الحكومة.. النواب.. الإعلام
د. خالد كلالدة
جو 24 :
غالبيتنا يعرف جوزيف غوبلز وزير الدعاية السياسية في عهد أدولف هتلر وهو صاحب شعار "اكذب حتى يصدقك الناس".
دأبت حكوماتنا ونوابنا وإعلامنا على تكرار مقولة إن الطاقة اللازمة لإنتاج الكهرباء وتوفيرها هي المعضلة الرئيسية والأولى في العجز المتراكم في قانون الموازنة العامة، وبأن المواطن المستهلك (لاحظوا المواطن) من خلال حاجته لهذه المادة واستهلاكها هو المسؤول عن العجز الناجم عن توليدها، وتصل إلى المواطن من دون أن يدفع كلفتها، وبأن حكومتنا (أدامها الله) وسابقاتها عملت على ديمومتها، وأمضت جل وقتها وإمكاناتها في إيجاد السبل والحلول لاستمرار تدفق هذه المادة الحيوية للمواطن (المبرطع)، وفي نفس الوقت تقوم حكومتنا بالتفكير عنا ولنا عن بدائل وطرق تخفف من خلالها عجز الخزينة المتراكم والمطرد، وتحرص الحكومة على تذكيرنا بقيمة الدعم المقدم من قبلها لفاتورة الكهرباء، من خلال حيز مخصص لإظهار قيمة الدعم الحكومي على الكشف الشهري (الفاتورة). لا جدال أن كلفة إنتاج الكهرباء أعلى بكثير مما يدفعه المواطن (المستهلك)، ولكن ألم يأن الأوان لترك أسلوب غوبلز ونبحث في الأسباب (بهدف الاستفادة من التجربة) ونبحث عن حلول أكثر عدالة؟
نعلم جميعنا أنه عندما تمت عملية خصخصة الكهرباء جرى تفتيتها الى ثلاثة قطاعات: الأول يعنى بالتوليد والثالث يعنى بالتوزيع وفي الوسط تموضعت الحكومة من خلال شركة الكهرباء الوطنية، التوليد والتوزيع تم بيعهما للقطاع الخاص من خلال مستثمرين بحيث كفلت اتفاقيات البيع ربحا سنويا صافيا لا يقل عما نسبته 10 % لكل قطاع، أي 20 % للقطاعين، وأوكل للشركة الحكومية مهمة شراء الكهرباء من المولد وبيعها للموزع شريطة التزام الشركة الحكومية بتوفير الطاقة اللازمة لإنتاج الكهرباء!
فما الذي حصل بعد ذلك؟ ارتفعت وبشكل جنوني فاتورة الطاقة اللازمة لإنتاج الكهرباء (انقطاعات الغاز المصري، وارتفاع أسعار النفط)، وعلى كاهل الشركة الحكومية، بينما استمر قطاعا التوليد والتوزيع (المملوكان للقطاع الخاص) بتحقيق الأرباح! وهنا ينشأ سؤال؛ من هو المسؤول عن ذلك؟ والإجابة: بالتأكيد ليس المواطن (المستهلك)، وعلى جهابذة الاقتصاد الإجابة عن هذا السؤال. ولكن الأمر المؤسف الذي يبعث على القلق أن نجوم هذه القرارات ما يزالون ممسكين بزمام القرار الاقتصادي، ويوظفون الجهاز البيروقراطي المتهالك لتسويق أفكارهم وحلولهم.
وللتدليل على ما ذهبت إليه اقتبس من مقالة للأستاذ جواد عباسي؛ حيث تناول في مقالته شركة كهرباء إربد كمثال (مسؤولة عن نقل وتوزيع الطاقة في محافظات الشمال)، علما أن كهرباء إربد تشتري كامل حاجتها من الكهرباء من الشركة الحكومية، في أيار (مايو) العام 2012 تم رفع سعر الكهرباء على قطاعات محددة وبالشكل التالي: قطاع ضخ المياه بنسبة
22 %، قطاع الفنادق بنسبة 30 %، قطاع المواني بنسبة 23 %، إنارة الشوارع بنسبة 25 %، الاتصالات والبنوك والصناعات الاستخراجية بنسبة 150 %.
