"نهبتم كل شيء، اتركوا لنا التاج والكتاب!"
د.علي المستريحي
جو 24 :
عدت إلى البيت متأخرا بعد يوم عمل أيْلوليّ شاق، يغرقني التعب ويحطمني كسفينة تايتانيك .. رميت أوراقي على طرف السرير، ثم أتبعتها جسدي بإهمال كأنه شيئا غريبا لا أعرفه! خبأت جسدي تحت لحاف السرير بإحكام، أطفأت النور، ثم تركته ورحلت بهدوء !
تناولت المعول المرمي تحت شجرة التفاح، ألقيته على كتفي مستهما وجادا وتوجهت إلى حفرة أحدثتها بالأرض قبل أيام قرب شجرة التين المخضرّة اليانعة متسارعة النمو بشكل لافت. ليس بوسع شجرة تين أن تتحول ماردا مجنونا بسنتين إلا أن تكون أرسلت جذورها لمغارة رطبة عميقة !
بدأت الحفر مجددا .. كلما ازداد الحفر عمقا أسمع صدىً لضربة الفأس، فأزداد حماسا .. ضربة الفأس الأخيرة كشفت سقف مغارة مسقوف .. لقد تأكد ظنوني .. فتحة السقف كشف مغارة أثرية ! نظرة سريعة بداخلها كشفت لي عن بعض القطع الأثرية من الفخار .. و .. أشياء تلمع بريقا يخطف الأبصار! لا بد أنها قطع من الذهب الروماني الثمين ! تنحيت جانبا وأخذت نفسا عميقا، ثم أشعلت لفيفة سيجارة وقد مسّتها رطوبة المكان ..
دخلت المغارة مختالا كالطاووس بين جرة مملوءة بقطع الذهب هنا، وطاقة مفرغة بالحائط هناك تكتظ بتماثيل رومانية تسند بعضها بعضا .. وقوارير الزجاج الملونة ملقاة بكل مكان و .. تاج ملكات من الذهب مطعّم بالماس، يتربع عرش كومة من قطع الذهب! رائع ! هذا لزوجتي، فلطالما ناديتها بالملكة طيلة سني زواجنا، إذن هو لها ! لففت التاج حول عنقي وأخفيته تحت ياقة القميص .. لن أجد هدية أغلى منه لها !
لكن ثمة شيئا لافتا بدا كحقيبة مهترئة .. فتحتها، فوجدت فيها رقع جلدية منقوشة بالرومانية على شكل كتاب .. ولأنه كان لدي اهتمام وفضول بمعرفة باللغات القديمة أيام الجامعة الأولى، فقد تعلمت النقوش الرومانية وفك رموزها .. فقرأت عنوان الكتاب: "بالتعليم ننهض" وعلى الغلاف الجملة التالية: "أيها الطالب أنت خَلْق معلّمك" .. وختم التوقيع: "المعلّم يوردانيس" .. حسنٌ، هذا لابني الوحيد "أردن" (هذا اسمه!)، فلطالما أتهمني دوما بالوقوف إلى جانب معلميه ضده، وهو اتهام كنت أقبله دائما بسعادة ! لكن هذا الكتاب هو بمثابة دليل جاءني كالوحي من غابر السنين عندما كانت الناس نقية تقدم الاحترام ليوردانيس صبح مساء وتغدق عليه العطايا، حتى دون أن يطلب وتلعب به حكومة الرزاز ! أخفيت الرقع الجلدية بصدري وتحت قميصي .. لن أجد هدية أغلى منها لابني "أردن".
هذا يوم مشهود: قررت أن التاج لزوجتي وكتاب "يوردانيس" لابني ولأحفاده من بعده، أما ما تبقى فهو للحكومة ! قطع الذهب لا تغريني كثيرا، وما يعنيني فقط احترام وتقدير على طريقة "يوردانيس" .. لكن ما هي إلا لحظات، وإلا بصوت جلبة ورؤوس تطل من باب المغارة، بوجوه لا أعرفها، تزاحمها أشعة الشمس الساطعة فتبدو الوجوه سوداء دون ملامح .. هبطوا أرض المغارة بطريقة المغول والبرامكة، نهبوا كل ما فيها، ونازعوني على التاج والكتاب .. صرخت بوجههم بصوت مجلجل: "نهبتم كل شيء، اتركوا لنا التاج والكتاب!!".
في غمرة النزاع، هبطت لمسة ناعمة ندية على جبيني، تمسح عرقي المتصبب، فتحت عيوني، فكانت زوجتي على طرف السرير، فرأيت التاج بريقا مطبوعا أبديا في عيونها يخطف البصر .. أما ابني "أردن"، فكان يقف الى جانبي، مبتسما، يقبض بأصابعه كتابي الأخير "الأمل يختبئ عند نهاية كل طريق مسدود" !!
فقلت في نفسي: "أحمد الله أن الأمل بالمستقبل لا يسعه سجن ولا يقيّده سجان ولا تطاله يد سارق .. سيبقى دائما هناك يوردانيس ويبقى هناك أردن سيمضي واثقا للمستقبل، وعيون ملكية متوجة بالتاج" !
