jo24_banner
jo24_banner

حين تركت بعضا مني في الآستانة!

حلمي الأسمر
جو 24 : كتبت على صفحتي على الفيسبوك بالأمس: لم أفق بعد من الصدمة «الحضارية» التي أصبت بها بعد زيارتي لـ تركيا / أحاول منذ أسبوعين أن أتوازن، وأعود إلى حالتي الطبيعية!

حتى الآن لم يتحقق لي ذلك!

لكنني أحاول..

وكتبت أيضا: كأني تركت بعضا مني هناك في اسطنبول/ عاصمة الخلافة!

متى أعود لاسترجاعه...؟

البعض فهم ما أقول، وتداعت علي التعليقات، التي تصب كلها في الاتجاه ذاته، والرغبة في العودة إليها، أو زيارتها!

بعض آخر كتب لي يقول، كأنك لم تسافر من قبل؟ وقال بعضهم: ماذا كنت ستقول لو زرت لندن؟ ورددت تحديدا على السؤال الأخير بقولي: لا شيء، فهي لم تكن عاصمة الخلافة!

يبدو أن البعض «الثاني» لم يدرك الرسالة بعد، أو لا يعرفها أصلا، ويبدو أنهم لم يقرأوا ما قاله الأديب الفرنسي الشهير لامارتين عن اسطنبول: هناك الإله والإنسان , الطبيعة والفن كلها اجتمعت لتصنع هذه المدينة الرائعة , فعلاً أنها تستحق أن ترى !ولا ما قاله نابليون بونابرت: «لو كان العالم كله دولةً واحدة، لكانت إسطنبول عاصمتها.»

في اسطنبول، أو القسطنطينية أو الآستانة، تشعر أنك تمخر عباب التاريخ، وتتنسم عبق ماض مليء بالعزة والفخر، وأنى اتجه بصرك، ترى لمسة من جمال ساحر، أو قصة فخر، أو واقعة انتصار، هي بالنسبة لنا، ابناء هذا الشرق ليست مكانا للسياحة والتنزه وقضاء أجمل العطلات وأكثرها سحرا، وإن كانت كذلك، ولكنها تعني لنا المزيد أيضا، مما يصعب اختزاله في كلمات، وتكفي «رمزية الفتح» تحديدا لتشعر بفخر كبير، فقد كانت القسطنطينية عاصمة أوروبا، وفتحها سلطان ينتمي لك، وتنتمي له، وهنا تحديدا، تنهال على رأسك ملايين الحكايات عن سلاطين بني عثمان، الذين مثلوا في بضع مئات من السنين مجد هذه الأمة وعزتها وعنفوانها، فكانوا على رأس أكبر دولة في زمانهم، وبمجرد انتمائك لهوية هؤلاء السلاطين الحضارية والثقافية، يشعرك بوشائج قربى لكل حجر وقصر وزهرة في اسطنبول!

ترى.. لو جمعت كل تلك الوجدانيات، إلى حاضر تركي فذ وعبقري، ماذا كنت ستقول؟ و-فعلا- أي صدمة حضارية سترتطم بدماغك، خاصة وانك قادم من عالم عربي متشظ متناحر، يأكل بعضه بعضا؟

قبل أيام حينما زارنا الدكتور معروف البخيت في «الدستور» سررت حينما علمت أنه تابع ما كتبت، وزاد عليها مما يعرفه عن تركيا، فقد كان سفيرا للأردن فيها، ولم يزل يتابع مسيرتها وتطورها، وقال لي، ان «التركي» حينما يُكلف بعمل ما يجتهد في إتقانه، حتى ولو غاب عنه من كلفه بهذا العمل، ولا نريد أن نقارن!

القصة تطول فصولها، نحو اسبوع من الزمان، أتاح لك أن تلتقي «عقل» الدولة التركية، ومطبخها، وأركان حكمها تقريبا، سيصيبك حتما بما هو أكثر من الصدمة، ولولا أن يلحق الملل بالقارىء، لما توقفت عن الكتابة عن تلك التجربة المبهرة!

فالمعذرة، لأنني وعدت أن أتوقف وما بررت بوعدي!
الدستور
تابعو الأردن 24 على google news