jo24_banner
jo24_banner

أم الكروم و صناعة الرأي العام الوطني الأردني 1-2

د. محمد تركي بني سلامة
جو 24 :


لا أحد يجادل في حقيقة أن الإعلام سلطة قوية و مستقلة، ويلعب الدور الأبرز في صناعة الرأي العام و تشكيله و تعبئته، وفي حالات الصراع فإن دور الإعلام في المقاومة لا يقل عن دور البندقية، فالكلمة المقاتلة عبر وسائل الإعلام لا تقل أهمية عن السلاح في ميادين القتال.

ومثل ما للإعلام دور ورسالة، فإن للفن مهمة ورسالة، و يلعب دوراً هاماً في بناء الإنسان، وخلق شخصيته، والفن الراقي الملتزم بمكن أن يكون سلاحاً في الدفاع عن الحق وإعلاء كلمته، في صراعه ضد الباطل، فالفن والإعلام يسيران في مسار واحد، وذلك في سبيل الوطن، ومن أجل خيره وخير أبنائه. وتأتي الدراما في مقدمة وسائل الاعلام في صناعة او تشكيل الراي العام.

يقف الأردن اليوم على مفترق طرق، فإما أن يكون ويصمد ويقاوم، أو -لا قدر الله- نبكي مثل الصغار، وطنا أضعناه، ولم نحافظ عليه مثل الكبار، الذين حافظوا على أصغر حبة تراب من أرضه الطهورة.

وفي معركة حماية الوطن والدفاع عن كرامته وحقه في الوجود، تصبح كل الأسلحة مشروعة، هذه الأيام نحن بأمس الحاجة إلى إعلام وطني حر، يستنهض الهمم، ويزرع الأمل، ويعزز ثقافة المقاومة والصمود، ورفض المساومة والاستسلام ، وخلق مجتمع جديد، هو مجتمع النصر ، القادر على مواجهة كل المخططات الشريرة و الصفقات المشبوهة التي تستهدف وجودنا وهويتنا وحاضرنا، وأجيالنا المستقبلية.

إن الحلول السريعة والسطحية لا يمكن أن تحل المشكلات العميقة التي نواجها، والتغيير الحقيقي يجب ان يكون في الأعماق، وليس في المظاهر والأشكال، فالتغيير المنشود ينبغي أن يكون عند جذور مجتمعنا وأمراضه، ومعيقات ثباته وصموده وتطوره.

إن المحنة التي يواجهها الأردن، هذه الأيام، ليست سهلة، فالتجار والسماسرة والعملاء شرق النهر وغربه، في الضفة الصامدة و في الضفة السليبة موجودون، فعمان والبتراء في عين العاصفة مثل القدس وبيت لحم، حيث التحدي الصهيو أمريكي الذي كشر عن انيابه في وجه وجودنا، ويرافق ذلك تخاذل الأصدقاء و تآمر بعض الأشقاء، فأصبح الأردن بأمس الحاجة الى إعادة النظر في كثير من المواقف في العلاقات الخارجية ، وكذلك السياسات الداخلية .

المسلسل الوطني الأردني ام الكروم للكاتب الأردني المرموق ، وصاحب الضمير الوطني النقي، والسمعة الطيبة ، الدكتور مخلد الزيودي ، أستاذ الدراما في جامعة اليرموك ، والمخرج المتألق سعود خليفات ، ومثله نخبة من الممثلين الأردنيين ، عبَر بشكل دقيق عن حالة المجتمع الأردني في حقبه تاريخية معينة ، والنتائج الكارثية لبيع الأرض وسيطرة الجهل في تلك الحقبة.

الجزء الثاني من مسلسل ام الكروم ضرورة و مصلحة وطنية عليا، وهو جاهز للانطلاق ، وهذا ما أكده مؤلف المسلسل الدكتور مخلد الزيودي في أكثر من مناسبة، وفي هذه الحقبة المضطربة من تاريخ الأردن الحديث ، فان الجزء الثاني من مسلسل أم الكروم يمكن أن يسهم في تصويب الكثير من الأخطاء و الممارسات و السياسات على نحو كبير ، ويجسد حقيقة الآمال بالابتعاد عن القشور، والوصول الى الجوهر ، وأن يكون التغيير المنشود تغييراً حقيقاً بعيداً عن الزيف و التضليل و الخداع، تغييراً يعالج المرض و لا يخدر المريض.

إن التلفزيون الأردني ، الذي أراده الحسين سلاح للحق ، يعينه على شق طريقه للنصر، يجب أن يسارع الى إتاحة الفرصة وحشد الطاقات ، و تهيئة الظروف المناسبة لاستكمال مشروع فني وطني جاد، مع التركيز قدر الإمكان على الحالة الأردنية الراهنة ، فنحن لا نستطيع أن نكون عربا أكثر من العرب، ولن نستطيع أن نساعد الأشقاء في بغداد ودمشق وصنعاء وغيرها إذا كانت عمان ، لا قدر الله ، مستهدفة و مهددة ، فالأعباء التي فرضت على الاردن في السنوات القليلة الماضية تفوق امكانات دول كبرى ، فكيف يكون الوضع في بلد محدود الامكانات وشحيح الموارد .

وختاما، فان هذا المطلب لا يمكن الاستجابة له دون أن يتم إعادة ضبط بوصلة التلفزيون الأردني بحيث يكون تلفزيون دولة، لا تلفزيون حكومة هزيلة باهتة ، تلفزيون أردني الهوى و الهوية و القضية ، شرق النهر وغربه، فالتلفزيون الاردني خير منبر لتأكيد رسالة الاردن ومواقفه المبدئية الثابتة ، ورسالته الوطنية التاريخية ، في معركة لا تنتهي هي معركة بناء الوطن والدفاع عنه في وجه كل الاخطار والتحديات ، لا يمكن لاحد ان يتهرب من نتائج التهرب المستمر من تحمل المسئولية ، وإلا فان إكرام الميت دفنه وعظم الله أجركم.

الكاتب: يساري أردني
تابعو الأردن 24 على google news