2025-01-13 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

كيف تجرأت أيها البحر!

صبا مهدي نصيرات
جو 24 :
 نلهو على شاطئ البحر بألعاب صغيرة، وننظر إلى عمق الماء خائفيين ولكن رائحته تنسينا خوفنا، نستمتع عندما تداعب الأمواج أقدامنا الصغيرة، ونبني من رماله قصورا كثيرة، يجرفنا الفرح دوما عندما نعلم أن رحلتنا القادمة هي البحر القصي، ترتسم علامات التهلل على مقلتنا، نسارع لتحضير أنفسنا وألعابنا وطعامنا اللذيذ. ولكن الأمر لم يعد كذلك، فبعدما أفجعنا البحر بجريمته القبيحة الشنيعة، بعدما انتشل منا فلذات أكبادنا، لم يعد له بهجة ولا شوق فقد ألبس
تهمة المجرم وقد نفي من قلوبنا.
قد قررت أمواج البحر أن تثور على أعماقها بعدما ارتدت السماء لباس الشتاء والمطر، فقد كنا شهدنا فرحة بقدوم الغيث الذي كان لابد أن يحمل الخير والأمل، ولكن القدر سبق المطر ونزل القضاء بعدما أمر ربه فوضعت بسمتنا على الحجر، قد غدر الماء بنا وقد انقلبت الأمواج ضدنا، ولم تكتفي بذلك إلا عندما غادرت جالبة فرشة الويح بين يديها، قد أشرقت الشمس وهي تحمل معها رحلة كبيرة بعدما غفا أطفالها بفرحة غامرة ليأمروا الليل أن ينجلي بسرعة، استيقظوا بلهفة للبحر والماء، ارتدوا تلك الملابس لآخر مرة وتعطروا من تلك الزجاجة لآخر مرة و ودعوا مخداتهم لآخر مرة، لم ينسوا قبل أن يخرجوا قبلة الصباح الغامرة واستنشاق رائحة المسك التي التصقط بأمهاتهم، فهمت الأم هي الأخرى على ضمهم وحفظ رائحتهم وتوديعهم بعدما استودعتهم اللطيف، لم تكن تعلم أن الوديعة التي استودعتها عند الل قد قررت أن تعود لمالكها، لم تعلم أن تلك الوديعة سوف يطول استوداعها، فهمت بإكمال يومها دون أن تعلم، وقد ملئ قلبها بوخزات كانت تعلمها أن الوقت للأسف قد حان، انطلق الباص من باب المدرسة الذي وبدوره ودعهم أيضا، وبدأ القدر بالإقتراب والعجلات بالمسير والإسراع، وصلوا إلى تلك المنطقة المنشودة ونزلوا باستعداد للمغامرة والمتعة، فبدأ الطريق يسايرهم إلى نهايته ويرافقهم الوقت، ولكن الطريق قد التزم بوعده للموج فثار هو الآخر بطريقته، أخرج ماء من بين صخوره ابتلعت كل ما في طريقها وابتعلت تلك الأرواح الطاهرة ورمت بهم في بحر وبين موج تعطش للاستيقاظ من جديد، تعطش لأن يسقط حاله ولقبه على أرواح قد ملئت بالحياة، فقرر البحر ابتلاعهم ومص
أرواحم وعندما انتهى رماهم على شواطئه كأنهم ألعاب بالية.
لم تبقى سوى قطع قماش ممزقة من رائحتهم، وزجاجة عطر قاربت على الانتهاء، لم
يبقى منهم سوى مخداتهم التي اشتاقت لمعانقتهم ليلا، وهواتف حملت صورا و ذكريات كانت شاهدة على ما حدث، لم يبقى سوى قلب أم قد تكسر ودمع منها لا يتوقف، ندم قد أرعش يديها الدافئتين وأكل من فرحتها، لم يبقى سوى صوت أب يصرخ ويصيح في طريق انقطع ضوءه، وإخوة قد غادر أنصافهم، سوى الحزن، سوى تراب حضن أجسادهم، وفجوة خلقت بداخل كل بيت وعائلة، لم تبقى سوى مسؤولية ترمى دون مسؤول، ومن هو ذاك الذي يحمل نفسه حق تلك الأرواح ويعلقها على عاتقه، من ذاك الجريء، أم أن الأرواح هي المذنبة لأنها اشتاقت لخالقها،
أم أن القدر هو المسؤول!
  .
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير