ما وراء التقدم العسكري للنظام السوري
ياسر الزعاترة
جو 24 : منذ أسابيع تشهد الساحة السورية تقدما لا بأس به من قبل جيش بشار في عدد من المناطق، الأمر الذي جاء بعد مرحلة طويلة من المراوحة بين التقهقر، وبين الاكتفاء بالتمترس ومواجهة هجمات الثوار خوفا من الخسائر الجسيمة، لاسيما أن جدلا بدأ يثور في الأوساط العلوية حول الخسارة الباهظة التي تدفعها الطائفة من حياة أبنائها. يستحق هذا الأمر قدرا من التوقف لقراءة الأسباب والتداعيات، وتبعا لذلك المسار القادم في المواجهة، في ظل الجدل الذي لا يتوقف حول الحل السياسي، لاسيما بعد الإعلان عن عقد مؤتمر دولي بشأن سوريا لم يحدد موعده الدقيق إلى الآن، وإن قيل إنه سيكون مطلع الشهر القادم.
الذي لا شك فيه أن التقدم الذي أحرزه جيش النظام في عدد من المناطق لم يعتمد بشكل كامل على جنوده، وإنما اعتمد بقدر أكبر على تخطيط إيراني، معطوفا على مشاركة كبيرة من طرف حزب الله، والأهم من قبل ما يعرف بقوات الدفاع الشعبي التي جرى تدريبها من قبل عناصر إيرانية مع مدربين من الحزب، وذلك بعد الإنهاك الذي تعرض له الجيش، لاسيما أن إمكانية الاعتماد على كتائب من المقاتلين السنّة لم تعد واردة، إذ يبقى هؤلاء أسرى الثكنات، أو يُعتمد عليهم في مهمات غير قتالية خشية انشقاقهم أو تأثيرهم السلبي في مسار المعركة تبعا للشك في ولائهم للنظام.
والحال أن حجم التجييش الطائفي في أوساط العلويين قد أنتج هذا الكم الكبير من المقاتلين الذي جرى إقناعهم بأن المعركة بالنسبة إليهم هي معركة حياة أو موت، فضلا عن حشد بعض المقاتلين الشيعة القادمين من الخارج ممن تجري تعبئتهم أيضا على أساس مذهبي في “معركة مصيرية بين أهل البيت وبين النواصب”، فضلا عن حكاية الدفاع عن المراقد الدينية.
لا شك أن لهذا الحشد الإيراني الذي يقف وراء التقدم الذي أحرز، ومعه الاستمرار في برنامج الهجوم أسباب ينبغي التطرق إليها. وهنا يمكن الحديث عن ثلاثة أسباب رئيسة؛ أولها من دون شك يتمثل في الانتخابات الرئاسية الإيرانية منتصف الشهر المقبل، وحيث يعتقد قادة المحافظين أن الملف السوري له تأثيره البالغ على الوضع الداخلي الإيراني، ذلك أن التقهقر في سوريا سيمنح الإصلاحيين ذخيرة لاستخدام مناسبة الانتخابات في سياق تجييش الشارع ضد المحافظين الذين ركزوا على برنامج خارجي يثبت فشله، فيما يؤدي لعقوبات يدفع ثمنها المواطن الإيراني، ولذلك يحرص المحافظون على أن يوحوا للجمهور الإيراني بأن الوضع في سوريا مطمئن، وأنهم بصدد القضاء على المؤامرة. وهنا يلاحَظ أن الاستثمار الداخلي لما يجري في سوريا يتم بقدر من الخفة أحيانا، عبر تصوير المعركة بأنها تقترب من الحسم، بل حسمت تماما لصالح النظام “ضد الإرهابيين التكفيريين”، كما في تصريح لرئيس هيئة أركان القوات المسلحة الإيرانية قبل أيام.
السبب الآخر في هذا السياق يتعلق بالحراك الدولي فيما يتصل بالحل، إذ يعلم الإيرانيون والنظام أن الحل المقترح سيعتمد دون شك على ميزان القوى على الأرض، وحين يكون الوضع مائلا لصالح النظام، فإن ذلك سيؤثر كثيرا على المفاوضات، ولذلك يلقون بثقلهم من أجل تغيير ميزان القوى حتى لا يعتقد أحد بأن النظام مهزوم وأنه سيقبل بأي عرض، ويبدو أن طهران لا تثق كثيرا بتوجهات الروس الذين تعتقد بإمكانية أن يبيعوا بشار ضمن صفقة مع الغرب في حال وجدوا أن ذلك سيصب في خدمتهم.
