خمسة وستون عاما على النكبة العربية
منذ يومين مررنا بالذكرى الخامسة والستين للنكبة , والتي أرخها السياسيون العرب بتاريخ 15 أيار 1948 كبداية للنكبة الفلسطينية والعربية , تلك المأساة التي وقعت بحق الانسانية عبر طرد وتشريد ما يزيد عن 750,000 فلسطيني من ديارهم وهدم اكثر من 500 قرية فلسطينية وطمس معالمها بشكل تام وطرد معظم القبائل من بدو النقب من ارضهم وتدمير المدن الفلسطينية الرئيسية وتهويدها لصالح انشاء كيان ووطن قومي لليهود المنتشرين عبر بقاع الأرض , الا ان الواقع كان قد بدأ قبل ذاك التاريخ حيث سجل التاريخ عشرات المجازر والفظائع واعمال التخريب والسلب والنهب عندما هاجمت عصابات صهيونية إرهابية من الارجون والهاجانا قرى وبلدات فلسطينية بهدف إبادتها و تخويف سكان المناطق المجاورة بهدف تسهيل تهجيرهم لاحقاً ومحاولات العصابات اليهودية المستمرة لطمس معالم الهوية العربية والاسلامية للارض الفلسطينية بدعم من سلطة الانتداب الانجليزي في حينها .
القصة التي بدأت حينما قدمت سلطة الانتداب البريطاني تسهيلات لنقل اليهود من حول العالم الى فلسطين بعد وعد بلفور الذي منح لليهود في حينه وطنا قوميا لهم في فلسطين , بدأ اليهود يتوافدون بأعداد كبيرة نحو فلسطين ليقيمو في مدنها بدعم من القوات الانجليزية , كما مدتهم بالسلاح والعتاد لضمان استمرارية وجودهم .
وفي تاريخ 29 تشرين ثاني 1947 صدر قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة لتقسيم فلسطين الى دولتين بنسبة 56 % لليهود و 43 % للعرب , و 1 % لمنطقة القدس توضع وحدها تحت الانتداب بادارة الامم المتحدة , مما استفز مشاعر الفلسطينيين والعرب وأعلنت على أثره اللجنة العربية العليا بقيادة " الحاج أمين الحسيني " - وهي الكيان السياسي الممثل للفلسطينيين تحت الانتداب – اضرابا لمدة 3 ايام ابتداءا من 2 كانون أول 1947 , حيث خرجت الحشود الفلسطينية الغاضبة والرافضة للقرار الذي يقسم وطنهم ويشتتهم ويسلب ارضهم ويمنحها لمن لا يستحقها ويجردهم بالكامل من حقهم في تقرير مصيرهم , لتجوب البلاد مسيرات غضب جوبهت بالقمع من قبل القوات البريطانية , مما ولد اعمالا من العنف وصلت لمهاجمة أحياء يهودية وذلك تعبيرا عن الغضب الفلسطيني العارم .
اتخذت العصابات الصهيونية هذه المظاهرة ذريعة لسلسلة من العمليات الارهابية بحجة استخدام القوة " لايقاف هجمات مستقبلية على اليهود " وشنت هجمات ارهابية على سكان القرى العربية كما قامت بحملات القصف الهمجي ضد المدنيين العرب , كما زرعت العصابات القنابل في المناطق العربية بهدف التخريب مما اسفر عن سقوط عشرات القتلى بين صفوف المدنيين العرب .
استمرت المواجهات والمناوشات وقامت العصابات الصهيونية بهجمات لاأخلاقية بعيدا كل البعد عن الانسانية بافتعال المجازر بحق المواطنين العرب العزل كمجزرة دير ياسين ومجزرة اللد وغيرها الكثير الكثير من المجازر بحق المدنيين والعزل العرب , الأمر الذي استدعى تدخل 6 دول عربية وهي مصر والاردن والعراق وسوريا ولبنان والسعودية بعد ان اعلنت بريطانيا انتهاء انتدابها على فلسطين في منتصف الليل بين ال14 و15 من أيار 1948, وحيث اعلن المجلس اليهودي الصهيوني قيام دولتهم في منتصف الليل لتشتعل حربا بين جيوش الدول العربية الستة وبين 4 ميليشيات صهيونية هي ( البلماخ والارجون والهاجانا والشتيرن ) مع بعض المتطوعين اليهود والتي شكلت ما سمي بجيش الدفاع الاسرائيلي بأمر من ديفيد بن غوريون رئيس الحكومة الصهيونية المؤقتة بلغ تعداد افراده نحو 107,300 جنديا ومتطوعا .. وشنت الدول العربية الستة حربا لطرد العصابات الصهوينية من فلسطين استمرت من26 أيار عام 1984 وحتى آذار من عام 1949 , وكانت القوات العربية تشمل ما يقارب 23 الف ضابط وعسكري والاف الاسلحة والعربات المسلحة والدبابات .
وكانت الجامعة العربية قامت بأول خطوة لتوفير الاحتياجات الدفاعية للفلسطينيين في ايلول من عام 1947 حيث أمرت بتشكيل اللجنة العسكرية الفنية , وذلك لتقييم المتطلبات الدفاعية الفلسطينية ، خرج التقرير باستنتاجات تؤكد قوة الصهاينة وتؤكد انه ليس للفلسطينيين من قوى بشرية أو تنظيم أو سلاح أو ذخيرة يوازي أو يقارب ما لدى الصهاينة ، وحث التقرير الدول العربية على "تعبئة كامل قوتها" ورصدت الجامعة العربية مبلغ مليون جنيه استرليني لصالح ما سمي بجيش الانقاذ كما أرسلت هي الاخرى 3600 فردا للمشاركة في طرد اليهود من فلسطين .
