بمناسبة حفلة الجنون الصهيونية ضد الأردن.. صورتان تلفزيونيتان تظهران أنياب الكيان وقد تكسرت
د. عبدالحكيم الحسبان
جو 24 :
ثمة تقارير إعلامية تتواتر من فلسطين المحتلة ترصد هجوما إعلاميا صهيونيا غير مسبوق على الأردن وقيادته يصل حد السعار والجنون. ومن يجيد قراءة المشهد السياسي يدرك أن الحملة الإعلامية الصهيونية ليست عفوية، وهي تبدو منسقة وممنهجة بالمطلق، وهي تتجاوز كونها مادة إعلامية شاءت الصدف أن تنشر بهذه الكثافة، كما شاءت الصدف أن تظهر كلها في هذا التوقيت. يقال في علوم السياسة أن السياسة كلها تكمن في التوقيت وليس في الحدث أو في الواقعة، وأن التوقيت هو الذي يختزل كل السياسة وشيفراتها ومفاتيحها.
الحملات الإعلامية الصهيونية ورغم تنوع مضامينها وتنوع الأقلام التي تقف وراءها إلا أنها تحاول إيصال رسالة تهديد مبطن للقيادة الأردنية مضمونها أن الدولة الأردنية كما العرش الهاشمي هما في خطر داهم إن استمر الأردن قيادة وشعبا في تبني سياسات مقاومة للخطط والمشاريع الصهيونية في المنطقة وعلى صعيد القضية الفلسطينية تحديدا. بل ويذهب الجنون الإعلامي الصهيوني حد الترويج لمقولة أن الكيان الصهيوني هو من يملك حصريا القدرة على إعادة إنتاج الكيان الأردني وعلى استمرارية العرش الهاشمي فيه. الرسالة التي يحاول الإعلام الصهيوني تمريرها هي ابتزاز مكشوف ومقايضة رخيصة للقيادة الأردنية التي يريد الصهيوني لها إن تختار بين خيارين لا ثالث لهما؛ إما الانتحار بيديها من خلال القبول بالوصفة الصهيونية المسماة صفقة القرن، وإلا واجهت الخيار الثاني وهو نزع أكياس التغذية التي يزعم الصهيوني أنها يؤمنها لاستمرارية الدولة الأردنية وبالتالي القتل بواسطة المسدس الصهيوني.
أجزم أن ما من مجموعة بشرية على هذا الكوكب تعيش منفصلة عن الواقع، وتعيش في حالة إنكار هستيري للواقع أكثر من تلك المجموعات البشرية التي جيء بها من كل أصقاع الأرض والتي سميت زورا وبهتانا بدولة إسرائيل. فالكيان الصهيوني اليوم بساسته ونخبه واكاديمييه وعسكره لم يعد ذات الكيان الذي كان غداة نشأته او غداة "استقلاله". فالكيان الذي أسسته في أربعينيات القرن المنصرم نخب علمانية وعلمية وتكنوقراطية وبراجمتية عاشت وتربت وترعرعت فكريا وإيديولوجيا في كنف الثقافة الغربية، باتت ديموغرافيته كما سياساته كما ايديولوجيته تقاد من قبل يمين ديني أرثوذكسي متطرف وعنصري عاش وترعرع ضمن نفس البيئات المشرقية التي أنتجت داعش والنصرة والقاعدة.
حالة الإنكار والانفصال عن الواقع التي بات يعيشها هذه الكيان تجعله لا يضع صورا متتابعة لتطور خريطة الكيان منذ أن نشأ حتى الآن. وكيف كانت جغرافيته، وكيف أصبحت. فذات يوم كانت مساحة هذا الكيان تبلغ أربعة أضعاف مساحته حاليا بعد أن نجح جيشها في الاستيلاء على سيناء ونصف مساحة لبنان وقطاع غزة. جغرافية الكيان تقلصت إلى الربع ليس كرما من قادة هذا الكيان ولكن نتيجة ضربات الجيوش العربية والمقاومات البطلة في لبنان وفلسطين. فاسرائيل السبعينيات والثمانينيات التي كان لها اليد الطولى في المنطقة لم تعد هي ذاتها في القرن الواحد والعشرين. والبيئة الاقليمية والدولية المواتية التي كانت تعمل إسرائيل في ظلها ومستفيدة منها لم تعد هي ذاتها.
