مشروعية السؤال والموظف العام
النقد الذي يتعرض له التلفزيون الرسمي والنعوت والاوصاف التي يطلقها البعض على الشاشة الرسمية تخفي وراءها الكثير من الاحترام والعتب فلا يختلف الناس على اهمية الشاشة ومصداقيتها واسهاماتها في التنمية والتوعية والتثقيف عبر ما يزيد على نصف قرن.
تدني مستوى الرضا عن البرامج والمناداة بوقف تحصيل الرسوم من كل بيت لحسابه مرتبط بارتفاع منسوب توقعات المشاهد من التلفزيون الأردني اكثر مما هو تعبير عن تقييم المشاهد لمحتوى برامجه الحالية. ايا كانت مواقف الناس وتوقعاتهم فلا يوجد في الأردن من ينكر اهمية الشاشة الرسمية او يتناسى تاريخها. لقد كان وجود الشاشة وما يزال مرتبطا بالهوية الوطنية ومجسدا لها. منذ اكثر من خمسين عاما شاهد المواطنون عبر الشاشة الأردنية اول إشارات البث وإطلالات المذيعين وحركة عقارب الساعة قبيل نشرة الاخبار وتأملوا ابتسامات رافع شاهين وهو يشحن المشاهد بالفرح وانتظروا اخطر ريبورتاجات محمد امين التلفزيونية وسهروا طويلا بانتظار مسلسلات حسن ابو شعيرة ومنى واصف وعبدالمجيد المجذوب وهند ابي اللمع وتعرفوا على حياة الاسر الأردنية عبر اطلالات زاهية عناب.
قبل اكثر من ربع قرن كنت احد الذين تشرفوا بتقديم بعض البرامج الحوارية على شاشة التلفزيون الأردني وخلال الحلقات التي استمرت لأعوام كنا نشعر بالوجل والاحترام العميق للمشاهد فلا نغضب ولا نتحدى ولا نشكك فالمواطن هو السيد وهو الزبون وهو من نريد ان نقنع. في كل حلقة يتجدد الخوف والاحساس بعمق المسؤولية وبأهمية الفرصة الممنوحة لنا لنطل على المشاهد ونشغل وقته. لم يكن دورنا ان نلقن المشاهد او نشعره بأن نعرف ما لا يعرف او اننا عباقرة العصر.
في ذلك الزمن الجميل كان غالبية المسؤولين يعون ما يقولون ويفهمون ميدان عملهم جيدا فلا يحتاجون لإنتاج إحصاءات من لملمة ارقام مبعثرة لوضعها في سلة واحدة وربطها ربطا ركيكا بحزم وإجراءات يصعب ان ترى العلاقة بينها.
على شاشة التلفزيون الأردني وفي برنامج ستون دقيقة التي اعتادت على تقديمه المذيعة عبير الزبن أطل وزير العمل للحديث عن إجراءات وزارته في مجابهة البطالة وتفسير حزم التحفيز التي طرحتها الحكومة. في الحلقة التي أذيعت يوم الجمعة قدم المذيع حسن الكردي جملة من التساؤلات التي تتحدث عنها الصحافة والشارع لكنها وبصرف النظر عن نوعية وصدقية البيانات التي تضمنتها إلا انها لم تعجب الوزير الذي بدا عليه الغضب والانفعال.
في الإعلام هناك مقولة مفادها انه لا يوجد سؤال غبي فالأسئلة مشروعة أيا كانت صيغتها وليس من واجب المذيع ان يدقق بل عليه ان يطرحها نيابة عن الناس. ما ان أنهى المذيع مقدمته حتى حاصره الوزير بسيل من الاسئلة التي لا تخلو من الاستخفاف والتهكم فبدأ ملاحقة السؤال بسؤال وكأنه في مناظرة مع المذيع.
الإعلام سلطة رابعة تنوب عن الناس في المساءلة والوصول الى الحقيقة ولا يملك الإعلامي غير مشروعية السؤال ولا أظن ان من حقنا كضيوف أن نسلب الإعلامي هذا الحق مهما كانت مراكزنا او السلطة التي نملكها فالمشاهد زبون لدى الحكومة وهي موجودة للخدمة وليس لتأديب الناس ومحاسبتهم على أسئلتهم فكل سؤال مشروع وكل مسؤول مطالب بالإجابة.
ميزة التلفزيون الأردني أنه كان وما يزال ملكا لنا جميعا فلم يتحول لمؤسسة تجارية ولا يمكن شراء برامجه وتوجيهها، لذا ينبغي الحرص على تجويد مخرجاته ما استطعنا.