مطالب العاملين في جامعة اليرموك، هل هي مشروعة ومبررة، أم غير ذلك؟
د. محمد تركي بني سلامة
جو 24 :
في هذه المقالة سوف أتوقف فقط عند شرعية المطالب المالية للعاملين في جامعة اليرموك ، آملاً أن أتوقف عند المطالب الأكاديمية والإدارية والخدمية في قادم الأيام.
عند تأسيس الجامعة الأردنية في ستينات القرن الماضي ، فقد تم وضع نظام رواتب لأعضاء هيئة التدريس سوّى بين راتب الأستاذ الجامعي وراتب الوزير في ذلك الوقت، وكانت مكانة الأستاذ الجامعي لا تقل عن مكانة الوزير سواء على الصعيد الرسمي أو الشعبي.
وأبلغني دولة الدكتور عدنان بدران -وهو حي يرزق، أطال الله في عمره ومتَّعه بموفور الصحة- أنه عندما كان رئيساً لجامعة اليرموك (1976-1986) كان يتصل عليه رؤساء الوزارات لترشيح أساتذة جامعيين لإشغال وظيفة وكيل وزارة ، و هو ذات المسمى لأمين عام وزارة هذه الأيام، وكان يستمزج رأي بعض الأساتذة لإشغال هذا الموقع ويرفضون ؛ لأن رواتبهم كانت أعلى وامتيازاتهم أفضل، علاوةً على مكانتهم العلمية والإجتماعية في الدولة والمجتمع.
كان هذا الجيل من أساتذة الجامعات هم اللذين أسسوا لنهضة الأردن وتطوره وساهم أيضاً خريجي الجامعات الأردنية في تلك الفترة في نهضة وتقدم الكثير من الدول الشقيقة، حيث كان خريجي الجامعات الأردنية موضوع ترحيب واستقطاب سوق العمل في تلك البلاد ؛ نظراً لما يتمتعون به من كفاءات وخبرات تفوقوا فيها على أقرانهم في الدول العربية الأخرى.
كان التعليم بشقيه المدرسي والجامعي على رأس أولويات الدولة الأردنية، ولم تكن الجامعات أو العاملون فيها يعانون مما يعانون منه هذه الأيام من مشاكل مالية وإدارية وتشريعية وغيرها.
ثم بدأت المسيرة بالإنهيار ، والإهتمام بالتعليم يتراجع على سلم أولويات الدولة الأردنية، إلى أن وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم من إشكاليات يطول شرحها، ولكن من المحزن اليوم أن نجد موظفة في أحد الهيئات المستقلة تتقاضى راتب يفوق راتب أستاذ جامعي أمضى ما يقارب نصف عمره في الدراسة والتدريس والبحث العلمي.
العاملون في جامعة اليرموك وجل العاملين في الجامعات الأردنية يطالبون اليوم بتحسين ظروفهم المعيشية من خلال شمولهم بالزيادات على الرواتب التي أعلنتها الحكومة؛ إستجابةً للتوجيهات الملكية السامية بالتوقف عن فرض المزيد من الضرائب وإقرار زيادة على رواتب العاملين في القطاع العام لتحفيز النمو الإقتصادي.
و إذ إن العاملين في الجامعات لم يحصلوا على زيادات في رواتبهم منذ ما يزيد عن عشر سنوات، وفي ظل ما نعيشه من إرتفاع في الأسعار وغلاء المعيشة و التضخم ، وارتفاع تكاليف الحياة فإن زيادة العاملين في الجامعات تصبح مطلباً مشروعاً ومبرراً ولا يمكن الإعتراض عليه، أما مقولة أن الجامعات مستقلة مالياً وإدارياً وأن زيادة رواتب العاملين فيها مسألة خارج ولاية الحكومة، فإن هذه الإستقلالية الشكلية هي كلمة حق يراد بها باطل، إذ بدون التوجيه والدعم الحكومي للجامعات لا يستطيع القائمون على هذا الجامعات إتخاذ أي قرار مالي
و خصوصاً أن الغالبية الساحقة من هذه الجامعات تعاني من المديونية والعجز المزمن، وإذا كان العاملون في جامعة اليرموك لهم قصب السبق وهم أول من دق ناقوس الخطر وبدأوا الحراك المطلبي لتحسين أحوالهم فإن هذا يسجل لهم لا عليهم، فاليرموك زاخرة بالطاقات والإمكانات ، ووظيفة الإستاذ الجامعي أن يقود المجتمع ويعمل على تغييره نحو الأفضل ويسعى للدفاع عن هموم وطنه ويعمل على إيجاد الحلول لمشاكله، فإذا لم يدافع عن نفسه وعن حقوقه، فكيف سيدافع عن مجتمعه وأمته ففاقد الشيء لا يعطيه.
وإذا كان مطلوب من الجامعات الأردنية أداء رسالتها على الوجه الأكمل في التعليم والبحث العلمي وخدمة وتنمية المجتمع المحلي، والمنافسة مع الجامعات العربية والعالمية، ورفع تصنيفها ، فإنه لا يمكن للجامعات أن تحقق هذه الأهداف النبيلة دون أن يتم تهيئة كل الظروف المناسبة لها، خصوصاً وهي تواجه مشكلات مالية وقانونية وإدارية وغيرها فكيف للجامعات أن تحلق في سماء العالمية دون أجنحة؟، وهل يمكن أن نستمر في التغني بالتعليم ودعم الجامعات والواقع يثبت العكس تماما؟.
وختاماً فإننا نؤكد اعتزازنا بكافة الجامعات الأردنية وكافة القائمين عليها من أكاديميين وإداريين، ونؤكد حرصنا الدؤوب على سمعتها ومكانتها، ونأمل أن تجد هذه الأفكار آذاناً صاغية وعقولاً واعية تؤمن بأنه لا تنمية ولا تقدم ولا إستقرار دون إيلاء التعليم والجامعات الدعم والرعاية، ومن يقول غير ذلك فإنه يغرد بعيداً عن المنطق والحق والحقيقة، وللحديث بقية في قادم الأيام بحول الله.