هل يسقط "النيزك الذي طال انتظاره" على دول الخليج أولاً؟
جو 24 :
ربما يعكس ما شاع تداوله، مؤخراً، بين الشباب العربي، من تمنيات ساخرة بسقوط نيزك على الأرض، حالة من الإحباط العام إزاء تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية في المنطقة؛ إذ استحالت عبارات مثل "يارب النيزك بقى"، و "فين النيزك" وسوماً تزيل قتامة الأخبار السياسية المحلية والعالمية، على مواقع التواصل الاجتماعي.
وبغض النظر عن مدى صحة هذا الافتراض، يحمل احتكام الساخطين إلى الطبيعة، بوصفها صاحبة الكلمة العليا، في مواجهة ما يتعذر عليهم تغييره من سياسات وأوضاع، شيئاً من الحقيقة، ربما يمكن تمثُّله في تصدُّر قضية التغير المناخي أجندات سياسيي العالم وقادته، باعتبارها تهديداً عالمياً.
ورغم أن الدراسات التي تتناول الآثار الناجمة عن التغير المناخي، لا تستثني دولة في العالم من التضرر بالظاهرة، ولكن ما شهده عدد من الدول الغربية من تظاهرات احتجاجية حاشدة للضغط على الحكومات للتصدي لها، يعكس حقيقة أن الصيحات الدولية والأممية العاجلة عرفت طريقها إلى آذان الفرد في العالم الغربي، بينما يشي غياب الوعي، وانعدام الجدية في التعامل مع ظاهرة التغير المناخي، على مستوى الفرد العربي، بتزايد الحاجة إلى تفعيل دور المجتمع المدني فيما يتعلق بالتوعية بالظاهرة، التي قد تكون "النيزك" الذي يهدد بقاءنا، و"ننتظر قدومه ببالغ السخرية وفارغ الصبر".
سيناريو مفزع
خلص تقرير أممي، صدر عن اللجنة الحكومية الدولية لشؤون التغير المناخي (IPCC)، نهاية العام الفائت، إلى أن المناطق المحيطة بالخليج وبحر العرب والبحر الأحمر هي الأكثر عرضة للتضرر من آثار التغير المناخي في العالم.
وفي معرض التعقيب على ما اقترحه التقرير، الذي يستعرض عدداً من السيناريوهات المحتملة لظاهرة التغير المناخي، يمكن تجنبها حال نجاح البشرية في كبح درجات الاحتباس الحراري لتقف عند معدل 1.5 درجة مئوية فوق معدلات الثورة الصناعية، تقول ريتشيل ليكر، عالمة المناخ بمؤسسة "اتحاد العلماء المهتمين" في واشنطن، إن دول الخليج وبعض دول شمال إفريقيا هي الأكثر عرضة للتأثر بالتغير المناخي؛ لارتفاع درجات الحرارة فيها، وطول فصل الصيف، وندرة الموارد المائية بها، ما يهدد بنزاعات إقليمية على مصادر المياه.
"المصباح الرطب"
وفي حين تشير الدراسات الحديثة إلى أن فترات الجفاف الطويلة، ويباس التربة، وانبعاثات الغبار؛ زادت بنسبة تصل إلى 70% في كل من السعودية والعراق وسوريا خلال السنوات العشرين الماضية، يتوقع الصحفي البريطاني المختص بالصحة، والمعني قضايا الشرق الأوسط، جوناثان جورنول، إلى أن الحياة في دول التعاون الخليجي، واليمن، وأجزاء من العراق، فضلاً عن مناطق شاسعة من إيران، ستصبح مستحيلة بحلول نهاية القرن؛ إذ ستختبر تلك المناطق، بحسبه، درجة حرارة ما يعرف ب "المصباح الرطب"، وهو مزيج من درجات الحرارة والرطوبة معاً.
وحددت دراسة أجراها علماء المناخ بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، قدرة الجسم البشري على التكيف مع درجات الحرارة والرطوبة العالية، بحوالي 35 درجة بمقياس "حرارة المصباح الرطب"، وتصل درجة "حرارة المصباح الرطب" إلى 30 درجة مئوية، حينما تكون درجة الحرارة الفعلية 40 درجة مئوية.
