إستراتيجية وطنية لمواجهة صفقة القرن
تعدُ القضية الفلسطينية من أبرز الثوابت الوطنية الأردنية "قيادة وشعبا"، ولعل الرفض التام لأي مشاريع صهيو أمريكية لتصفية القضية، والمساس بالمقدسات الإسلامية والمسيحية في الأراضي العربية المحتلة من مظاهر هذه الثوابت. حيث يقف الشعب الأردني على اختلاف مشاربه الفكرية والعقدية خلف القيادة الهاشمية التي ترجمت رفضها بـــــ "اللاءات الملكية الثلاث" حول التوطين والوطن البديل والقدس، رفضاً لأي إجراءات أحادية تستهدف تغيير الوضع القائم في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
سؤالٌ يطرح نفسه والحالة هذه: هل نكتفي برفض صفقة القرن من خلال الخطابات والمهرجانات الجماهيرية؟ أم أننا نحتاج إستراتيجية وطنية تسهم في إعاقة تحقيق الصفقة لأهدافها؟ وفي تمتين جبهتنا الداخلية؟!.
تتضمن الإستراتيجية المقترحة لإعاقة الصفقة المشؤومة؛ أهدافاً مجدولة للحكومة، ولمؤسسات المجتمع المدني، وعناصر للتنشئة السياسية بكافة مكوناتها، فالحكومة مطلوب منها أن تتبنى برنامجا حقيقياً للإصلاح السياسي الشامل يتضمن تحولاً ديمقراطياً حقيقياً؛ يبدأ بتعديلات دستورية تسمح بتداول السلطة من خلال برلمان يعكس إرادة الشعب، ويفضي إلى حكومة وطنية يختارها ممثلو الشعب، وفقاً لمنهجية وطنية بعيدة عن تشكيلات "التكنوصحاب" التي ابتلي الوطن بها منذ السنين.
كما أن على الحكومة إتاحة المجال أمام جميع القوى الوطنية للتعبير عن رأيها، وممارسة حقوقها الدستورية في العمل الديمقراطي، والحراك السلمي للدفاع عن الوطن وعن قضيته المركزية؛ وذلك لإيجاد حالة مستدامة من المقاومة الشعبية الداعمة للقيادة في موقفها التاريخي الرافض للهيمنة الصهيوأمريكية على المنطقة.
أما مؤسسات المجتمع المدني؛ وخاصة الأحزاب السياسية والنقابات المهنية؛ فمطلوب منها أن تتبنى برنامجاً للتعليم والتثقيف الوطني الموازي، ومن ذلك صياغة مناهج تكميلية تتعهد الأحزاب والأسر بتنشئة أبناء الوطن على مضامينها، وخاصة الشباب منهم؛ على أن يسهم الإعلام بكل وسائله العامة والخاصة بعمل موازٍ للحفاظ على، أو خلق ثقافة وطنية إيجابية، وعلى محاربة اليأس والسلبية التي تبثها جهات مبرمجه لتثبيط الهمم، وتهيئة الرأي العام لعدم قبول أي صفقات خنوع واستسلام، والتي سمعنا بعضها.
وإن المقاربة التي يجب على الجميع إدراكها : بأن الحكومات، وخاصة الحكومة الحالية، لا تستطيع المجاهرة برفض، أو بقبول صفقة القرن، ولا تستطيع اتخاذ إجراءات معلنة تجاه ذلك، وبالمقابل فإن الشعب الأردني لا يمكنه بأي حال من الأحوال قبول هذه الصفقة بأي شكل من الأشكال. وعليه فليكن اتفاقاً ضمنياً بين الشعب والحكومة؛ على أن تتاح للشعب من خلال مؤسساته المدنية المختلفه أن يقوم بدوره الوطني الحقيقي، وأن تستخدم الحكومة هذا الدور المجتمعي كسلاح لعدم قدرتها على تلبية متطلبات الصفقة، ومواجهة الضغوط الصهيوأمريكية في تنفيذ أهدافها.
نتأمل في حال الأخذ بهذه الإستراتيجية، ولو من الجهات غير الحكومية، أن نخلق ثقافة وطنية ممانعة لدى النشئ ترتكز على الإيمان بالله، وحب الوطن. لعلى الله يجعلنا من زمرة عباده "أولي البأس الشديد" الذين سيدخلون المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا، والله أصدق الواعدين .
*أمين عام وزارة تطوير القطاع العامومدير عام معهد الادارة العامة سابقا