عدت إلى البيت متأخرا بعد يوم عمل أيْلوليّ شاق، يغرقني التعب ويحطمني كسفينة تايتانيك .. رميت أوراقي على طرف السرير، ثم أتبعتها جسدي بإهمال كأنه شيئا غريبا لا أعرفه! خبأت جسدي تحت لحاف السرير بإحكام، أطفأت النور، ثم تركته ورحلت بهدوء !
تناولت المعول المرمي تحت شجرة التفاح، ألقيته على كتفي مستهما وجادا وتوجهت إلى حفرة أحدثتها بالأرض قبل أيام قرب شجرة التين المخضرّة اليانعة متسارعة النمو بشكل لافت. ليس بوسع شجرة تين أن تتحول ماردا مجنونا بسنتين إلا أن تكون أرسلت جذورها لمغارة رطبة عميقة !
بدأت الحفر مجددا .. كلما ازداد الحفر عمقا أسمع صدىً لضربة الفأس، فأزداد حماسا .. ضربة الفأس الأخيرة كشفت سقف مغارة مسقوف .. لقد تأكد ظنوني .. فتحة السقف كشف مغارة أثرية ! نظرة سريعة بداخلها كشفت لي عن بعض القطع الأثرية من الفخار .. و .. أشياء تلمع بريقا يخطف الأبصار! لا بد أنها قطع من الذهب الروماني الثمين ! تنحيت جانبا وأخذت نفسا عميقا، ثم أشعلت لفيفة سيجارة وقد مسّتها رطوبة المكان ..
دخلت المغارة مختالا كالطاووس بين جرة مملوءة بقطع الذهب هنا، وطاقة مفرغة بالحائط هناك تكتظ بتماثيل رومانية تسند بعضها بعضا .. وقوارير الزجاج الملونة ملقاة بكل مكان و .. تاج ملكات من الذهب مطعّم بالماس، يتربع عرش كومة من قطع الذهب! رائع ! هذا لزوجتي، فلطالما ناديتها بالملكة طيلة سني زواجنا، إذن هو لها ! لففت التاج حول عنقي وأخفيته تحت ياقة القميص .. لن أجد هدية أغلى منه لها !
لكن ثمة شيئا لافتا بدا كحقيبة مهترئة .. فتحتها، فوجدت فيها رقع جلدية منقوشة بالرومانية على شكل كتاب .. ولأنه كان لدي اهتمام وفضول بمعرفة باللغات القديمة أيام الجامعة الأولى، فقد تعلمت النقوش الرومانية وفك رموزها .. فقرأت عنوان الكتاب: "بالتعليم ننهض" وعلى الغلاف الجملة التالية: "أيها الطالب أنت خَلْق معلّمك" .. وختم التوقيع: "المعلّم يوردانيس" .. حسنٌ، هذا لابني الوحيد "أردن" (هذا اسمه!)، فلطالما أتهمني دوما بالوقوف إلى جانب معلميه ضده، وهو اتهام كنت أقبله دائما بسعادة ! لكن هذا الكتاب هو بمثابة دليل جاءني كالوحي من غابر السنين عندما كانت الناس نقية تقدم الاحترام ليوردانيس صبح مساء وتغدق عليه العطايا، حتى دون أن يطلب وتلعب به حكومة الرزاز ! أخفيت الرقع الجلدية بصدري وتحت قميصي .. لن أجد هدية أغلى منها لابني "أردن".
هذا يوم مشهود: قررت أن التاج لزوجتي وكتاب "يوردانيس" لابني ولأحفاده من بعده، أما ما تبقى فهو للحكومة ! قطع الذهب لا تغريني كثيرا، وما يعنيني فقط احترام وتقدير على طريقة "يوردانيس" .. لكن ما هي إلا لحظات، وإلا بصوت جلبة ورؤوس تطل من باب المغارة، بوجوه لا أعرفها، تزاحمها أشعة الشمس الساطعة فتبدو الوجوه سوداء دون ملامح .. هبطوا أرض المغارة بطريقة المغول والبرامكة، نهبوا كل ما فيها، ونازعوني على التاج والكتاب .. صرخت بوجههم بصوت مجلجل: "نهبتم كل شيء، اتركوا لنا التاج والكتاب!!".
في غمرة النزاع، هبطت لمسة ناعمة ندية على جبيني، تمسح عرقي المتصبب، فتحت عيوني، فكانت زوجتي على طرف السرير، فرأيت التاج بريقا مطبوعا أبديا في عيونها يخطف البصر .. أما ابني "أردن"، فكان يقف الى جانبي، مبتسما، يقبض بأصابعه كتابي الأخير "الأمل يختبئ عند نهاية كل طريق مسدود" !!
فقلت في نفسي: "أحمد الله أن الأمل بالمستقبل لا يسعه سجن ولا يقيّده سجان ولا تطاله يد سارق .. سيبقى دائما هناك يوردانيس ويبقى هناك أردن سيمضي واثقا للمستقبل، وعيون ملكية متوجة بالتاج" !