السنيد يكتب: رجالات السلطة في زمن الشعوب
علي السنيد
جو 24 :
لعلني اعرف الاستاذ محمود الخلايلة الذي كان احد مهندسي اتفاقية الحل مع نقابة المعلمين، والتي جنبت الاردن الاحراج، ووضعت نهاية لحالة كارثية من التخبط الحكومي المتواصل بدأت باخضاع ملف المعلمين الذين يأتمنهم الاردنيون على الملايين من ابنائهم للحل الامني، وما نجم عن ذلك من مشهد مريع ومخالف لكل القيم الديموقراطية على الرابع في حق شريحة تعد الاكثر ثقافة ووعيا في المجتمع الاردني، وتكاد تمثل مجمل خصائص ومواصفات هذا الشعب العظيم. ومن ثم انتقلت الحكومة في تخبطها الى مرحلة كسر ارادة المعلمين من خلال رفض مطالبتهم بالعلاوة التي تخصهم جملة وتفصيلا، وبعدها بوضع الحل المنفرد لمطلبهم، والذي رفض من قبل النقابة، ومن ثم استصدار حكم قضائي ببطلان اضراب المعلمين الذي استمر لنحو شهر دون اختراق، واخيرا لجأت الحكومة الى محاولات يائسة لاستباحة المدارس، وتخويف المعلمات، وهو ما اظهر عقلية عرفية لا تكاد تنتمي الى الزمن الذي نعيش فيه، وبذلك وصلنا الى مرحلة الاستعصاء في قضية وطنية كنا نملك مفاتيح حلها منذ الساعات الاولى لتولدها في المشهد الوطني الاردني وذلك لو ترك الخيار لرجال ديموقراطين لا شك انهم موجودون في دائرة صنع القرار ، وواضح ان الحل كان يكمن بانهيار هذا الموقف الحكومي الكارثي، ونجاح الخط الرسمي الباحث عن الحل والتهدئة، وعدم استفزاز القاعدة الشعبية المتأثرة على خلفية سياسات الجباية المتبعة حكوميا في ادارة دفة الدولة، وهذا ما مثله انموذج الاستاذ محمود الخلايلة مستشار رئيس الوزراء.
ومجمل ما جرى بات يطرح ضرورة تجهيز طاقم سياسي في الاردن يدرك كيفية ادارة عملية الحكم وفق ارادة الشعب الذي حقق سيادته في هذا الزمن المتطور، وبتصالح واضح مع ميوله وتطلعاته الوطنية، وبما يعنى بأن تعكس عملية الحكم الارادة الشعبية، وان تمثلها المؤسسات الدستورية كي تكون السياسات المتبعة حكومياً مقبولة في الاطار الشعبي، ومحققة للصالح العام، ولكي يكون رجال السلطة الوجه الاخر للشعب، والاقرب الى فهم توجهاته الوطنية ، والابتعاد عن صيغة المسؤول المنفصل عن كيان الامة، ومن يعلو على الناس بالسلطة، ويعادي الشعب من موقعه الذي يتبوأه باسم الشعب.
وزمن استعباد الشعوب وقهرها واستبعادها ولى الى غير رجعة، ولا بد التصالح معها، والاقرار لها باحقيتها بأن تحكم بارادتها الحرة ووفق ما يحقق صالحها العام، والابتعاد عن اسباب هيجانها وبما ينذر بتدمير عملية الحكم، وسقوط السلطة وتوزعها في الشارع كما جرى في الدول العربية التي فشلت في فهم حتميات التحول الديموقراطي، وكانت تتجه مباشرة الى الخراب، ودمار كيان الدولة وتحولها الى الفوضى والاضطرابات.
اننا في الاردن النموذج الاقرب الى نضج السلطة، وعصرنتها، ووصولها الى التسوية الممكنة مع الشعب، ومطالبه العادلة، وهنالك خط وطني ديموقراطي يتوزع في ثنايا المؤسسات الدستورية، والمهم هو ايلاء المسؤوليات الوطنية الى هذا الخط، وانجاحه وتأهيله لاعادة تطوير الحياة السياسية في الاردن بتحالف مع شركاء المسؤولية الوطنية من الاحزاب، والنقابات، وبترتيبات الجهة الرسمية التي تمثل مؤسسات الدولة الامنية والمدنية.