فماذا كانت النتيجة..؟ ارتفعت مبيعات الشركة (إربد) بنسبة 2 %، ارتفعت العائدات المالية لشركة إربد بنسبة 14 %، ارتفع معدل سعر البيع (لصالح شركة إربد) بنسبة 12 %، ارتفاع الكمية المشتراة من الحكومة (شركتها)
3 %، ارتفاع فاقد الكهرباء بشبكة الشركة (إربد) بنسبة 13 %، ارتفاع نسبة المبالغ غير المحصلة (من المستهلك) بنسبة... .
والخلاصة، أن شركة كهرباء إربد ضيعت أكثر، وقلت كفاءة التوزيع في شبكاتها، ولكن أرباحها زادت بما نسبته 111 %، ويعود سبب ذلك لأن الشركة الحكومية بقرار الرفع زادت ما نسبته 6 % على شركة كهرباء إربد، في حين قامت الشركة ووفق نفس القرار ببيع الكهرباء للمستهلك بزيادة قدرها 12 %! لتصل قيمة أرباح شركة كهرباء إربد لعشرة ملايين ونصف من الدنانير العام 2012 أي بعد قرار الرفع، علما بأنها بلغت أربعة ملايين وتسعمئة ألف للعام 2011.
وفي الخلاصة، إذا ما أردنا اجتراح حلول شافية وواقعية ودائمة، لا بد لنا أن نتوقف مطولا في البحث عن الأسباب التي أوصلتنا لهذا الحال، وليس اتباع طريقة غوبلز أو الطريقة الحكومية باللطم والشكوى ومعالجة الأعراض، من دون البحث في الأسباب بهدف الاستفادة من التجربة على أقل تقدير!
وعليه، فإن بحث كافة الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية من قبل مؤتمر وطني جامع تشارك فيه كافه الفاعليات بدون استثناء من خلال خبراء أو مهتمين تعمل على وضع خطة وطنية شاملة، تصحح ما أوصلنا وما يزال إلى هذه الحالة من انسداد الأفق، وأن لا يقتصر البحث على لجان تشكلها الحكومة، ومن نفس المدرسة الاقتصادية (اقتصاد السوق) التي دمرت وما تزال الموارد الشحيحة للدولة، ومما يمكن بحثه في هكذا مؤتمر: قانون أحزاب متطور ومتحرر من كافة القيود، قانون انتخابي على مستوى المحافظة، طرح اقتصاد السوق الاجتماعي كبديل لاقتصاد السوق المتبع، وإصلاح الاختلالات في قانون الموازنة العامة للدولة والمتمثلة في: وقف الهدر الحكومي والمقدر بما يزيد على مليار دينار سنويا، معالجة التهرب الضريبي والمقدر بـ800 مليون سنويا، تصحيح توجيهه الدعم للفئات المستحقة، حيث يذهب للأغنياء ما نسبته 60 % من قيمة الدعم والمقدرة بـ700 مليون سنويا، معالجة الهيئات والوحدات الحكومية المستقلة والتي تتسبب في نزف يقدر بحوالي 300 مليون سنويا، الانتهاء من التسويف في إقرار قانون ضريبة تصاعدي، والذي يحقق عائدا سنويا إضافيا يقدر بـ800 مليون سنويا، العمل على تحصيل المبالغ المستحقة للخزينة على المكلفين ضريبيا والذي يقدر بمليار و700 مليون دينار. ومما يمكن بحثه في المؤتمر كذلك وضع استراتيجية لحل معضلة النقل العام وتوجيه الدعم له، إعادة دراسة القطاع الصحي بالكامل وعلى مستوى المملكة، وصولا للتأمين الصحي الشامل (ليس المجاني)، وإعادة تقييم ودراسة العملية التعليمية بكافة مراحلها، وإنجاز قانون الضمان الاجتماعي، والتشديد على ضرورة استقلالية المؤسسة عن الحكومة وضغوطاتها من خلال استحداث منصب محافظ للمؤسسة، وتشكيل لجنة خاصة في النواب والأعيان لبحث ومناقشة موازنات المؤسسات خارج الرقابة البرلمانية لخصوصيتها، وتفعيل دور القانون وضمان استقلالية القضاء، وبحث خطط تنموية في المحافظات، بعيدا عن المشاريع ذات الطابع الشعبوي، وإعادة العمل بالخدمة العسكرية. (الغد)
غالبيتنا يعرف جوزيف غوبلز وزير الدعاية السياسية في عهد أدولف هتلر وهو صاحب شعار "اكذب حتى يصدقك الناس".
