هل أوشكت أزمة المعلمين على الإنتهاء أم بدأت.. وما هي السيناريوهات القادمة؟
ايهاب سلامة
جو 24 :
قطعت الحكومة الطريق أمام نقابة المعلمين، باعلانها على لسان رئيسها د. عمر الرزاز، تقديم علاوات شهرية للمعلمين، تتراوح بين ٢٤ و ٣١ ديناراً، بعد وصولها فيما يبدو، إلى قناعة تامة بأن شكيمة النقابة لن تلين عن سقف مطالبها، وربما، لتقديرات حكومية بأوضاع اقتصادية ضاغطة، أو لرفضها التسليم بالمطلب، تحت ضغط النقابة وإضرابها.
صبيحة اليوم التالي، دخلت المحكمة الإدارية على خط الأزمة، وأصدرت قراراً يقضي بوقف إضراب المعلمين، إثر شكوى تقدم بها أولياء أمور طلبة، كما دعت الحكومة أولياء أمور الطلبة لإرسال أبنائهم لمدارسهم، اعتباراً من صباح الثلاثاء، وتوعدت المعلمين الممتنعين عن التدريس بتطبيق أحكام القانون بحقهم، وتأمين معلمين بدلاء على حساب التعليم الإضافي لتعويض المستنكفين منهم.
ومع هذا المشهد المشحون بالتوتر والمخاوف، أخذت سيناريوهات الأزمة العالقة بين نقابة المعلمين والحكومة، منحاً مغايراً، بعد أن وضعت الحكومة العربة أمام الحصان، وانفردت بقرارها الذي ربما بني على حسابات مأمولة، باستمالة الرأي العام، وإحداث انقسامات بموقف الهيئة العامة لنقابة المعلمين، التي يصل تعدادها إلى ١٤٠ ألف معلم ومعلمة، ومحاولتها فرض الأمر الواقع على المعلمين المضربين منذ نحو أربعة أسابيع، مستبقة مآلات الحوار العقيم بينها وبين نقابتهم التي سارعت بدورها للرد بلسان نائب نقيبها ناصر نواصرة، معلنة رفضها العلاوة الحكومية التي وصفتها بالفتات، مؤكدة مواصلة اضرابها، رداً على قرار المحكمة الإدارية، ومتابعتها له قانونياً.
الإجراءات الحكومية المنفردة، والقرار القضائي، وما تبعهما من موقف رافض من نقابة المعلمين، يعيد بكل تأكيد تدوير الازمة، ويرفع من وتيرة حدتها بشكل اكثر تعقيداً، بعد أن وصل الحوار بين الطرفين إلى طريق مسدود، ولم تفض العديد من اللقاءات بينهما لتوافقات مرضية، تكبح جماح الأزمة، وتعيد الطلبة الذين طال غيابهم، إلى مقاعدهم الدراسية.
وبعد اتضاح موقف الحكومة وخياراتها، وتحديدها سقف ومساحة الحلول المتوفرة في جعبتها، ومواصلة نقابة المعلمين إصرارها على موقفها، فان العديد من الأسئلة الملحة باتت تبحث عن أجوبة:
ما هي السيناريوهات التي ستحملها الأيام القادمة، من الطرفين، الحكومة والنقابة، وإلى أين ستفضي الأزمة المستعصية بينهما على الحل، التي أصبحت تؤرق المجتمع الأردني برمته، وتشغله على مدار اللحظة؟
هل ستدفع نقابة المعلمين باتجاه التصعيد مع الحكومة، تزامناً مع مواصلة اضرابها المفتوح، وتكثف وقفاتها واعتصاماتها بالعاصمة والمحافظات؟ وهل نشهد إعادة تحشيد في نقاط تماس ساخنة، تعيد تصوير مشهد الدوار الرابع مجدداً، الأمر الذي يدعو لقلق بالغ من حدوث صدامات لا قدر الله، قد تفضي لما لا يبتغيه حريص على الأردن واستقراره..
