لدولة المختطفة.. حيتان تتقاسم ثروات البلاد وشركات تصارع افلاسها
ايهاب سلامة
جو 24 :
يجب أن نعلنها بالفم الملآن، بأن الدولة حرفياً مختطفة، من شلة الأنس ذاتها، وتوزّع مقدراتها محاصصة بين حيتان لا يعرفون الله، ولا يحلّلون ولا يحرّمون..
شبعوا، وجاع الشعب .. أتخمت كروشهم وأرصدتهم، وأفلس المواطن الغلبان وجاع.. بلعوا مقدرات الدولة وحدهم، بعطاءاتها وأعطياتها، ولم يبقوا للغلابة حتى الفتات..
ثم يسألونك :
من يؤجج الناس؟ من أخرجهم عن طورهم؟ وما الذي يحرضهم على النفور من دولتهم والوصول حد الكفر بانتماءاتهم وولاءاتهم؟
حين يتحول الوطن الى مزرعة، يرتع فيها العجول السمان وحدهم، يقطف ثمارها العجول السمان وحدهم، ويموت الفقراء بجوعهم وقهرهم.. تتحول الدولة الى غابة، يأكل فيها القوي
الضعيف، وتنهب خيراتها وثمراتها ومقدراتها.
حين تُقسّم مشاريع الدولة بعطاءاتها وملياراتها، على متنفذين بعدد أصابع اليد الواحدة، وتُترك الاف الشركات والمؤسسات التي "لا ظهر لها"، تواجه مصيرها وافلاسها، فنحن ندفع باتجاه اسقاط الدولة، بصمتنا وتواطؤنا، وعدم تدخل من يجرؤ منا على التدخل لاصلاح الفساد المتراكم الحاصل.
الأكثر بذاءة من الحيتان ذاتهم، أذنابهم من المرتشين والمداهنين السفلة، شلل القطاريز المأجورين الذين يستميتون بالدفاع عنهم بثمن بخس كما ضمائرهم. ويعتاشون على بقايا رمم نهشتها أنياب سادتهم..
انهم يمارسون القوادة السياسية والاقتصادية على وطن.. لم يبقوا منه وفيه لا وطناً ولا ما يحزنون..
انهم يمارسون الشذوذ السياسي علناً، وفي أخس تجلياته، ورخاصته، وقرفه..
ويطلون علينا بوجوههم التي نبغض رؤيتها..
يرتدون أقنعة الوطنية الزائفة التي نفرّوا سمانا منها ومنهم، ويستهبلون على شعب لم يعد يجد من يدافع عنه ولا هو قادر بالدفاع عن نفسه..
نحن اليوم، نبحث عن جهة، أية جهة، عن شخص، أي شخص، يخلصنا ويخلص الدولة من فساد ساد في البلاد دهراً طويلاً، قسّم الدولة الى سادة وعبيد، لاقطاعيين وخدمة، لمليونيرات، ومدانين فارين مهجرين..
كفاكم نهباً.. فما بقي للصبر من رصيد في قلوبنا المثخنة البائسة.
كفاكم .. فلم يبق في البلاد من ضرع الا وجففتموه، ومن زرع الا ويبستموه، ومن عزيز الا وأذللتموه ..
على من يزعمون أنهم يحرسون الدولة ومقدراتها، أن يكونوا على قناعة تامة ومطلقة، أن بلادنا لن ينصلح حالها يوماً دون وقف عصابات البزنس عند حدها.
ودون توزيع عادل لمشاريعها وعطاءاتها، على شركات لم تعد قادرة على دفع فواتير مياهها وكهربائها، لينال الفقراء العاملون بدماء جبينهم لقمة تليق بكرامتهم، فنحن نقود البلاد نحو الهاوية..
* * *
قبل شهور، زارني أحد المقاولين الأصدقاء الذين كانوا قبل زمن من كبار المقاولين المعروفين .. بكى أمامي بكل انكسار وحسرة، وأخبرني أنه لم يعد يجد كسرة عطاء من مخلفات الحيتان التي تحتكر السوق، ليسد بها رمق موظفيه وأسرته!
المصيبة، أن الدولة تعي ذلك جيداً، وتعي أن مثل صديقي المقاول "مثايل"، مثلما تعي أن الصمت على ذات الحيتان المتنفذين من هذا وذاك، لا يكون الا خوفاً، أو بمقابل !، والا، لما سيطرت شلة الانس ذاتها على جميع القطاعات الاقتصادية في بلادنا واستخوذت عليها، وتركت الاف الشركات والمؤسسات عاطلة عن العمل، تواجه مصير افلاسها !
المصيبة الأكبر، أننا نبحث عمن يقرع الجرس، ولا نجد أبداً .. ونصرخ، ولكن : لقد اسمعت اذ ناديت حياً .. !