الملك عبدالله الثاني لطلبة جامعة اليرموك: " أنا يساري في التعليم"
د. محمد تركي بني سلامة
جو 24 :
في زيارة الملك عبدالله الثاني لطلبة جامعة اليرموك أثناء حضور جلسة توعوية عن البرنامج الوطني للتشغيل "انهض" تحدث الملك عبد الله الثاني للطلبة بلسان صريح و قال: أنه يعتبر نفسه وسطي, يميل إلى اليمين في السياسات و الدفاع , ويميل إلى السار في التعليم و الصحة.
زيارة و حديث جلالة الملك عبدالله الثاني مع طلبة جامعة اليرموك فيها دلائل و عبر و رسائل أهمها أن التعليم من أهم واجبات الدولة الأردنية, و هذا ما سبق و تحدث عنه جلاللة الملك في الورقة النقاشية السابعة و التي جاءت تحت عنوان: بناء قدراتنا البشرية و تطوير العملية التعليمية جوهر نهضة الأمة.
إن الرؤية الملكية السامية للتعليم باعتباره رأس مال الدولة و المجتمع , و الطريق الأوحد و الأمثل نحو المستقيل الزاهر, يستلزم أن تعمل الحكومة على ترجمة الرؤى و التوجيهات الملكية المتماهية مع التطلعات الشعبية الى واقع ملموس , و ذلك باعتبار التعليم على رأس أولويات الدولة الأردنية ,و هذا يستلزم دعم الجامعات الأردنية , و العمل على إيجاد حلول عملية لكافة مشاكلها المالية و الإدارية والاكاديمية و غيرها.
المديونية هي واحدة من التحديات الكبيرة التي تعاني منها معظم الجامعات الرسمية نتيجة أسباب كثيرة لعل أهمها ارتفاع كلفة التعليم و انخفاض قيمة الرسوم, إضافة إلى مشكلة الجسيم التي باتت مصدر قلق لكثير من الجامعات, ونكرر بما لا يدع مجالا للشك بحق ابناء القوات المسلحة والاجهزة الامنية بالتعليم المجاني كون هذا اقل ما يمكن ان يقدم لمن ضحوا وخاطرو بأرواحهم للمحافظة على وطننا امنا مستقرا , ولكن على الدولة ان تتحمل نصيب الاسد من المسؤولية المالية وليس تحميلها بالكامل للجامعات منفردة . كما ان الجامعات وهي على وشك الافلاس لن تتمكن من تقديم تعليم نوعي لطلبتها اذا ما اضيف لها كلفة الجسيم . تقدر مديونية كافة الجامعات الرسمية المدنية بما يقارب 120 مليون دينار, و إذا كانت ميزانية الأردن في العام 2020 تصل إلى ما يقارب 10 مليار دينار فإن سداد مديونية الجامعات مسألة في غاية السهولة اذا ما علمنا ان المديونيه في عهد الحكومة الحالية زادت مليارات الدنانير, وبذلك يسجل لحكومة النهضة أنها أولت التعليم جل اهتمامها وكان من انجازاتها سداد مديونية الجامعات بعد ان عجزت عن الغاء مؤسسات لا مبرر لوجودها , وفيها رواتب فلكية لموظفين ينفق على أكثرهم أكثر بكثير مما يستفاد منهم , حيث تتقاضى موظفة حاصلة على درجة البكالوريوس بتقدير مقبول راتب يفوق راتب رئيس الجامعة التي تخرجت منها . ناهيك عن الانفاق الترفي غير المبرر بعشرات الملايين على مشاريع وهمية , فيما يستكثر على العاملين في الجامعات بضع دنانير لسد احتياجاتهم الانسانية , الا بئس تفكيرهم وتبت اياديهم اذا وقفوا في وجه مطالب من علمهم في هذه الجامعات .
لا نطلب من حكومة الرزاز ان تنفق على التعليم مثلما تنفق على الصحة والذي يقارب انفاق بعض الدول الاوروبية وفق تصريحاته الاخيرة, ومن أراد ان يتأكد من دقة هذه المعلومة ندعوه للاطلاع على مقالة استاذ الصيدلة في جامعة العلوم والتكنولوجيا الدكتور قيس محمد العيفان والمنشورة بتاريخ 26- 12- 2019, وعليه فإننا لا نريد من حكومة النهضة ان يكون إنفاق الأردن على التعليم مشابها لإنفاق الدول الاوروبية , ولكن نريد إنفاقا على التعليم مشابها لإنفاق الدول القريبة منا مثل سوريا ولبنان وتركيا واليونان وغيرها.