هل هيأت الحكومة نفسها لمواجهة التداعيات المحتملة للازمة؟ وهل ستجد نفسها منساقة وراء التصعيد، باللجوء إلى القضاء لحل مجلس نقابة المعلمين، وإعادة تعيين مجلس مؤقت، في حال فشلت إجراءاتها بكسر الإضراب، وهل ستلجأ أيضاً إلى خيار أصعب بحل النقابة، أو مقاضاة نائب نقيبها وأعضاء مجلسها، الخ؟
الحقيقة التي لا تحتاج لتجميل ومجاملة، أن جميع الخيارات الحكومية التي يمكن تصورها لمجاراة الأزمة، لن تفضيَ إلا لمزيد من التأزيم، وتوسيع رقعة الخلاف، وربما تتشابك أطراف اخرى مع حراك المعلمين، تجد في رياحهم المواتية فرصة لامتطاء صهوة الشارع، وركوب موجة الأزمة، ما يزيد من تعقيد المشهد الذي يخبئ خلف ظهره تداعيات خطيرة، يتوجب وضعها بعين الإعتبار، قد تصل حد التأثير على استقرار الدولة!
والسؤال المطروح أيضاً: هل أصبح الخلاف الأساسي مع المعلمين على علاوتهم، أم على تبعات الرضوخ والتسليم لهم، والخوف من انتشار عدوى حراكهم إلى فئات سياسية واجتماعية ثانية؟ والاهم، هل تسمح مؤسسات الدولة العميقة لنقابة المعلمين بتشكيل نموذج ملهم لبقية الطارقين خلفها على بوابة كبيرة فتحت وبات من الصعب اعادة اغلاقها؟
ربما لم تدرك الحكومة بوعيها القاصر، أن حجم التأثير السياسي اللاحق لقضية المعلمين المطلبية، وكلفته على الدولة، أكبر من أي كلف مالية اقتصادية، كان يمكن احتواء تداعياتها مبكراً، قبل دخول الأزمة في أطوار غير مسبوقة على الساحة الأردنية، تهدد بدفع فاتورة باهظة جداً.
ترك ملف المعلمين دون حل جذري سريع، يزيد من احتمالات تفرًع الأزمة، وتشعبها، وتفريخ أزمات ثانية، ويرشّح دخول المزيد من الأطراف المناكفة للحكومة على الخط، ويبقي بوابات الشحن والتوتر والتشنج مشرعة، ويعيد فتح صفحات مؤرقة، ما "صدّقت" الدولة أن طوتها!
الابعد من ذلك، ان قضية المعلمين خرجت من عباءتهم، وأشركت المواطنين المحتقنين، بهمومهم العامة، ووحدت لغة خطاب جمعية، متشددة، ومناكفة، وخير دليل على ذلك ان بوصلة اولياء امور الطلبة تتجه لضوء اخضر من النقابة لاعادة ابنائهم الى مدارسهم، لا لضوء حكومي!
الأمر المستهجن، أن الدولة بمؤسساتها وإداراتها، تركت الشارع في مهب الريح، تتقاذفه اصطفافات وانقسامات شعبية، في مرحلة أحوج ما تكون به إلى تمتين جبهتها الداخلية، ورصّ صفوفها، والتمترس خلف قيادتها، لمواجهة أعتى التحديات التي ستواجه المملكة بتاريخها يوماً، وقريباً!
الحكومات التي صدّع منظّرو مواقع التواصل رؤوسنا بولايتها العامة، تجدها أجبن من ممارسة ولايتها العامة، حين يلوح الخطب، ويجد الجد، فتتوارى خلف الكواليس مترقبة بحياء تدخل القصر، ليخلصها من ضعفها وبؤسها.
ترقب المبضع الملكي، الذي دأب على التدخل في العمليات الجراحية الدقيقة المعقدة، ليخفف الضغط عن عصب الحكومة الملتوي، ويضمد ما خلفته قراراتها من خدوش وجراحات على حيوات المواطنين ومعيشتهم، ويحسم الخلاف والاختلاف بينهما، يطرح سؤالاً عن دور الحكومة في ممارسة ولايتها العامة بكل مسؤولية وشجاعة، وقدرتها على مواصلة سياسية الاحتواء التي انتهجتها الدولة طيلة تاريخها، وكانت سفينة نجاتها في العديد من الاختبارات الصعبة، بدلاً من ترقب تدخل القصر، والإختباء خلف الحلول الملكية كالعادة.
الدولة الأردنية الان، في أمس الحاجة لحكومة قوية، قادرة على مواجهة التحديات المهولة التي تقف على عتباتها، بمخططات ومشاريع سياسية كونية، تنفذ على قدم وساق، لتغيير ملامح المنطقة، تمس عمق المصالح الأردنية، لا أن تُشغل الحكومة، الدولة بقيادتها وشعبها ومؤسساتها الأمنية، بمشاكل بيروقراطية، يمكن تداركها بوعي وحكمة، قبيل انفلاتها، وخروجها عن السيطرة!