الأغوار الشمالية.. حملة فلسطينية ضد خطة السلام
في قرية أم القِبا الفلسطينية بالأغوار الشمالية، انشغل أصحاب الأرض منذ صباح اليوم، ومعهم عشرات النشطاء الذين كسروا الحواجز الإسرائيلية وتمكنوا من وصولها، بحراثتها وزراعتها ببذور القمح رغم الموسم الزراعي الذي تهدده عادة تدريبات الجيش الإسرائيلي وذخيرته الحارقة للتربة والمحاصيل.
وتعتبر أم القبا واحدة من 17 خِربة أو تجمعا صغيرا تابعة لمنطقة المالح في الأغوار الفلسطينية الشمالية شرق مدينة طوباس على الحدود الشرقية للضفة الغربية. وهي المنطقة المستهدفة من الخطة التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب مساء أمس، إذ اعتبرت الأغوار حدودا شرقية لدولة إسرائيل، وقررت ضمها وبسط السيادة الإسرائيلية عليها.
يقول مسؤول ملف الأغوار في محافظة طوباس معتز بشارات إن أم القبا تمتد على ألفي دونم زراعي، وهي جزء من 180 ألف دونم من مساحة الأغوار الشمالية حوّلتها إسرائيل إلى مناطق عسكرية، إلى جانب نحو60 ألف دونم أغلقها الاحتلال وأعلنها محميات طبيعية.
وفي الشهور الأخيرة بنىمستوطنون إسرائيليونبؤرةً استيطانية جديدة على الجهة الشرقية لأم القبا، وردا على ذلك شارك نشطاء من اللجان الشعبية وهيئة مقاومة الاستيطان الأربعاء في فلاحة أراضي المنطقة وزراعتها "لمواجهة خطة ترامب ونتنياهو" أيضا، كما أوضح بشارات.
فلسطينيون يرفعون الأعلام في مواجهة الجيش الإسرائيلي على أراضي الأغوار المهددة بالضم الإسرائيلي(الجزيرة) |
وقال بشارات إن "حملة حماية الأغوار" ستصل إلى كل نقطة فيها وسنقطع الطريق على المستوطنين لمنع السيطرة على أراض أخرى، وإزالة البؤر القائمة.
الأغوار في الصفقة
وتعتبر الصفقة التي أعلنت تحت عنوان "خطة السلام" منطقة الأغوار، التي تشكل أكثر من ربع مساحة الضفة الغربية، منطقة "حاسمة للأمن القومي لإسرائيل، وستكون تحت السيادة الإسرائيلية"، حسب نصها.
والخطة التي تؤيد قرار الحكومة الإسرائيلية ضم الأغوار بدعوى أنها "الحدود الشرقية لدولة إسرائيل"، تنص أيضا على "استمرار العمل في المشروعات الزراعية التي يسيطر عليها الفلسطينيون دون انقطاع"، على أن يتم ذلك "بموجب تراخيص أو عقود إيجار مناسبة تمنحها دولة إسرائيل".
يقول بشارات إن الاحتلال يسيطر حاليا على 88% من مساحة الأغوار عبر تقسيمها إلى مناطق عسكرية مغلقة ومحميات طبيعية أو مستوطنات زراعية، وهذا أدى إلى بيئة طاردة أدت إلى تهجير أكثر من50 ألف فلسطيني منذ احتلالها عام 1967.
ويعيش في الأغوار الشمالية حاليا نحو 11500 ألف فلسطيني في 27 تجمعا لا تتعدى مساحتها 18 ألف دونم، وجميعها تسلمت إخطارات إسرائيلية بالإخلاء، مقابل 300 ألف دونم يسيطر عليها الاحتلال بشكل كامل بما فيها أحواض المياه التي تغذي الأراضي المحيطة من ضمنهاالتجمعات الفلسطينية.
يقول بشارات إن ضم الأغوار يعني عزلها الكامل عن امتدادها الفلسطيني في الضفة الغربية، وطرد العائلات الفلسطينية صاحبة الأراضي والتي تتوارث وثائق ملكيتها. إلى جانب بسط نظام من المعابر والحواجز يمنع دخول أي فلسطيني إليها.
