2025-01-13 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

‏"نهبتم كل شيء، اتركوا لنا التاج والكتاب!"‏

د.علي المستريحي
جو 24 :  
عدت إلى البيت متأخرا بعد يوم عمل أيْلوليّ شاق، يغرقني التعب ويحطمني كسفينة تايتانيك .. رميت ‏أوراقي على طرف السرير، ثم أتبعتها جسدي بإهمال كأنه شيئا غريبا لا أعرفه! خبأت جسدي تحت لحاف ‏السرير بإحكام، أطفأت النور، ثم تركته ورحلت بهدوء !‏

تناولت المعول المرمي تحت شجرة التفاح، ألقيته على كتفي مستهما وجادا وتوجهت إلى حفرة أحدثتها ‏بالأرض قبل أيام قرب شجرة التين المخضرّة اليانعة متسارعة النمو بشكل لافت. ليس بوسع شجرة تين أن ‏تتحول ماردا مجنونا بسنتين إلا أن تكون أرسلت جذورها لمغارة رطبة عميقة !‏

بدأت الحفر مجددا .. كلما ازداد الحفر عمقا أسمع صدىً لضربة الفأس، فأزداد حماسا .. ضربة الفأس ‏الأخيرة كشفت سقف مغارة مسقوف .. لقد تأكد ظنوني .. فتحة السقف كشف مغارة أثرية ! نظرة سريعة ‏بداخلها كشفت لي عن بعض القطع الأثرية من الفخار .. و .. أشياء تلمع بريقا يخطف الأبصار! لا بد أنها ‏قطع من الذهب الروماني الثمين ! تنحيت جانبا وأخذت نفسا عميقا، ثم أشعلت لفيفة سيجارة وقد مسّتها ‏رطوبة المكان .. ‏

دخلت المغارة مختالا كالطاووس بين جرة مملوءة بقطع الذهب هنا، وطاقة مفرغة بالحائط هناك تكتظ ‏بتماثيل رومانية تسند بعضها بعضا .. وقوارير الزجاج الملونة ملقاة بكل مكان و .. تاج ملكات من الذهب ‏مطعّم بالماس، يتربع عرش كومة من قطع الذهب! رائع ! هذا لزوجتي، فلطالما ناديتها بالملكة طيلة سني ‏زواجنا، إذن هو لها ! لففت التاج حول عنقي وأخفيته تحت ياقة القميص .. لن أجد هدية أغلى منه لها ! ‏

لكن ثمة شيئا لافتا بدا كحقيبة مهترئة .. فتحتها، فوجدت فيها رقع جلدية منقوشة بالرومانية على شكل كتاب ‏‏.. ولأنه كان لدي اهتمام وفضول بمعرفة باللغات القديمة أيام الجامعة الأولى، فقد تعلمت النقوش الرومانية ‏وفك رموزها .. فقرأت عنوان الكتاب: "بالتعليم ننهض" وعلى الغلاف الجملة التالية: "أيها الطالب أنت ‏خَلْق معلّمك" .. وختم التوقيع: "المعلّم يوردانيس" .. حسنٌ، هذا لابني الوحيد "أردن" (هذا اسمه!)، فلطالما ‏أتهمني دوما بالوقوف إلى جانب معلميه ضده، وهو اتهام كنت أقبله دائما بسعادة ! لكن هذا الكتاب هو ‏بمثابة دليل جاءني كالوحي من غابر السنين عندما كانت الناس نقية تقدم الاحترام ليوردانيس صبح مساء ‏وتغدق عليه العطايا، حتى دون أن يطلب وتلعب به حكومة الرزاز ! أخفيت الرقع الجلدية بصدري وتحت ‏قميصي .. لن أجد هدية أغلى منها لابني "أردن".‏

هذا يوم مشهود: قررت أن التاج لزوجتي وكتاب "يوردانيس" لابني ولأحفاده من بعده، أما ما تبقى فهو ‏للحكومة ! قطع الذهب لا تغريني كثيرا، وما يعنيني فقط احترام وتقدير على طريقة "يوردانيس" .. لكن ما ‏هي إلا لحظات، وإلا بصوت جلبة ورؤوس تطل من باب المغارة، بوجوه لا أعرفها، تزاحمها أشعة الشمس ‏الساطعة فتبدو الوجوه سوداء دون ملامح .. هبطوا أرض المغارة بطريقة المغول والبرامكة، نهبوا كل ما ‏فيها، ونازعوني على التاج والكتاب .. صرخت بوجههم بصوت مجلجل: "نهبتم كل شيء، اتركوا لنا التاج ‏والكتاب!!". ‏

في غمرة النزاع، هبطت لمسة ناعمة ندية على جبيني، تمسح عرقي المتصبب، فتحت عيوني، فكانت ‏زوجتي على طرف السرير، فرأيت التاج بريقا مطبوعا أبديا في عيونها يخطف البصر .. أما ابني ‏‏"أردن"، فكان يقف الى جانبي، مبتسما، يقبض بأصابعه كتابي الأخير "الأمل يختبئ عند نهاية كل طريق ‏مسدود" !! ‏

فقلت في نفسي: "أحمد الله أن الأمل بالمستقبل لا يسعه سجن ولا يقيّده سجان ولا تطاله يد سارق .. سيبقى ‏دائما هناك يوردانيس ويبقى هناك أردن سيمضي واثقا للمستقبل، وعيون ملكية متوجة بالتاج" ! ‏
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير