب الأردن ويعشق فلسطين تماما كالفلسطيني الحاصل على الجنسية الكندية أو البرازيلية. وكذلك الحال بالنسبة للأردني اللبناني أو السوري أو الحجازي أو الشيشاني و الشركسي والأرمني والكردي.
وهل كان يوما يا أستاذ حتر الهجوم على الخائن أو المطبع والفاسد يتم بالتفتيش عن منشأ أهله الأول؟ هل يتبنى القانون والإعلام والمجتمع بأخلاقه ومبادئه هذه النظرة التمييزية بين البشر؟ هل سمعتم يوما ألمانيا يخاطب المستشارة أنجيلا ميركل بأنها من أصل بولندي علما أن عائلتها هاجرت إلى ألمانيا منذ عقود فقط.
وما يثير الاستهجان هو قيام الأستاذ حتر بالهجوم الشخصي على كل من لا يروج لأفكاره فقد اتهم في مقاله المنشور في جريدة العرب اليوم بتاريخ 5-5-2013 بعض المثقفين الأردنيين بأنهم يعانون من "العقدة الماسوشية" في تلميح مقصود للأستاذ محمود منير الكاتب الصحفي الذي نشر مقال في جريدة الأخبار اللبنانية يفضح فيه أحد ضباط الجيش المتقاعدين المطبعين مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
باختصار فإن الأستاذ حتر شن هجومه الشخصي غير النابع من أي صورة من صور الاختلاف الفكري مع الأستاذ محمود منير، إنما لأنه لم يشر في مقال في الأخبار إلى أن اللواء المطبع هو أردني من أصل لبناني، وكأن هذا الأصل هو ما يبرر العمالة للإسرائيلي.
الهوية الوطنية لا يتم الدفاع عنها من خلال بث الأفكار العنصرية التي تقسم المجتمعات إلى كانتونات وتعزلها عن تفاعلاتها الحيوية وسياقاتها الثقافية المتناغمة بل يتم الدفاع عنها من خلال أطروحات أكاديمية تقدم فهما واسعا ومجالا نقاشيا كامل الوضوح بأبعاده الاجتماعية والتراثية والاقتصادية وبالتالي السياسية بوصفها انعكاساً لشكل الحياة الاجتماعية وليس من خلال الحسابات الاقليمية الضيقة.
باحث أنثروبولوجي مختص في مجال علاقة الدولة الأردنية بالبنى الاجتماعية