الدراما تصنع رأياً عاماً و الذاكرة الوطنية سر بقائنا 2-2
د. محمد تركي بني سلامة
جو 24 :
المسلسل الوطني أم الكروم الذي تم بثه عام 1998، استطاع على مدى 22 سنه ان يصنع رأياً عاماً لدى المجتمع الأردني، إلى درجة أن تحول موقع تصوير المسلسل في منطقه شفا بدران الى رمز وطني ، ومزار للأردنيين ، نظراً لارتباطهم بالأرض التي هي جزء أصيل من هويتهم الوطنية و آمالهم المستقبلية، فيما عجزت الكثير من الأعمال الفنية والكتابات الإعلامية عن تشكيل رأي عام لدى المجتمع الأردني فضلاً عن صناعته.
و إذا كان هناك تقصير رسمي تجاه الأعمال الدرامية ذات المضامين والأبعاد الوطنية، فإننا نتساءل عن دور البرجوازية الوطنية الأردنية في هذا المجال، أين دور القطاع الخاص ولماذا لا يقوم بتبني و تمويل إنتاج أعمال درامية وطنيه جديرة بالتقدير و الإكبار، وفيها منافع للبلاد والعباد ؟.
مسلسل أم الكروم صنع رأياً عاماً، و وجه رسالة للأردنيين بان يتنبهوا إلى ما يراد بهم من أخطار وشرور، و أن يحافظوا على بقيه ما تبقى من أرضهم، لقد استفز مسلسل أم الكروم المجتمع الأردني على مدى 22 سنه، بعد أن وصل الأردنيون إلى مرحله غير مسبوقة في تاريخهم الحديث ، من القلق المشروع و الخوف المبرر ، على بلادهم و أجيالهم المستقبلية ، ولسان حالهم يقول: إلى متى الصمت على بيع مقدرات الوطن بثمن بخس، و بحجج واهية، وتحت أوهام جذب الاستثمار؟
إننا نعلم علم اليقين بان الحال إذا استمر على ذات المنوال، الذي ما تزال البلاد عليه حتى اليوم، فان خواتيم أبناء شرق الأردن لا تختلف كثيرا عن نهاية الهنود الحمر في أمريكا، ولذلك فانه لا بد من قطع دابر كل الآمال التي يعلقها اليهود على فتح أبواب البلاد أمام اللاجئين و المهاجرين و المتجنسين ، لتحويل الأردنيين الى اقلية في بلادهم ، او تحويل بلادهم الى وطن بديل لغيرهم، وهذا امر لا يمكن للأردنيين احتماله او القبول به مهما كان الحال ومهما تكن الظروف.
لقد تحققت النبوءة التي جاء بها مسلسل أم الكروم منذ عام 1998 حتى اليوم ، و بالتدريج و على مراحل، بالرغم من كل الجهود التي بذلت والنداءات التي وجهت من لدن الأصوات الوطنية الحرة التي طالبت و لا تزال تطالب بالتوقف عن بيع أصول الدولة، ولا ننسى دور مجلس النواب المتواطئ، نتيجة عجزه عن سن تشريعات رشيدة تمنع بيع أصول البلاد و مقدراتها، وإجبار الحكومة على تبني سياسات تمكن الأردنيين من مواجهه أعباء الحياة دون الاضطرار الى بيع أراضيهم ، فالتاريخ و الناس لا تذكر مجلس النواب إلا في معرض الاتهام والتشكيك و الانتقاد .
و بالمقارنة مع بعض الدول العربية الشقيقة، فبالرغم من الأزمة المعقدة التي تعيشها سوريا منذ ما يقارب عشر سنوات، فقد قامت سوريا بإعادة كتابة تاريخها و إنتاجه ، في أعمال درامية منذ عهد زنوبيا حتى الوقت الحاضر، وأنفقت الملايين من الأموال على الأعمال الدرامية التي تخلد تاريخ الإنسان السوري و نضاله و تضحياته و إنجازاته .
بعد ايام قليله ستحل علينا ذكرى معركة الكرامة الخالدة بتاريخ 21 آذار، والتي استطاع فيها الجيش الأردني أن يلحق هزيمة كبيرة بالجيش الإسرائيلي ، ويحطم أسطورة الجيش الذي لا يقهر، ومن حقنا أن نتساءل : لماذا لم يتم إنتاج أي عمل تلفزيوني يخلد ذكرى أول انتصار عربي على إسرائيل حتى اليوم؟، ومن هو صاحب الشأن في هذا الامر ؟ كما أن هناك الكثير من المحطات الخالدة في تاريخ الأردن ، و التي لا يعرف عنها جيل اليوم إلا القليل ، والتي يمكن أن تكون نماذج لأعمال درامية ، مثل ثورة الشوبك عام 1905 ، و هي واحدة من سلسلة الثورات الصغرى في تاريخ الاردنيين النضالي ضد الاحتلال التركي العثماني ، أو حركات التحرر الوطني ضد الانتداب البريطاني عام 1923 مثل حركة ماجد العدوان وكليب الشريدة ، وخصوصا ان كثير من المعلومات والحقائق عن هذه الاحداث التاريخية تم طمسها عن قصد ، فضلا عن تشويه صورتها ، او المؤتمر الوطني الأردني عام 1928، أو تعريب الجيش الأردني عام 1956، او هبة نيسان عام 1989 وغيرها الكثير من المحطات البارزة في تاريخ الأردن الحديث وصولا إلى الحراك الشعبي الاردني في مرحلة الربيع العربي 2011. لماذا يتم تجاهل الشخصيات الوطنية و الانتقاص من قيمتها ، وهي تمثل مكوناً اساسياً من تاريخ و ذاكرة هذا الوطن من أمثال شاعر الاردن الكبير مصطفى وهبي التل أو رئيس المؤتمر الوطني الاردني حسين الطراونة أو الشهيد هزاع المجالي الشهيد وصفي التل ، وهم في دار الخلود ، وغيرهم الكثير من اصحاب قصص البطولة التي تحصن البلاد و تحمي الاستقلال و تنجب الحرية و تمنع الاستبداد؟!.
وختاما يجب أن نعلم أن سبب بيع المقدرات و نكران الذاكرة الوطنية و وصولنا الى ما وصلنا إليه من خراب و فساد واستبداد و فقر و جوع و مديونية و غيرها، كان نتيجة عجزنا وسكوتنا و تقاعسنا عن حقوقنا وعدم امتلاكنا لإرادتنا ، و الرضا بتسليم شؤونا و مقدرات بلادنا الى سماسرة وتجار، لا ناقة لهم في البلاد ولا جمل ، وهم غرباء واجانب ليسوا منا ولسنا منهم .
الكاتب : يساري أردني