دأبت حكوماتنا ونوابنا وإعلامنا على تكرار مقولة إن الطاقة اللازمة لإنتاج الكهرباء وتوفيرها هي المعضلة الرئيسية والأولى في العجز المتراكم في قانون الموازنة العامة، وبأن المواطن المستهلك (لاحظوا المواطن) من خلال حاجته لهذه المادة واستهلاكها هو المسؤول عن العجز الناجم عن توليدها، وتصل إلى المواطن من دون أن يدفع كلفتها، وبأن حكومتنا (أدامها الله) وسابقاتها عملت على ديمومتها، وأمضت جل وقتها وإمكاناتها في إيجاد السبل والحلول لاستمرار تدفق هذه المادة الحيوية للمواطن (المبرطع)، وفي نفس الوقت تقوم حكومتنا بالتفكير عنا ولنا عن بدائل وطرق تخفف من خلالها عجز الخزينة المتراكم والمطرد، وتحرص الحكومة على تذكيرنا بقيمة الدعم المقدم من قبلها لفاتورة الكهرباء، من خلال حيز مخصص لإظهار قيمة الدعم الحكومي على الكشف الشهري (الفاتورة). لا جدال أن كلفة إنتاج الكهرباء أعلى بكثير مما يدفعه المواطن (المستهلك)، ولكن ألم يأن الأوان لترك أسلوب غوبلز ونبحث في الأسباب (بهدف الاستفادة من التجربة) ونبحث عن حلول أكثر عدالة؟
نعلم جميعنا أنه عندما تمت عملية خصخصة الكهرباء جرى تفتيتها الى ثلاثة قطاعات: الأول يعنى بالتوليد والثالث يعنى بالتوزيع وفي الوسط تموضعت الحكومة من خلال شركة الكهرباء الوطنية، التوليد والتوزيع تم بيعهما للقطاع الخاص من خلال مستثمرين بحيث كفلت اتفاقيات البيع ربحا سنويا صافيا لا يقل عما نسبته 10 % لكل قطاع، أي 20 % للقطاعين، وأوكل للشركة الحكومية مهمة شراء الكهرباء من المولد وبيعها للموزع شريطة التزام الشركة الحكومية بتوفير الطاقة اللازمة لإنتاج الكهرباء!
فما الذي حصل بعد ذلك؟ ارتفعت وبشكل جنوني فاتورة الطاقة اللازمة لإنتاج الكهرباء (انقطاعات الغاز المصري، وارتفاع أسعار النفط)، وعلى كاهل الشركة الحكومية، بينما استمر قطاعا التوليد والتوزيع (المملوكان للقطاع الخاص) بتحقيق الأرباح! وهنا ينشأ سؤال؛ من هو المسؤول عن ذلك؟ والإجابة: بالتأكيد ليس المواطن (المستهلك)، وعلى جهابذة الاقتصاد الإجابة عن هذا السؤال. ولكن الأمر المؤسف الذي يبعث على القلق أن نجوم هذه القرارات ما يزالون ممسكين بزمام القرار الاقتصادي، ويوظفون الجهاز البيروقراطي المتهالك لتسويق أفكارهم وحلولهم.
وللتدليل على ما ذهبت إليه اقتبس من مقالة للأستاذ جواد عباسي؛ حيث تناول في مقالته شركة كهرباء إربد كمثال (مسؤولة عن نقل وتوزيع الطاقة في محافظات الشمال)، علما أن كهرباء إربد تشتري كامل حاجتها من الكهرباء من الشركة الحكومية، في أيار (مايو) العام 2012 تم رفع سعر الكهرباء على قطاعات محددة وبالشكل التالي: قطاع ضخ المياه بنسبة
22 %، قطاع الفنادق بنسبة 30 %، قطاع المواني بنسبة 23 %، إنارة الشوارع بنسبة 25 %، الاتصالات والبنوك والصناعات الاستخراجية بنسبة 150 %.