أما الجامعات التي لا تعاني من مديونية فانها تعاني من مشكلات وتحديات إدارية وقانونية وأكاديمية لاتقل صعوبة عن المديونية, ولم يعد خافيا على احد ان ما يحدث ويمارس في بعض الجامعات هذه الأيام هو مهزلة, بكل ما في الكلمة من معنى, ولم يعد من المقبول باي حال من الأحوال ان تستمر الاوضاع في الجامعات على ما هي عليه الان, فأصبح التغيير والاصلاح ضروره ومصلحه تمليها الظروف التي تعيشها بعض الجامعات, وبدون ذلك فإن جامعاتنا لن تتمكن من أداء رسالتها على النحو المطلوب و مواكبة التطوير والتحديث الذي يشهده العالم من حولنا.
و إيمانا منا بضرورة وحتمية المشاركة وتحمل المسؤولية في إحداث الإصلاح المنشود, وتحمل مسؤولية مواجهة الذين يخشون التغيير, ويقفون في وجه كل دعاه الاصلاح والتغيير نحو الافضل , فقد كان للعاملين في جامعه اليرموك قصب السبق في الدعوة للإصلاح والنهوض بالجامعة , وذلك من خلال المطالبة بمجموعة من الحقوق الوظيفية المهضومة التي لا ينكرها عاقل, و بعضها ناله العاملون في الجامعات الرسمية الأخرى منذ زمن بعيد, ومن أجل هذه الأهداف النبيلة تم تشكيل لجنة متابعة من العاملين في الجامعة تعمل بالأساليب الديمقراطية السلمية , وفق حوار حضاري كفله الدستور الأردني والشرائع السماوية, و هذه المطالب الوظيفية لا ترتبط بأي أجندة سياسية داخلية أو خارجية, ويؤكد المطالبين بهذه الحقوق على الولاء للأردن والقيادة الهاشمية الفذة, والحفاظ على نعمة الأمن والأمان , والإيمان بقيم العدالة والمشاركة والمواطنة الصالحة.
إن أي محاولات لشيطنة مطالب العاملين في جامعة اليرموك او لجنة المتابعة لهذه المطالب, و أي محاولات للالتفاف على هذه المطالب او إدارة الظهر لها, أو إغلاق أبواب الحوار أمام اللجنة المكلفة بالحوار مع ادارة الجامعة , ستؤدي حتما إلى رد فعل مباشر من العاملين في الجامعة, وسندخل في دائرة الفوضى و اضاعة الوقت والجهد مما يضر بالمصلحة العامة.
إن تقييم نجاح أي عمل مرهون بأهدافه, وإن أهدافنا واضحة و لا لبس فيها , كما أن أبجديات الحوار الجاد المثمر هو أن يكون بين طرفين, و عدد محدود من المتحاورين في اجواء هادئة , و إن أي حوار مفتوح مع الآلاف من الأشخاص هو حوار فاشل قبل ان يبدأ , ونرى ان حوارا كهذا من شانه ان يزيد الوضع تازيما وتعقيدا .
إن الأعين في كافة الجامعات الاردنيه ترقب اليرموك , واننا نعمل أن يكون حراك اليرموك إيذانا ببزوغ فجر جديد على كافة الجامعات الاردنية, فتنهض وتستعيد مكانتها وألقها في طليعة الجامعات العربية والعالمية , نعرف وندرك جيداً أن الطريق الذي اخترناه له كلفة, ونعلم أنها رحلة طويلة وشاقة, ولكن طالما أننا نذرنا أنفسنا لهذه المهمة فلن نضعف ولن نساوم , وسنواجه كل الضغوط والتحديات بثبات, مستمدين العزم من ثقة الزملاء في جامعة اليرموك , والذين أثبتوا على الدوام أنهم جديرون بما هو أفضل , فهم ابناء اليرموك الاوفياء , والأحرص على سمعة ومكانة الجامعة, ومصالح البلاد والعباد .
وختاماً , فإننا نحيي ونثمن مواقف الإعلام الحر المهني الذي انحاز للحقيقة , وكل من كان له موقف او كلمة تجاه حراك اليرموك الحضاري الديمقراطي السلمي .
حفظ الله الأردن وقيادته الهاشمية الفذة, وحفظ جامعة اليرموك من كل شر, إنه نعم المولى ونعم النصير وهو على كل شيء قدير.
* استاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك
وخبير دولي في دراسات الديمقراطية وحقوق الانسان