السبب الثالث في هذا السياق يتعلق بمساعي إيران وحزب الله وكذلك النظام لتأمين مناطق وممرات الدويلة العلوية كخيار أخير يمكن اللجوء إليه في حال الفشل في الاحتفاظ بكل سوريا، وما يجري في القصير، والتطهير الطائفي في بانياس ينهض كدليل واضح على هذا البعد، فضلا عن تأمين خطوط التواصل بين حمص والساحل وصولا إلى دمشق. وحين يتحدث أحمد داوود أوغلو عن الخطة (ب) ممثلة في الدويلة العلوية، فهذا يعكس اتساع نطاق القناعة بوجود هذا المخطط. ولا شك أن تقدم النظام في المناطق إياها لا يخفي تقدم الثوار في عدد من مناطق أخرى رغم ما يعانونه من مشاكل، الأمر الذي ينبغي أن يظل حاضرا في ذهن المراقب حتى لا يُعتقد أن المعركة تمضي في اتجاه واحد.
كيف يمكن الرد على كل ذلك من قبل الثوار ومؤيديهم؟ سؤال بالغ الأهمية، ويبدو أن يحتاج إلى قدر كبير من التوقف، ذلك أن السبب الأهم في هذا السياق يتعلق ابتداءً بوضع الثوار على الأرض لجهة حالة الشرذمة التي يعيشونها، وهي حالة لا بد من التغلب عليها من خلال تنسيق أقوى ترعاه تركيا والدول الداعمة (وتساهم فيه الفعاليات الشعبية التي تقدم الدعم أيضا)، لكن المؤسف أن تلك الدول تعيش تناقضا فيما بينها، ولكل منها وجهته في تقديم الدعم. وإذا لم يتم التغلب على ذلك فسيكون الموقف صعبا دون شك. وفي ظني أن على أردوغان الذي بدأ يعاني من ارتدادات الأزمة داخليا (سياسيا واقتصاديا وأمنيا)؛ عليه أن يتقدم خطوة أكبر على صعيد ترتيب الوضع العسكري للثوار.
الجانب التسليحي مهم بطبيعة الحال، وإن لم يكن هو السبب الرئيس في تقدم النظام، لكن ذلك لا يقلل من أهمية تزويد الثوار بمزيد من الأسلحة، بخاصة النوعية، حتى يتمكنوا من استعادة ما فقدوه والتقدم من جديد وصولا إلى حسم المعركة، إذا لم يتم التوصل إلى حل سياسي جيد، وهو ما يبدو مستبعدا في واقع الحال.
إذا لم يحدث ذلك، أعني ترتيب أوراق الثوار وتسليحهم، فإن لعبة الاستنزاف ستتواصل إلى أمد قد يطول، مع ثقتنا بأن النهاية ستبقى هي ذاتها ممثلة في سقوط النظام، وإن كانت بخسائر أكبر لكل الأطراف، وفي مقدمتهم إيران وحلفاؤها من دون شك، فضلا عن تدمير ما تبقى من سوريا.
الدستور
الذي لا شك فيه أن التقدم الذي أحرزه جيش النظام في عدد من المناطق لم يعتمد بشكل كامل على جنوده، وإنما اعتمد بقدر أكبر على تخطيط إيراني، معطوفا على مشاركة كبيرة من طرف حزب الله، والأهم من قبل ما يعرف بقوات الدفاع الشعبي التي جرى تدريبها من قبل عناصر إيرانية مع مدربين من الحزب، وذلك بعد الإنهاك الذي تعرض له الجيش، لاسيما أن إمكانية الاعتماد على كتائب من المقاتلين السنّة لم تعد واردة، إذ يبقى هؤلاء أسرى الثكنات، أو يُعتمد عليهم في مهمات غير قتالية خشية انشقاقهم أو تأثيرهم السلبي في مسار المعركة تبعا للشك في ولائهم للنظام.
والحال أن حجم التجييش الطائفي في أوساط العلويين قد أنتج هذا الكم الكبير من المقاتلين الذي جرى إقناعهم بأن المعركة بالنسبة إليهم هي معركة حياة أو موت، فضلا عن حشد بعض المقاتلين الشيعة القادمين من الخارج ممن تجري تعبئتهم أيضا على أساس مذهبي في “معركة مصيرية بين أهل البيت وبين النواصب”، فضلا عن حكاية الدفاع عن المراقد الدينية.