الواقع وحدود التكيف:
وفي حين يعوِّل المؤرخ والفلكي الكويتي، عادل السعدون، على قدرة المواطنين على التكيِّف مع درجات الحرارة العالية في المنطقة، يقول السعدون "عادة لا أخرج إلى الشارع لمدة تزيد عن 5 دقائق، إذ تتوفر لدينا المكيفات داخل أماكن العمل والسيارات"، مشيراً إلى أن العمالة الوافدة على الكويت هي الفئة الأكثر عرضة للتأثر بارتفاع درجات الحرارة، إذ يضطر كُثر منهم إلى العمل تحت أشعة الشمس المباشرة، وهو ما دفع الكويت لاستصدار قانون يمنع تشغيل العمال خلال ساعات القيظ في فصل الصيف، حفاظاً على حياتهم.
ويؤثر الارتفاع المطرد لدرجات الحرارة في الخليج على نمط الحياة السائد هناك؛ إذ يميل السكان إلى تجنب الخروج إلى الشوارع نهاراً، وتنتظر العائلات حلول المساء للخروج إلى المنتزهات العامة خلال فصل الصيف، وتقول ليلى اللوزي، التي تعيش في دبي منذ سنتين، إنها "لم تختبر الخروج في الشمس الحارقة، طيلة سنتين، سوى لفترات لا تتجاوز خمس دقائق".
إذا عُرف السبب:
رغم بروز التغير المناخي كهاجس عالمي، خلال العقود القليلة الماضية، ولا سيما بعد استحداث تجارب سينمائية تقع في إطار ما بات يُعرف ب"الخيال المناخي"، لعبت دوراً كبيراً في خلخلة حالة اليقين التي يميل الإنسان إلى اعتناقها، فيما يتعلق بقدرته على تطويع الطبيعة، إلا أن العالم العربي، في معظمه، بقي على مسافة من الحقائق العلمية المتعلقة بالظاهرة.
ففي حين تستهدف الجهود الدولية الرامية لمواجهة التغير المناخي، الحد من الانبعاثات الغازية المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري بنحو 45 بالمئة، بحلول عام 2030، يعزو الفلكي الكويتي، عادل السعدون، التغير المناخي إلى ما يطلق عليه "الدورات المناخية"، وهي ظاهرة فلكية تحدث بشكلٍ دوري، وتختبر على إثرها الأرض حالات من "التطرف المناخي"، مبرِّئاً ساحة النشاط البشري، وملقياً باللائمة في ظاهرة الاحتباس الحراري على "زيادة معدلات التبخر".
ويشارك حسين القحطاني، الناطق الرسمي للهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة بالسعودية، السعدون الرؤية ذاتها حول مسؤولية الدورات المناخية، في التقلبات المناخية التي تمر بها دول العالم، دون أن ينكر الأثر السلبي للانبعاثات الغازية في ظاهرة الاحتباس الحراري.
ويستدل القحطاني بالتغيرات المناخية التي طرأت على المملكة، خلال السنوات الأخيرة، إذ سجلت درجات الحرارة في جدة 52 درجة مئوية في الظل، عام 2010، كما شهدت المدينة نفسها أمطاراً غير مسبوقة عام 2009، للتدليل على ترجيح كفة التطرف المناخي الناتج عن الدورات المناخية، بوصفها ظاهرة فلكية محتومة، تمر بها الأرض كل 50 أو 100 عام.
من جانبه، أنحى الفلكي والفيزيائي الجزائري، لوط بوناطيرو، باللائمة في التغير المناخي الذي تشهده الأرض، على النشاط النووي للشمس؛ مشيراً إلى أن هذا النشاط محكوم بدورات فلكية يستغرق أقصرها 11 عاماً، وأضاف بوناطيرو أننا نختبر الآن ذروة النشاط النووي للشمس، إذ بدأت، بحسبه، الدورة الفلكية الحالية، عام 2014، ما أدى إلى ارتفاع درجات حرارة الكوكب، واندلاع حرائق الغابات بسبب صواعق البرق الناجمة عن ذلك النشاط.
ولدى سؤاله عن إمكانية تحقق السيناريو المفزع، بتحوُّل دول الخليج إلى "مدن أشباح"، استبعد بوناطيرو تحقق ذلك السيناريو، معوِّلاً على "قدرة الكون على إعادة التوازن البيئي عبر عمليات هدم وبناء وترميم".
