دخانك.. إذا لم يؤذيك فإنه يقتلني !
رسالة بريئة بخط جميل ومشاعر حقيقية وضعتها طفلة لم يتجاوز عمرها العشر سنوات في جيب والدها ، كان لها الأثر الكبير في تأكيد رغبة عصية لديه على ترك التدخين نهائيا وبدون رجعة .
قالت له " أبي العزيز، الأمونيا مادة تستخدم في صناعة المنظفات ، ( دي دي تي ) مبيد حشري يمنع استخدامه ، البولونيوم مادة مشعة تسبب السرطان ، النيكوتين والإيتان وأول اكسيد الكربون وأول أكسيد الفحم غازات سامة .."
وأكملت :" أبي الحبيب هذه الأسماء ليست لمواد درستُ عنها في حصة العلوم فقط ، إنها بعض مكونات السجائر ، هذه اللفافات الورقية التي نكرهها ونتمنى اختفاءها ، اتخيلها كالسكين الموجه ضدك . " .
قالت له :" كم أحزن عندما أراك تشعل سيجارة حيث يسارع شبح دخانك الرمادي ليلتف حولك فأتخيله غولا يحاول أن يخطفك من بيننا،"... " أرجوك يا أبي أن تترك هذه السجائر اللعينة ؛ نحن نحتاجك معنا سليما معافى ، لتفرح فينا وبنجاحنا ، أنا متأكدة من أنك تحبنا ، وانك قوي جداً ولن يصعب عليك ترك هذه السجائر الكريهة ."
هذه الطفلة الجريئة ذيلت رسالتها بعبارة فيها نوع من التحدي وقالت : " لا تترك التدخين لأعرف أنك لا تحبني ".
بدأ والدها التدخين منذ كان في الثامنة عشرة من عمره ولم يفكر يوما بتركه ، فلطالما اعتبر أن السيجارة تعدل "المزاج "، وتريحه اذا اصيب بتوتر ، كما أن سيجارة واحدة بعد وجبة لذيذة او مع فنجان من القهوة تستحق المغامرة ، قال لها بأنه يحبها كثيرا وأنه يتمنى ترك التدخين وسيفعل ما بوسعه للإقلاع عنه نهائيا .
تم تصنيف المدخن عالميا بأنه مدمن يحتاج إلى علاج طبي لمساعدته في الإقلاع عن التدخين حيث أن التدخين مرض وليس مجرد عادة سيئة وفق ما كان قاله لي الدكتور فراس الهواري رئيس شعبة أمراض الرئة والعناية الحثيثة في مركز الحسين للسرطان .
حاول والدها أن يستبدل نوع السجائر التي يفضلها بنوع آخر يحتوي على نسب أقل من النيكوتين والقطران في محاولة للتخفيف من الأضرار المتوقعة, إلّا أنه ثبت علميا أن الأنواع الأخرى السامة الموجودة في السيجارة تصل الى حوالي 4000 مادة سامة غير معلن عنها.
قال لي أحدهم أنه قرر التخفيف من التدخين عندما أنجبت زوجته طفلهم الأول ، والإمتناع عنه داخل المنزل على الأقل، لأن التدخين- كما قال - يسبب الموت المفاجيء للرضّع ، كان إذا ما اضطر لسيجارة يلجأ إلى إحدى نوافذ المنزل ليدخنها،إلى ان أصيب بنزلة برد اظهرت إصابته بأمراض في الرئة اضطر على اثر ذلك الى ترك التدخين فترة تجاوزت الثلاثة أشهر، إلّا أنه وبجلسات الأصدقاء التي لا تخلو من السجائر عاد مكرها إلى التدخين .
ظهرت في الممكلة منذ مدة ليست قصيرة عيادات للمساعدة على الإقلاع عن التدخين سواء في مركز الحسين للسرطان أو في وزارة الصحة أو حتى القطاع الخاص.
يؤكد العاملون في تلك العيادات على ضرورة ابتعاد من أقلع عن التدخين حديثا عن كل ما من شأنه أن يُذكره بالسيجارة مثل التدخين أمامه أو حتى شرب القهوة اذا ما ارتبط ذلك بالسيجارة مثلا .
لقد وصل الأمر إلى الطلب من عائلته إبعاد منافض السجاير من أمامه ؛ اذ قد تشجعه على العودة الى التدخين ناهيك عن ضرورة إشغال يديه بشيء ما كالكتابة أو الموسيقى.
مجموعة أطباء القلب الأردنية للأبحاث كانت أجرت دراسة طبية على عينة من المدخنين وغير المدخنين في عمان اشارت الى أن المدخن يعرّض نفسه لجلطة قلبية مبكرة قد تودي بحياته ، حيث اكد استشاري امراض القلب والشرايين الدكتور ايمن حمودة أن التدخين يعجل الإصابة بالجلطة القلبية التي قد تكون قاتلة, مبينا أن الدراسة أكدت إصابة مدخنين بالجلطة في أعمار بدأت من 17 سنة .
وعلى الرغم من أن غالبية المدخنين وفقا للدراسة كانوا من الرجال إلّا أن 3 من كل 10 مدخنين كنّ من النساء , ولم يكنّ أوفر حظا من الرجال فقد تعرضن للإصابات الخطيرة في عمر الزهور وحرمهن التدخين من وقاية هرمون الإستروجين ومن وقاية الكوليستيرول المفيد التي تتمتع بهما المرأة غير المدخنة .
إن تصنيف منظمة الصحة العالمية للأردن مؤخرا كثالث اسوأ دولة لانتشار التدخين بين فئة الإناث لدول اقليم الشرق الأوسط, وخامس أسوأ دول الإقليم لإنتشار التدخين لفئتي الذكور والاناث ، بمثابة صفعة على الوجوه ينبيء بوجود خلل ما في سياستنا نحو مكافحة التدخين .
وبعد ،ماذا ننتظر؟! إن هذا الوباء يفتك بأبنائنا ونحن ننظر اليه .. هو رجاء إلى الجهات ذات الصلاحية لتكثيف الجهود وتشديد العقوبات على كل من يساهم في إنتشار التدخين وخاصة بين فئة الشباب . وهي دعوة وتمني لكل العاملين من أجل أردن خال من التدخين إلى مراجعة ما قمنا به وتقييمه والبحث عن موطن الخلل لإيجاد حلول موضوعية قابلة للتطبيق .
ولكل مدخن أقول :" اتق الله في صحتك وصحة من حولك ، وإذا كنت تعتقد أن التدخين لا يؤذيك فأنا على قناعة كبيره بأنه يقتلني ويقتل أطفالي !" .