نشطاء فلسطينيون وصلوا خربة أم القبا بالأغوار الشمالية لمساندة مزارعيها ضد التوسع الاستيطاني(الجزيرة) |
ويرفض أهالي الأغوار، كما قال بشارات، مبدأ الحصول على تراخيص إسرائيلية للوصول إلى أراضيهم التي يملكونها ويزرعونها، أو أن يتحول الفلسطيني إلى "أجير (مستأجر) في أرضه".
وتمتد الأغوار الفلسطينية عامة، حسب المركز الوطني للمعلومات، من بيسان جنوبا حتى صفد شمالا، ومن عين جدي حتى النقب جنوبا، ومن منتصف نهر الأردن حتى السفوح الشرقية للضفة الغربية غربًا. وتبلغ المساحة الإجمالية للأغوار 720 ألف دونم.
وتكمن أهمية الأغوار العظمى في كونها منطقة طبيعية دافئة وخصبة يمكن استغلالها للزراعة طوال العام، كما تتربع فوق أهم حوض مائي في فلسطين.
قُسّمت الأغوار حسب اتفاق أوسلو للسلام (1993) إلى مناطق تخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية ومساحتها 85 كلم بنسبة 7.4% من مساحة الأغوار الكلية، ومناطق مشتركة بين السلطة وإسرائيل ومساحتها 50 كلم بنسبة 4.3%، ومناطق تخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة ومساحتها 1155 كلم، وتشكل الغالبية العظمى من منطقة الأغوار، بنسبة 88.3%.
وحتى عام 2015، أقيمت على أراضي الأغوار 31 مستوطنة إسرائيلية غالبيتها زراعية، ويسكنها 8300 مستوطن. أقدمها مستوطنات "ميخولا" و"مسواه" و"يتاف"، التي أنشئت عام 1969.
ويسمّي الفلسطينيون الأغوار "سلة الغذاء" حيث تشكّل 50% من إجمالي المساحات الزراعية في الضفة الغربية، وفيها ينتج 60% من إجمالي الخضروات.
الضم وخسائره
في قراءة أولية للخطة الأميركية الأخيرة، يقول مدير معهد أريج للبحوث التطبيقية في بيت لحم جاد إسحاق إن الخطة تطرح خرائط وتفاصيل بمساحات الأراضي التي سيتم ضمها وطرد الفلسطينيين منها أو عرض مبادلتها مع السلطة الفلسطينية كمنطقة المثلث في الأراضي المحتلة عام 1948.
جنود إسرائيليون يقمعون نشطاء فلسطينيين وصلوا لمساندة مزارعين من خربة أم القبا في زراعة أراضيهم(الجزيرة) |
وإلى جانب أراضي الأغوار الشمالية وتجمعاتها السكنية، يقول إسحاق إن الخطة الأميركية وقرار الضم الإسرائيلي سيعنيان حرمان الفلسطينيين من حقهم في مياه البحر الميت (على الحدود الفلسطينية الأردنية)، وحقوقهم كدولة مُشاطئة للشق الغربي من نهر الأردن، وحقوقهم في أراض زراعية على مساحة 61 ألف دونم مستخدمة في تلك المناطق.
ويقدر مدير "أريج" الخسائر الفلسطينية التي ستنجم عن عزل وضم هذه الأراضي بنحو 2.5 مليار دولار سنويا. وهذا سيفوق المنح التي تعرضها الخطة للفلسطينيين والتي يقدر إجماليها بـ50 مليار دولار.
يقول إسحاق إن الأغوار تعتبر رئة الضفة الغربية التي يخطط الفلسطينيون للتوسع عبرها زراعيا وسكانيا، وبسبب الخطة الأميركية سيقع هؤلاء في أزمة توسع سكاني بسبب حشرهم في مناطق مقطعة عن بعضها بعضا في الضفة الغربية وغزة، إلى جانب مناطق نائية جنوب القطاع يُخطط لتكون مناطق صناعية.
يقول المسؤول في اللجان الشعبية المقاومة للاستيطان صلاح الخواجا إن خطة ترامب ليست سوى ترسيم لمخططات الاحتلال التي بدأت منذ احتلال عام 1967، عندماضم ما تبقى من شرقي القدس واعتبر المدينة كاملة عاصمة موحدة لإسرائيل، بالتزامن مع تعزيز الاستيطان وسرقة الأراضي في الضفة الغربية، ثم بناء جدار الفصل العنصري على حدود الضفة الغربية الذي صادر19% من أراضيها التي كان من المفترض أن تصبح أراضي الدولة الفلسطينية.