حقائق وأوهام
اعتبر دليل الأداء السنوي لتغير المناخ، المعني بتتبع جهود مكافحة الاحتباس الحراري في60 دولة، السعودية الدولة الأسوأ في مكافحة تغير المناخ، في حين حلَّت الكويت ضمن قائمة الدول ذات الأداء الضعيف جداً في مكافحة الظاهرة.
وفي حين صنف تقرير الدليل، لهذا العام، مصر بين الدول متوسطة الأداء في مكافحة الاحتباس الحراري، جاءت الجزائر بين الدول ضعيفة الأداء، بينما حلَّت باقي دول الشرق الأوسط ضمن قائمة الدول ذات الأداء الضعيف جداً.
نقاط مضيئة
على الرغم من إشارة تقرير اللجنة الحكومية الدولية لتغير المناخ إلى افتقار معظم الحكومات إلى الإرادة السياسية للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري بالسرعة اللازمة، إلا أن بعض الدول العربية مثّلت نقاطاً مضيئة بهذا الصدد، إذ احتل المغرب المركز الثاني عالمياً في قائمة الدول الأفضل في مكافحة التغير المناخي، بحسب دليل الأداء السنوي لتغير المناخ، عبر تمكنه من زيادة حصته من الطاقة المتجددة خلال السنوات الأخيرة.
وبحسب تقرير الدليل "يسير المغرب على الطريق الصحيح لتحقيق هدفه بالوصول إلى كفاءة الطاقة المتجددة بنسبة 42% ،عام 2020، و52% ،عام 2030، باتصاله مع أكبر محطة للطاقة الشمسية في العالم، وشبكة من مزارع الرياح الجديدة المتعددة"
كذلك حلًّت الإمارات في المرتبة الخامسة من بين 140 دولة على مؤشر كي بي أم جي لعام 2019، الذي يقيس جاهزية الدول للتغير المناخي، وقدرتها على تحديد ومعالجة المخاطر الناجمة عن الظاهرة والتخفيف من حدّتها.
وتفوقت دولة الإمارات على العديد من الدول المتقدمة التي شملها المؤشر مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا، إذ حلّت في المرتبة الخامسة بعد سويسرا وسنغافورة والدنمارك والسويد.
وبالحديث إلى وزارة البيئة والتغير المناخي في الإمارات، بدت الصورة أكثر إشراقاً مما تقترحه السيناريوهات المتخيَّلة حول التداعيات المحتملة للظاهرة على المنطقة؛ إذ يقول قيس بدر السويدي، خبير المناخ في وزارة البيئة والتغير المناخي الإماراتية، إن "الأبحاث والتقارير الدولية تعتمد النمذجة لافتراض سيناريوهات مستقبلية محتملة، ووضع خطط لمعالجتها، وهي تستند في تقاريرها على نسبة الانبعاثات الغازية المرتفعة في منطقة الخليج، بسبب الصناعات المرتبطة بالنفط والغاز، دون النظر لاعتبارات الخصوصية البيئية والاقتصادية لكل دولة على حدى"
واستبعد السويدي السيناريو الذي يقترح تحول دول الخليج إلى مناطق غير مأهولة بالسكان، كما رجَّح ألا تبلغ درجات الحرارة في المنطقة 60 درجة مئوية قبل نحو 100 عام من الآن، لافتاً إلى أن أعلى درجة حرارة سُجلت في الإمارات، حتى الآن، بلغت 52 درجة مئوية.
التخفيف والتكيف
تنحصر آليات التصدي لظاهرة التغير المناخي في التخفيف من الظاهرة، عبر خفض الانبعاثات واعتماد مصادر الطاقة المتجددة، والتكيف مع الآثار الناجمة عنها.
ويقول فهد الحمّادي، وكيل الوزارة المساعد لقطاع التنمية الخضراء والتغير المناخي بوزارة البيئة الإماراتية: "أرى أننا هنا في الخليج نعيش المستقبل الذي ينتظر دول أوروبا فيما يتعلق بتغير المناخ، ففي حين يمكننا التكيف مع درجات الحرارة التي قد تجاوز 45 درجة مئوية، نجد أن دولة كاليابان سجلت حالات وفاة حينما بلغت درجات الحرارة 38 درجة مئوية، وكذلك الحال في أوروبا؛ لذا أعتقد أن التجربة الإماراتية تمثل نموذجاً قد يقدم عظيم النفع للدول الغربية".
