jo24_banner
jo24_banner

الثورة الهادئة (3) ربيع أنقرة!

حلمي الأسمر
جو 24 : موقفان كبيران أثرا كثيرا على ثورة تركيا الهادئة، وخدما توجهها الحديث نحو إنجاز ثورتها، الأول- محادثاتها للانضمام للاتحاد الأوروبي، والثاني- الربيع العربي!

أما الأول فأتاح لأردوغان إحداث ثورة تشريعية هائلة، في كل القوانين الناظمة للحياة السياسية والاقتصادية، تحت بند: تحقيق المعايير الأوروبية اللازمة للانضمام للاتحاد، دون أن يجد أي اعتراضات جدية من خصومه السياسيين، الذين لم يكن بوسعهم التصرف حيال هذا الأمر، حتى لو ارادوا ذلك، وفي الأثناء تم تقليص دور الجيش في الحياة السياسية، وإخضاع المؤسسة الأمنية بالكامل للمساءلة البرلمانية، ومحاكمة الجميع أمام المحاكم المدنية حتى لو كانوا ضباطا في الجيش، وقد ضمن اردوغان بهذا الأمر ترسيخ دولة القانون والمواطنة، وسيادة الشعب، وعالج تقريبا كل التشوهات التي كانت موجودة في النظام السياسي التركي، بما يضمن رسوخ الديمقراطية والحريات العامة، وبالتالي، ضمان استمرار حضور حزب العدالة والتنمية في سدة الحكم، ناهيك عن قدرته اقتحام ملف إدخال التعديلات الدستورية اللازمة، بمشاركة كل القوى التركية، تحت مظلة ما يسمى لجنة الحكماء، التي تضم كل ألوان الطيف التركي!

أما الربيع العربي، فله شأن آخر، فقد ترددت اصداء شعاراته التي كانت تطلق في ميدان التحرير في كل مؤسسات الحكم التركي، فعاشت أنقرة على وقعها ربيعا خاصا، عنوانه سيادة الشعب، وحريته وكرامته، ما اعطى اردوغان ومؤسسة الحكم التركية وقودا إضافيا للتغيير، وفتح شهيتها لإحداث مزيد من التثوير الهادىء، فضلا عن بروز مبرر قوي وجاذب للتحرك التركي بحرية في دول الربيع العربي، والإقليم برمته، تحت عنوان الإنتصار للشعوب وحرياتها، ومد يد العون لها لاسكمال منظومتها الثورية، وفي الأثناء، تصحو تركيا على هويتها الجديدة، فتبدأ بالحديث عن القيم الجديدة التي تحركها، مستلهمة في ذلك التاريخ المشترك، متكئة في ذلك على إرث تاريخي ضخم، لم تزل آثاره ماثلة في مآذن وقباب المساجد، وآلاف المؤلفات والآثار والقصور الشاهدة على مجد آل عثمان، الذين دقوا أبواب فينا، وامتدت إمبراطوريتهم إلى آماد هائلة!

وفي هذا الكلام كلام كثير جدا، فثمة مؤسسات تركية جديدة ولدت على وقع الربيع، مهمتها تواصل الحكومة مع الشعب بفئاته كافة، وقياس نبضه بشكل دائم للاهتداء بما يريد لتحقيقه والالتزام به، وتواصل تركيا مع شعوب المنطقة، وقد حققت تركيا في هذا المجال الكثير، فقد شهدت السنتان الأخيرتان تواصلا منقطع النظير بين الشعب التركي وشعوب المنطقة العربية، وغدت اللغة العربية في تركيا مطلبا ملحا، بعد أن كانت مثلبة فيمن يتقنها، ويكفي أن نعلم هنا أن المتقدمين للوظيفة العامة كانوا يخفون معرفتهم باللغة العربية مخافة استبعادهم من التوظيف، أما اليوم فمعرفة اللغة العربية سبب رئيس للإسراع في الحصول على الوظيفة!

كم تغيرت تركيا خلال العقد الأخير، وكم اقتربت أكثر من محيطها الحيوي، وكم ابتعدت عن أوروبا، حتى أنها لم تعد معنية بالانضمام إلى اتحاد أوروبي هرم في عز شبابه، فجل بلدانه تعاني اقتصاداتها من أزمات خانقة وهبوط مضطرد، فيما يتنامى اقتصاد تركيا صعودا وعافية!

أنقرة اليوم تعيش ربيعا خاصا، باتجاه تحرير شعبها من ربقة الإنقلابيين وحكم العسكر، وصولا إلى مأسسة الحريات وترسيخ حكم الشعب، وباتجاه مد النور والعون لدول الجوار، الإسلامي والعربي، مبتعدة عن العدو الأزلي للأمة: إسرائيل، وتلك حكاية أخرى تحتاج وقفة مطولة!الدستور
تابعو الأردن 24 على google news