الجيوش العربية التي كانت تعاني ضعفا تكتيكيا وصعوبة في اتخاذ القرارات , خاضت حربا مع العصابات الصهيونية , وربما كان الجيش الاردني هو الاقوى تكتيكيا بين الجيوش العربية كافة رغم ان قيادته كانت تحت امرة الانجليزي كلوب , ودارت المعارك المتتالية بين الاطراف وخاض الجيش الاردني 3 معارك مع العصابات الصهيونية هي " اللطرون , وباب الواد , ومعركة جنين " حيث استطاع الجيش الاردني فيها الحفاظ على القدس والضفة الغربية كاملة وكانت خسائر القوات الصهيونية جسيمة , فقد قال رئيس الوزراء ومؤسس الكيان الصهيوني ديفيد بنغوريون في حزيران عام 1948 امام الكنيست " لقد خسرنا في معركة باب الواد وحدها أمام الجيش الأردني ضعفي قتلانا في الحرب كاملة " .
وعلى الجبهه الشمالية حافظت القوات اللبنانية على قريتي المالكية وقدس في الجليل الأعلى جنوب الحدود اللبنانية , واستمرت المعارك على هذا النحو حتى تدخل مجلس الأمن وفرض وقفا لإطلاق النار في 10 حزيران 1948 تضمن حظر تزويد أي من أطراف الصراع بالأسلحة ومحاولة التوصل إلى تسوية سلمية .
وبعد هذا القرار الدولي توقف القتال بين الجيش الصهيوني والجيوش العربية , أما جيش الإنقاذ فواصل عملياته العسكرية في منطقة الجليل فيما تم تحديد هدنة لمدة 4 أسابيع , وفي 8 تموز 1948 استأنف الجيش الصهيوني القتال في جميع الجبهات رغم محاولات الأمم المتحدة الفاشلة لتمديد مدة الهدنة .
وعندما استؤنفت المعارك من جديد كان للجيش الإسرائيلي اليد العليا واتخذت المعارك مسارا مختلفا وتعرضت القوات العربية لسلسلة من الهزائم واستطاع الكيان الصهيوني فرض سيطرته على مساحات واسعة من فلسطين التاريخية , وانتهت المعارك في 21 تموز بعد أن هدد مجلس الأمن بفرض عقوبات على الدول المتقاتلة , فيما قبل العرب الهدنة الثانية التي كانت بمثابة اعتراف بالهزيمة فيما عرف باسم " النكبة " !!!
انتهى القتال بشكل تام في 7 كانون الثاني 1949 بعد ان استولى جيش الصهاينة على معظم النقب وطوق القوات المصرية التي كانت مرابطة حول الفالوجة في النقب الشمالي , بدأت مفاوضات في جزيرة رودس بوساطة الأمم المتحدة بين الكيان الصهيوني من جانب ومصر والأردن وسوريا ولبنان من جانب اخر , وتم التوقيع على اتفاقية للهدنة في عام 1949 فيها تم تحديد ما يعرف بالخط الأخضر وأوصى مجلس الأمن بقبول ما يسمى بدولة " إسرائيل " كعضو كامل في الأمم المتحدة وأقرت الجمعية العامة هذه التوصية فيما يشبه مؤامرة دولية لوضع هذا الاسفين في كبد الامة العربية .
ومنذ تلك الواقعة وحتى يومنا هذا ما يزال ابناء الشعب الفلسطيني تحت وطأة المعاناة مما تجرعوه من المأسي والويلات , فلسطين المحتلة ما زالت تحت الاحتلال حتى يومنا هذا ونشهد كل حين واخر مجزرة من مجازر جيش الاحتلال بحق المدنيين وامتهان كرامتهم وسلبهم حقوقهم وممارسة كافة اشكال التمييز العنصري بحقهم ومحاولات طمس هويتهم الوطنية وتهويد اراضيهم اضافة الى الاستيطان الذي يجثو ويزحف ليلتهم ما تبقى من الاراضي الفلسطينية حتى اللحظة , ناهيك عن جدار الفصل العنصري الذي يساهم ايضا بتحويل ما تبقى من فلسطين التاريخية الى سجن كبير يضيق على ابناء الشعب الفلسطيني المحاصرين بين جنباته , ويشهد عالمنا العربي والاسلامي المحاولات الصهيونية المتتالية لتهويد مدينة القدس التي تحمل مكانة دينية عظيمة لدى اتباع الديانات السماوية كافة , ومحاولات قطعان المستوطنين المستمرة لتدنيس المقدسات الاسلامية في المسجد الاقصى ومسجد الصخرة ومحيطهما , غير الحفريات التي تقوم بها بلدية القدس بهدف اضعاف وهدم المسجد الاقصى الذي يعتبر من اهم المقدسات الاسلامية لدى مسلمي الارض كافة وسط صمت عربي واسلامي مستهجن وغير مبرر .
اما في الشتات فجزء كبير من ابناء فلسطين يعيشون في مخيمات اللجوء , وسط ألم وغربة قاسية اؤلائك الذين عانوا الامرين , فمر الغربة ومر فقد الوطن والارض والهوية , تمر علينا الذكرى الخامسة والستون لنكبة شعبنا الفلسطيني العظيم وما زلنا على عهد الاجداد نحمل الراية جيلا بعد جيل وأننا مهما تغربنا فلنا عودة وسنبقى على عهدنا بأن الارض هي العرض , وأننا كفلسطينيين وعرب ومسلمين جميعا في حالة حشد ورباط منتظرين الساعة التي تدق فيها أجراس العودة لينادي المنادي ويؤذن بالنصر , ونرفع علم فلسطين فوق أسوار القدس ومآذن القدس وكنائس القدس ، (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً) .