لا شك أن لهذا الحشد الإيراني الذي يقف وراء التقدم الذي أحرز، ومعه الاستمرار في برنامج الهجوم أسباب ينبغي التطرق إليها. وهنا يمكن الحديث عن ثلاثة أسباب رئيسة؛ أولها من دون شك يتمثل في الانتخابات الرئاسية الإيرانية منتصف الشهر المقبل، وحيث يعتقد قادة المحافظين أن الملف السوري له تأثيره البالغ على الوضع الداخلي الإيراني، ذلك أن التقهقر في سوريا سيمنح الإصلاحيين ذخيرة لاستخدام مناسبة الانتخابات في سياق تجييش الشارع ضد المحافظين الذين ركزوا على برنامج خارجي يثبت فشله، فيما يؤدي لعقوبات يدفع ثمنها المواطن الإيراني، ولذلك يحرص المحافظون على أن يوحوا للجمهور الإيراني بأن الوضع في سوريا مطمئن، وأنهم بصدد القضاء على المؤامرة. وهنا يلاحَظ أن الاستثمار الداخلي لما يجري في سوريا يتم بقدر من الخفة أحيانا، عبر تصوير المعركة بأنها تقترب من الحسم، بل حسمت تماما لصالح النظام “ضد الإرهابيين التكفيريين”، كما في تصريح لرئيس هيئة أركان القوات المسلحة الإيرانية قبل أيام.
السبب الآخر في هذا السياق يتعلق بالحراك الدولي فيما يتصل بالحل، إذ يعلم الإيرانيون والنظام أن الحل المقترح سيعتمد دون شك على ميزان القوى على الأرض، وحين يكون الوضع مائلا لصالح النظام، فإن ذلك سيؤثر كثيرا على المفاوضات، ولذلك يلقون بثقلهم من أجل تغيير ميزان القوى حتى لا يعتقد أحد بأن النظام مهزوم وأنه سيقبل بأي عرض، ويبدو أن طهران لا تثق كثيرا بتوجهات الروس الذين تعتقد بإمكانية أن يبيعوا بشار ضمن صفقة مع الغرب في حال وجدوا أن ذلك سيصب في خدمتهم.
السبب الثالث في هذا السياق يتعلق بمساعي إيران وحزب الله وكذلك النظام لتأمين مناطق وممرات الدويلة العلوية كخيار أخير يمكن اللجوء إليه في حال الفشل في الاحتفاظ بكل سوريا، وما يجري في القصير، والتطهير الطائفي في بانياس ينهض كدليل واضح على هذا البعد، فضلا عن تأمين خطوط التواصل بين حمص والساحل وصولا إلى دمشق. وحين يتحدث أحمد داوود أوغلو عن الخطة (ب) ممثلة في الدويلة العلوية، فهذا يعكس اتساع نطاق القناعة بوجود هذا المخطط. ولا شك أن تقدم النظام في المناطق إياها لا يخفي تقدم الثوار في عدد من مناطق أخرى رغم ما يعانونه من مشاكل، الأمر الذي ينبغي أن يظل حاضرا في ذهن المراقب حتى لا يُعتقد أن المعركة تمضي في اتجاه واحد.
كيف يمكن الرد على كل ذلك من قبل الثوار ومؤيديهم؟ سؤال بالغ الأهمية، ويبدو أن يحتاج إلى قدر كبير من التوقف، ذلك أن السبب الأهم في هذا السياق يتعلق ابتداءً بوضع الثوار على الأرض لجهة حالة الشرذمة التي يعيشونها، وهي حالة لا بد من التغلب عليها من خلال تنسيق أقوى ترعاه تركيا والدول الداعمة (وتساهم فيه الفعاليات الشعبية التي تقدم الدعم أيضا)، لكن المؤسف أن تلك الدول تعيش تناقضا فيما بينها، ولكل منها وجهته في تقديم الدعم. وإذا لم يتم التغلب على ذلك فسيكون الموقف صعبا دون شك. وفي ظني أن على أردوغان الذي بدأ يعاني من ارتدادات الأزمة داخليا (سياسيا واقتصاديا وأمنيا)؛ عليه أن يتقدم خطوة أكبر على صعيد ترتيب الوضع العسكري للثوار.
الجانب التسليحي مهم بطبيعة الحال، وإن لم يكن هو السبب الرئيس في تقدم النظام، لكن ذلك لا يقلل من أهمية تزويد الثوار بمزيد من الأسلحة، بخاصة النوعية، حتى يتمكنوا من استعادة ما فقدوه والتقدم من جديد وصولا إلى حسم المعركة، إذا لم يتم التوصل إلى حل سياسي جيد، وهو ما يبدو مستبعدا في واقع الحال.
إذا لم يحدث ذلك، أعني ترتيب أوراق الثوار وتسليحهم، فإن لعبة الاستنزاف ستتواصل إلى أمد قد يطول، مع ثقتنا بأن النهاية ستبقى هي ذاتها ممثلة في سقوط النظام، وإن كانت بخسائر أكبر لكل الأطراف، وفي مقدمتهم إيران وحلفاؤها من دون شك، فضلا عن تدمير ما تبقى من سوريا.
الدستور