اقتراح باللجوء "للتحكيم" لفض خلاف الحكومة والمعلمين
ايهاب سلامة
جو 24 :
ما هي الخيارات المطروحة على طاولتي الحكومة ونقابة المعلمين بعد أن وصلت الأزمة العالقة بينهما إلى حائط مسدود؟
كم تبقى من عتاد في بندقيتي التصعيد لديهما، وإلى أي مدى يمكن لرصاصاتيهما الوصول، وما هي الأهداف التي يمكن لها أن تصيب أو تخطىء؟
يمكن للقلم أن يشطح - حاشاه - في التسحيج لطرف، أو التأجيج لآخر، والدخول في كرنفال الشتم او اللوم السائد، وصبّ الزيت على النار .. كما يمكنه الإسهاب في التحليل والتعليل، ومواصلة خض القربة، وحرث الماء، وتمرير الكرة من ملعب إلى آخر، الا أنه لن يسهم سوى بمزيد من الخلاف، وتوسيع الهوة، وتأزيم المواقف المتخندقة المتمترسة خلف رأيها وقناعاتها..
الأبلغ في هذا المقام، تذكير الحكومة ونقابة المعلمين معاً، أن خلافهما أصبح معقداً للغاية، وقد يحمل معه هزات ارتدادية، باهظة الكلفة، لن يقدرا على تحملها.
الإحتكام للحوار بين المعلمين والحكومة، في ظل التعنت المسبق، والمغالاة في المواقف، لن يفض الا لمزيد من التعقيد والتصعيد، في وقت يستند فيه الطرفان الى مسوغات يريان فيها مبررات كافية للتمسك بموقفيهما، حتى نهاية المطاف.. ولو على خراب مالطا.
الحكومة ترى أن التسليم بمطالب نقابة المعلمين تحت الضغط، ينتقص الهيبة والسيادة، ويلوي ذراع الدولة، والأخطر باعتقادي من وجهة نظرهم، أنه سيخلق من نقابة المعلمين نموذجاً موحياً لنقابات وأطر سياسية وحراكات شعبية، لانتهاج ذات المسلك، لتحصيل حقوق هنا، ومكتسبات هناك، الأمر الذي له حساباته السياسية والأمنية الدقيقة التي ربما تدفع باتجاه تحمل أو تحميل الحكومة أية كلفة بمعركة كسر العظم مع النقابة، وتقبل دفع فاتورة باهظة، قد تحسب قيمتها في نظر مطبخ القرار بانها أقل من كلفة فاتورة التسليم للمعلمين بمطلبهم، مهما بلغ شكل السيناريوهات اللاحقة!
نقابة المعلمبن أيضاً، لها مبرراتها التي قد تدفعها للتصعيد نحو النهاية إذا لزم الأمر، وتحويل معلميها الى "كاميكازي"، ولا أن يدخلوا غرفهم الصفيّة امام تلاميذهم منهزمين، ومنكسرة كرامتهم، ومنتقصة مكانتهم، بعد أن صعدوا في سفينة يعلمون أنها ستواجه أمواجاً ورياحاً عاتية، وربما لن يقبلوا الجنوح بها نحو الشاطىء وشباكهم خاوية!
ومع هذا المشهد التراجيدي المعقد، يبدو أن الحكومة ونقابة المعلمين، وصلا إلى أعلى جذع في الشجرة، ولن يسلم أحدهما ذقنه للآخر، وبات خيار الحوار المباشر أشبه بالمسرحي، دون تقديم تنازلات من الطرفين، بتوافقات مكولسة مسبقة.. وعلى النقيض تماماً، فقد يؤدي الحوار مع رئيس الحكومة مباشرة، للوصول الى نقطة اللاعودة، اذا ما فض السامر دونما قطف البلحة. الامر الذي ربما يعيه ويتهرب منه الرزاز شخصياً.
والسؤال: هل ثمة خيار غير سيناريو الحوار العقيم، يمكن اللجوء اليه، من شأنه التوصل لتوافق يرضي الطرفين، وكفى الله المؤمنين القتال؟
مع استنفاذ جميع المحاولات والوساطات التي حاولت احتواء الخلاف، أعتقد جازماً أن الحل الأنسب الكفيل باخضاع الطرفين الى توافق ملزم، يكون عبر اللجوء إلى (خيار التحكيم)..
السيناريو الذي اقترحه على الحكومة ونقابة المعلمين، يبدأ اولاً بقبول الطرفين بفكرة التحكيم، ومن ثم التوافق على تشكيل مجلس أو لجنة حكماء، تنعقد لهذه الغاية تحديداً وعاجلاً، من رجالات أمناء ثقاة، على مسافة واحدة من الحكومة ونقابة المعلمين، يتوافق الطرفان على اسماء أعضائها عبر وسيط ثالث، وقد يكون الأنسب لهذه المهمة لجنة التربية والتعليم النيابية، بحيث يحددُ بند الخلاف المطروح للاحتكام عليه، ومن ثم عرضه على مجلس أو لجنة الحكماء ، على أن يلتزم الطرفان بنتيجة الحكم، دون قيد وشرط!
أرى بهذا الاجتهاد المتواضع الذي أتمنى أن يلقى تجاوباً وتقبلاً واذاناً صاغية، أنه الخيار الأنسب في هذه المرحلة المتأزمة لاحتواء الخلاف، والحيلولة دون توسيع رقعته ومساحته، التي ربما تصل إلى مراحل لن تخسر فيها النقابة والحكومة فقط، بل الوطن برمته..
وأذكّر الحكومة ونقابة المعلمين، علّ الذكرى تنفع، بالموقف الشرعي الواجب لحل النزاع والخلاف، لاحتواء فتن وضرر، اذا ما ارتضيا به، فالله سبحانه وتعالى الزمنا بالاصلاح، وبمنهج التحكيم اذا ما وقع الخلاف، وفي النص القراني والحديث الشريف ما لا يتسع المقام لذكره كله، حيث قال تعالى :(فأصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا إن الله يحب المقسطين).
وللحكومة والنقابة في الاية الكريمة قياساً واتعاظاً، حين قال الله تعالى : (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما).
صدق الله العظيم.