ويمكن الجزم أنه ومنذ العام 1983 حين غزا الصهيوني شارون بيروت، لم تسجل إسرائيل أي انتصار إستراتيجي على ألأرض بل كانت تسجل سلسلة من الهزائم أمام ضربات المقاومة اللبنانية ثم الفلسطينية أدت إلى انسحاب قواتها بصورة مذلة في لبنان وفي غزة. ويكفي لبرهنة هذا الاستنتاج الإشارة إلى حربي العام 1967 حين نجحت إسرائيل في السيطرة على أراض تماثل ثلاثة أضعاف مساحتها خلال ست أيام وبفاتورة صغيرة من الخسائر، في حين أن إسرائيل ذاتها وبتسليح أكثر حداثة لم تفلح وعلى مدى 33 يوما من العدوان على لبنان في العام 2006 في الاستيلاء ولو على عشرة كيلومترات من الأراضي اللبنانية.
فالمقاومات التي نشأت في المنطقة؛ في فلسطين ولبنان والعراق غيرت كثيرا من موازين القوى في المنطقة وهي نزعت الكثير من أنياب الوحش الصهيوني. وتبدو إسرائيل اليوم مردوعة وخائفة ومترددة وتائهة بعد أن غيرت تكنولوجيا الصواريخ التي تملكها المقاومات في المنطقة موازين القوى، وبعد أن تبدلت موازين القوى على المستوى الإقليمي والعالمي. وأجزم أن القيادة المصرية تملك الكثير من القصص لتحكيها لنا عن عدد المرات التي هرول فيها قادة الكيان للتواصل مع القيادة المصرية بهدف استجدائها للتدخل لدى المقاومة الفلسطينية لوقف حمم الصواريخ الفلسطينية التي بات بإمكانها أن تجعل أكثر من نصف سكان الكيان يهرعون إلى الملاجئ.
في الحديث عن إسرائيل المردوعة والخائفة والقلقة والتي لا يمكن لها أن تخيفنا في الأردن تستحضر الذاكرة صورتان مفتاحيتان وكاشفتان لرئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو:
الصورة الأولى سجلتها كاميرات قناة السي أن أن نجمة الإعلام المرئي وموضته في تسعينيات القرن الماضي إبان حرب الخليج. في الصورة يظهر نتنياهو الشاب الواعد في السياسة والمجيد للغة الانجليزية في بث مباشر على القناة، وهو يتحدث من تل أبيب رافضا وضع قناع واق من السلاح الكيماوي الذي روج الإعلام الغربي كثيرا عن امتلاك العراق له. رباطة الجأش التي تحلى بها نتنياهو في صورته التلفزيونية وهو غير عابئ بصواريخ العراق الكيميائية في تسعينات القرن الماضي كانت رافعة مهمة لهذا الشاب كي يكتسح عالم السياسة في هذا الكيان الذي يود أن يرى دائما قائدا شجاعا ومستعدا للتضحية في سبيل كيانه.
الصورة الثانية: سجلتها هذه المرة عشرات كاميرات وتكررت مرتين على مدى شهرين: رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يوصف بأنه ملك إسرائيل غير المتوج بالنظر لطول الفترات التي حكم فيها، يضطر وهو في قمة الاضطراب للهرب برفقة زوجته وأمام الكاميرات بحثا عن ملجأ أو مخبأ يحميه من صواريخ المقاومة الفلسطينية. فنتنياهو الذي أظهرته الكاميرات في تسعينيات القرن الماضي غير عابيء وغير آبه بالصواريخ العربية التي كان يعتقد أنها مجرد خردة، اضطر هذه المرة لأن يهرب لان هذه الصواريخ التي لم تكن تخيف صارت بالفعل تخيف وترتعد لها الفرائض.
في الأردن علينا قراءة التهديدات الصهيونية ليس من باب الخوف منها، ولكن من باب التيقظ والتنبه للنوايا الصهيونية التي أجزم أنها باتت عاجزة بأدواتها الذاتية عن إثارة خوفنا بالنظر إلى عناصر القوة الكثيرة التي يملكها الأردن قيادة وشعبا في مواجهة هذا الكيان، وبالنظر إلى حالة الضعف والوهن التي تراكمت في جسد هذا الكيان وأصابته في مقتل. فإسرائيل لم تعد تلك الاسرائيل التي عرفناها، والأردن الذي كان في أربعينيات القرن الماضي يملك ميزانية ممولة بالكامل من خارج حدوده، هو الأردن الذي وصل الناتج القومي فيه إلى أكثر من أربعين مليار دولار، وهو الأردن الذي يملك جغرافيا سياسية تجعله يجلس قويا على كتف الجزيرة العربية بما تملكه من ثروات إستراتيجية، كما تجعله يطبق بيديه على رقبة الكيان الصهيوني ليخنقها ساعة يقرر.
في مواجهة الكيان الصهيوني وقوى هذا الكيان الذاتية أجزم أن الأردن قلعة عصية، ولكن الحذر كل الحذر ينبغي أن يتجه نحو تلك الشقوق والتشققات في الداخل الأردني من فساد وهويات ضيقة جهوية وعشائرية وشللية يمكن للصهيوني أن ينفذ ويتسرب منها.