ويلفت الحمادي إلى أن جزءاً كبيراً من إنتاج الطاقة في الإمارات يُستهلك في أنظمة التبريد والتكييف، التي تجاوزت المباني والبيوت، لتمتد إلى وسائل المواصلات العامة ومحطات انتظارها، ويقول الحمادي "بدون أنظمة التبريد والتكييف ستصبح الحياة هنا مستحيلة حتى إذا توقفت درجات الحرارة عند 40 درجة مئوية".
أما قيس السويدي، خبير المناخ، فيشير إلى أن استخدام الطاقة في تشغيل محطات تحلية المياه يقع في قلب جهود التكيف التي تعتمدها الإمارات للتغلب على تأثير التغير المناخي على مخزونها من المياه الجوفية، ولا سيما أنها طكتعد واحدة من أكثر الدول فقراً في موارد المياه.
ورغم إقراره بالآثار السلبية للانبعاثات الغازية الناتجة عن محطات تحلية المياه، والتي قد تفاقم من الظاهرة بينما تحاول التكيف معها، يقول السويدي "يعتمد 98% من إنتاج الطاقة الكهربائية في الإمارات على الغاز، الذي يعد أقل ضرراً من حيث إنتاج الانبعاثات الغازية مقارنة بالفحم، يُستخدم 70% منها لتشغيل محطات التحلية، وربما يكون ذلك سبباً رئيساً في ارتفاع نسبة الانبعاثات الغازية، لكن شح المياه يمثل تحدياً ضخماً لجميع دول المنطقة، ولا سيما دول الخليج".
جهود كبيرة وتحديات أكبر
ويضيف السويدي "لدينا خطة حكومية تستهدف الاعتماد على الطاقة النووية، كمصدر للطاقة النظيفة، لإنتاج 20% من الطاقة في غضون سنتين، كما تطمح الخطط الحكومية إلى توليد 10% من إنتاج الطاقة من محطات الطاقة الشمسية بحلول عام 2030، تمهيداً للوصول إلى الاعتماد على الطاقة الشمسية لتوليد 50% من الإنتاج، بحلول عام 2050، وهو ما يعني أن نسبة الانبعاثات الغازية الدفيئة مرشَّحة للانخفاض".
ويمثل الاعتماد الكبير على محطات التحلية للتصدي لندرة المياه في الخليج تحدياً كبيراً لجهود مكافحة التغير المناخي، وعن ذلك يقول السويدي "إن ثمة اتجاهاً حكومياً لاستخدام الطاقة الكهربائية في محطات التحلية بدلاً من الغاز للحد من الانبعاثات، ولكن الاعتماد الكبير على التحلية يهدد بارتفاع نسبة ملوحة مياه الخليج، وهو ما قد يحدث أضراراً كبيرة بالبيئة والأحياء البحرية".
وفي إطار استعراضه للجهود التي تبذلها الحكومة للتصدي للظاهرة، يشير السويدي إلى اتجاه الإمارات إلى التوسع في استزراع أشجار القرم أو "المانغروف"، التي تسهم في حماية السواحل من عوامل التعرية الناجمة عن الأمواج والتيارات البحرية، كما تلعب دوراً فعالاً في الحد من الانبعاثات الكربونية، كما تساهم في الحفاظ على التنوع البيئي، إذ تحتمي أنواع مختلفة من الحيوانات بأشجار القرم، التي يتراوح ارتفاعها بين 3 و 8 أمتار، من ارتفاع درجات الحرارة الناتج عن الظاهرة.
ورغم أن أشجار القرم تعيش في درجات الحرارة العالية، كما تنمو في المياه المالحة، إلا أن تجاوز درجات الحرارة 35 درجة مئوية، خلال فصل الصيف، وارتفاع ملوحة المياه بسبب التحلية، يجعل من الاحتفاظ بالمساحات الشاسعة منها تحدياً كبيراً.-(BBC)