فماذا كانت النتيجة..؟ ارتفعت مبيعات الشركة (إربد) بنسبة 2 %، ارتفعت العائدات المالية لشركة إربد بنسبة 14 %، ارتفع معدل سعر البيع (لصالح شركة إربد) بنسبة 12 %، ارتفاع الكمية المشتراة من الحكومة (شركتها)
3 %، ارتفاع فاقد الكهرباء بشبكة الشركة (إربد) بنسبة 13 %، ارتفاع نسبة المبالغ غير المحصلة (من المستهلك) بنسبة... .
والخلاصة، أن شركة كهرباء إربد ضيعت أكثر، وقلت كفاءة التوزيع في شبكاتها، ولكن أرباحها زادت بما نسبته 111 %، ويعود سبب ذلك لأن الشركة الحكومية بقرار الرفع زادت ما نسبته 6 % على شركة كهرباء إربد، في حين قامت الشركة ووفق نفس القرار ببيع الكهرباء للمستهلك بزيادة قدرها 12 %! لتصل قيمة أرباح شركة كهرباء إربد لعشرة ملايين ونصف من الدنانير العام 2012 أي بعد قرار الرفع، علما بأنها بلغت أربعة ملايين وتسعمئة ألف للعام 2011.
وفي الخلاصة، إذا ما أردنا اجتراح حلول شافية وواقعية ودائمة، لا بد لنا أن نتوقف مطولا في البحث عن الأسباب التي أوصلتنا لهذا الحال، وليس اتباع طريقة غوبلز أو الطريقة الحكومية باللطم والشكوى ومعالجة الأعراض، من دون البحث في الأسباب بهدف الاستفادة من التجربة على أقل تقدير!
وعليه، فإن بحث كافة الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية من قبل مؤتمر وطني جامع تشارك فيه كافه الفاعليات بدون استثناء من خلال خبراء أو مهتمين تعمل على وضع خطة وطنية شاملة، تصحح ما أوصلنا وما يزال إلى هذه الحالة من انسداد الأفق، وأن لا يقتصر البحث على لجان تشكلها الحكومة، ومن نفس المدرسة الاقتصادية (اقتصاد السوق) التي دمرت وما تزال الموارد الشحيحة للدولة، ومما يمكن بحثه في هكذا مؤتمر: قانون أحزاب متطور ومتحرر من كافة القيود، قانون انتخابي على مستوى المحافظة، طرح اقتصاد السوق الاجتماعي كبديل لاقتصاد السوق المتبع، وإصلاح الاختلالات في قانون الموازنة العامة للدولة والمتمثلة في: وقف الهدر الحكومي والمقدر بما يزيد على مليار دينار سنويا، معالجة التهرب الضريبي والمقدر بـ800 مليون سنويا، تصحيح توجيهه الدعم للفئات المستحقة، حيث يذهب للأغنياء ما نسبته 60 % من قيمة الدعم والمقدرة بـ700 مليون سنويا، معالجة الهيئات والوحدات الحكومية المستقلة والتي تتسبب في نزف يقدر بحوالي 300 مليون سنويا، الانتهاء من التسويف في إقرار قانون ضريبة تصاعدي، والذي يحقق عائدا سنويا إضافيا يقدر بـ800 مليون سنويا، العمل على تحصيل المبالغ المستحقة للخزينة على المكلفين ضريبيا والذي يقدر بمليار و700 مليون دينار. ومما يمكن بحثه في المؤتمر كذلك وضع استراتيجية لحل معضلة النقل العام وتوجيه الدعم له، إعادة دراسة القطاع الصحي بالكامل وعلى مستوى المملكة، وصولا للتأمين الصحي الشامل (ليس المجاني)، وإعادة تقييم ودراسة العملية التعليمية بكافة مراحلها، وإنجاز قانون الضمان الاجتماعي، والتشديد على ضرورة استقلالية المؤسسة عن الحكومة وضغوطاتها من خلال استحداث منصب محافظ للمؤسسة، وتشكيل لجنة خاصة في النواب والأعيان لبحث ومناقشة موازنات المؤسسات خارج الرقابة البرلمانية لخصوصيتها، وتفعيل دور القانون وضمان استقلالية القضاء، وبحث خطط تنموية في المحافظات، بعيدا عن المشاريع ذات الطابع الشعبوي، وإعادة العمل بالخدمة العسكرية. (الغد)